الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخط الأخضر».. اكتشافات نفطية و2,5 مليون سائح سنوياً

«الخط الأخضر».. اكتشافات نفطية و2,5 مليون سائح سنوياً
7 يوليو 2009 22:49
عندما هبطت بنا الطائرة في مطار لارنكا، وقبل أن نتنسم هواء هذه الجزيرة العتيقة، استرجعت على الفور تفاصيل الأسطورة الإغريقية القديمة التي اعتبرت أنَّ قبرص هي مسقط رأس «أفروديت»، آلهة الجمال والحب، حيث ولدت أفروديت من زبد البحر الدافئ كما تقول الأسطورة، وما أن توقف محرك الطائرة وبدأنا في الخروج حتى تغيرت الصورة الذهنية التي لازمتني سنوات عن هذه الجزيرة التي تعتبر الأقرب لمشرقنا العربي، ووجدتني بلا مقدمات أمام جزيرة سياحية مؤهلة بكل ما في المعنى من إبهار. كانت درجة الحرارة تدور حول الثلاثين .. ممرات نظيفة ومرتبة، واستقبال يليق بجزيرة يقصدها السياح من شتى أرجاء العالم، ولافتات ترحيب في كل ركن من أركان صالة الاستقبال. من أجل السياحة «كالوسو ري ساتيه» وتعني «مرحباً بك في قبرص».. خرائط باللغات المختلفة للعاصمة والمدن الأخرى.. ودليل للسائحين.. وبرامج رحلات سفاري.. وقوائم بالفنادق وأسعارها.. باختصار كل شيء مرتب وينم عن حسن تنظيم وتخطيط في دولة يبلغ عدد سكانها أقل من 850 ألف نسمة، في حين يبلغ عدد السائحين الذين يزورونها سنوياً أكثر من مليونين ونصف المليون سائح. لقد ظلت قبرص مستعمرة بريطانية حتى 1960، وفي العام 1961 أصبحت عضواً في مجموعة الكومنولث وفي مايو من عام 2004 أصبحت قبرص عضواً في الاتحاد الأوروبي.. ولا تشكل المنطقة التي تخضع للسيطرة القبرصية سوى 59% فقط من مساحة الجزيرة من الجنوب.. فيما يشكل القسم التركي في الشمال 37 % من مساحة الجزيرة، وفرضت الأمم المتحدة خطاً أخضر مع قبرص التركية، ويغطي هذا الخط 3 % من مساحة الجزيرة، وهناك أيضا قاعدتان بريطانيتان هما أكروترى وديكيليا وتغطيان 3 % من مساحة الجزيرة. ويتم تطبيق القانون البريطاني في الأراضي التابعة للقاعدتين. المثير أن ما يسميه القبارصة احتلالاً تركياً، إلى جانب وجود القواعد البريطانية في الجزيرة والخط الأخضر، لم يثن القبارصة عن التقدم، فأصبحت قبرص واحدة من أفضل دول الاتحاد الأوروبي نمواً، وطبقاً لآخر تقارير البنك الدولي، فإنَّ معدل دخل الفرد يبلغ 28 ألف دولار، وهو أعلى من معدلات دخل الفرد في دول الاتحاد الأوروبي. ضيافة استطاعت البنية التحتية التي تعمل الحكومة القبرصية على تطويرها، من خلال فتح المجال أمام رؤوس الأموال الخاصة، اجتذاب رؤوس الأموال الأوروبية والآسيوية والإفريقية، لم لا وهي ثالث جزيرة في منطقة حوض المتوسط من حيث المساحة، وتتمتع بموقع متميز، كما أنَّها ملتقى لثلاث قارات، وخلال السنوات القليلة الماضية باتت قبرص، بعد اعتماد اليورو كعملة موحدة، من مناطق الجذب الاستثماري والسياحي في العالم، لكنَّ اكتشاف النفط مؤخراً في المنطقة الواقعة بين قبرص ومصر، وبين قبرص ولبنان، فتح آفاقاً أوسع للاقتصاد القبرصي. «جزيرة الحب» كما يحلو للجميع أن يسميها استقبلت خلال السنوات القليلة الماضية 24 ألف مهاجر غالبيتهم من اليونان وروسيا وبريطانيا، عرفت كيف تسلك الطريق الصحيحة، فبات الشعب القبرصي والمقيمون فيها أكثر انفتاحاً وضيافة، يتجلى ذلك من خلال الابتسامة الدائمة على وجوه الناس مرحبين بضيوفهم على هذه الجزيرة. وإذا كان الدخل السياحي السنوي لقبرص يزيد عن 50% من ناتجها القومي فإن ذلك لم يثنها عن تطوير البنية التحتية والتعليمية بطريقة مذهلة، ولك أن تعلم أنَّ في قبرص 12 جامعة معتمدة دولياً إلى جانب جامعات صغيرة أخرى، فالقبارصة ينفقون 7% من الدخل القومي على التعليم، مما يجعلها أحد الدول الثلاث الأول في الاتحاد الأوروبي، بعد السويد والدانمارك في الإنفاق على التعليم، وأبرز تلك الجامعات هي جامعة قبرص التي تأسست عام 1989م، وآخرها جامعة قبرص للتكنولوجيا والتي بدأت أعمالها في عام 2007م. اللحم المسروق لا تسأل عن المطبخ القبرصي، فللقبارصة فلسفة مختلفة عن الآخرين في طعامهم وطريقة تقديمه، وأهم ملامح المطبخ القبرصي هي (( المزة )) هكذا يقول تونيس موزوريس (57 سنة) وصاحب مطعم شهير في منطقة (أيا نابا) السياحية، حيث يوضح: المزة عبارة عن وجبة مقبلات تضم أصنافاً متنوعة من الأطباق القبرصية الأصلية، ولكن بكميات صغيرة لا تتوقف حتى يطلب الزبون التوقف بنفسه.» ويضيف قائلا: «أشهر هذه الوجبات هي «الكلفتيكو»، وتعني اللحم المسروق، ولها قصة تاريخية، وهي لحمة مأخوذة من رجل الماعز، و «البوتيتوس» وهي البطاطا المحشوة، وكذلك «موسكا»، أو مسقعة مطبوