السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

العنصر البشري والحلول الرقمية بالمصارف

27 مايو 2016 21:21
هل حقاً دق جرس التغيير في الصناعة المصرفية كما نظن؟ يعتقد الكثيرون أنه في ظل انتشار الحلول الرقمية أو ما يُسمى بالذكاء الصناعي، سيلجأ القطاع المصرفي إلى تقليص موارده البشرية والاعتماد بشكل أكبر على الحلول الرقمية، وهي خطوة قد تثير غضب الكثير من المصرفيين تجاه العالم الرقمي. ولكن مثلما كان في عصر الثورة الصناعية، الذي انتشرت فيه الآلات والابتكارات إلا أنه لم يركن إليها كلياً وظل معتمداً على العنصر البشري، لذا لن نحصر أنفسنا في الحلول الرقمية المبتكرة ونستغني عن اللمسة البشرية، وهو ما يتفق عليه عملاء القطاع المصرفي في الإمارات، حيث إن زيادة الإقبال على الخدمات عبر الإنترنت والهواتف الذكية، يواكبها ارتفاعٌ في فروع المصارف. وإجمالاً، شهد مفهوم تقديم الخدمات المصرفية تغيّراً جذرياً بفضل البدائل الرقمية، إذ ذكر «سيتي بنك» أن الاستثمارات العالمية في تكنولوجيا الحلول المالية ارتفع من 1.8 مليار دولار في 2010 إلى 15 مليار دولار في 2015. وما دفع المؤسسات المصرفية إلى الاستعانة بهذه الحلول المبتكرة هو كفاءتها وسرعتها العالية في تقديم الخدمات، كذلك إمكاناتها الكبيرة في تقديم شريحة عريضة من الخدمات والاستشارات والمتابعة بالاستناد إلى أحدث التقنيات وغيرها من تحليلات البيانات الشاملة. وقد تكيّفت الإمارات سريعاً مع التقنيات الرقمية سواء في الهواتف الذكية أو الخدمات الحكومية وغيرها، حيث وجد العملاء أن الخدمات المصرفية المقدمة عبر الإنترنت أو الهواتف الذكية أكثر كفاءةً، وهو ما يُعزى إلى تكيّف سكّان الدولة مع التقنيات، ويدعم فكرة توجّه القطاع المصرفي في جميع أنحاء العالم نحو تحويل خدماته إلى الصورة الرقمية. وبالرغم مما سبق، فهذه الأرقام لا تكشف إلا جانباً واحداً من المشهد العام، حيث أظهر استطلاع شارك فيه عملاء المصارف أن 97 بالمئة من المشاركين لا يزالون يفضلون الذهاب إلى فروع المصارف المحلية والتحدث إلى أحد الموظفين بدلاً من تلقي المساعدة من أنظمة الاستجابة التفاعلية في الهواتف الذكية. ويرجع ذلك إلى رغبتهم في التعامل مع أحد مدراء علاقات العملاء لطلب النصائح أو فهم الخيارات المصرفية المحيّرة أو المعقدة أو حل مشكلة ما. ولهذا لم ينخفض معدل زيارات العملاء لدى فروعنا سوى حوالي 6 بالمئة رغم الاستجابة الكبيرة التي شهدتها الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهواتف الذكية. وفيما يخص القطاع المصرفي في دولة الإمارات وكيف سيبدو في المستقبل، أعتقد أننا سنرى توجهين جديدين، أحدهما يمزج بين اللمسة البشرية والحلول الرقمية، سواء في تطبيقات الهواتف الذكية أو الخدمات المقدمة عبر الإنترنت والفروع، بينما سيتبلور الآخر في زيادة قدرة العملاء في ادخار الأموال وإنفاقها وتحويلها. تجدر الإشارة إلى أن نحو 70% من الاستثمارات المصرفية في الحلول الرقمية يُخصص للابتكارات في طرق الدفع. وبالرغم من المنافسة التي تشهدها المصارف من الحلول المالية المبتكرة (Fintech)، أو بالأحرى الشركات غير المصرفية في القطاع المالي مثل «باي بال» و«غوغل» و«آبل»، فستشهد هذه الاستثمارات مزيداً من التوسع. ولكن على هذه الشركات الراغبة في دخول قطاع طرق الدفع أن تضمن تقديم نفس مستوى الحماية والجودة لعملائها في تعاملاتهم مثلما تفعل المصارف، وهو ما أشار إليه جون وليامز، رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في سان فرانسيسكو، في أحد المؤتمرات. وستحافظ فروع المصارف على حضورها ولكن هذه المرة بدون طوابير، فقريباً سيعرف العملاء، من خلال التطبيقات الهاتفية، مدة انتظار الخدمة في أي فرع ليحظوا بفرصة تخطيط الزيارة وحجز موعد. وعموماً، ستقل الإجراءات البيروقراطية والاعتماد على الأوراق والمستندات، وسيتوفر للعملاء مجموعة خيارات أكثر أريحيةً وبساطةً في التعامل مع المصرف. ستغدو الإجراءات المطلوبة لفتح حساب، مثل تعبئة الكثير من النماذج وتقديم الوثائق، شيئاً من الماضي، إذ سيكفي العميل وضع بطاقة الهوية الإماراتية في جهاز الصرّاف لإجراء تعاملاته بل وسيتم اعتمادها كمصدر لتحديد التاريخ الائتماني للعميل. وبذلك، ستتمكن المصارف من التركيز على تقديم خدمات ذات قيمة أكبر، مثل الخدمات الاستشارية حول أفضل المنتجات للعملاء وشرح كيفية الاستفادة منها بالشكل الأمثل وتوضيح المخاطر والخيارات. كما سيتسنّى للمصارف تقديم النصائح حول إدارة الشؤون المالية الشخصية، بما في ذلك إعداد الميزانيات وإدارة النفقات، وتحديد أفضل الطرق لتوفير الأموال اللازمة للرسوم المدرسية والتخطيط للتقاعد. وعليه، فإن الفروع ستلعب دوراً أكثر أهمية على صعيد تقديم الاستشارات بدلاً من إجراء المعاملات المصرفية. ومن ناحية أخرى، سيتبلور الاتجاه الآخر نحو كيفية الاستفادة من الحلول المبتكرة في تحويل أموال العملاء دون الحاجة إلى امتلاك حسابات مصرفية. فقد ذهبت مجموعة من المصارف إلى آفاق جديدة، من بينها مصرف أبوظبي الإسلامي، حيث تعاونت مع اتحاد مصارف الإمارات لاستحداث وسيلة تتيح للعملاء من خلال هواتفهم الذكية شراء منتجات أو تحويل وادخار الأموال، تحت اسم Wallet (المحفظة الذكية)، وهي أول نظام مصرفي عالمي من نوعه يتم تقديمه في دولة الإمارات، علماً بأن غالبية المصارف الكبرى العاملة في الدولة ساهمت في دعم هذا النظام. وهذه الخطوة ستسهم بشكل فاعل في تحقيق استراتيجية الحكومة الذكية في الدولة، إلى جانب تمكين شريحة عريضة من غير المتعاملين مع المصارف حالياً أو المستبعدين مالياً من السكان للوصول إلى الخدمات الأساسية اللازمة. ورغم ما سبق، إلا أن مسألة أخرى تشغل فكر المصرفيين حالياً، وهي الانتهاء من التعامل بالعملات الورقية نهائياً، حتى أن المصارف المركزية العالمية تأخذ هذه الفكرة على محمل الجد، وبدأت في عقد الحوارات حول هذا الاتجاه المحتمل، بعدما أصبح قريب الحدوث. وختاماً، سيشهد مستقبل الصناعة المصرفية العديد من التغييرات، بينما ستستكمل الرقمنة مسيرتها في الارتقاء بتعاملاتنا إلى الأفضل كما ستتيح لنا خيار إدارة أموالنا (في أي صورة كانت) بالطريقة التي نفضلها. ولكننا في الإمارات لن نستغني عن الفروع مهما حدث من تغيرات بل سنعزز من الخدمات المقدمة إلى العملاء عن طريق التواصل الشخصي. * الرئيس التنفيذي لمصرف أبوظبي الإسلامي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©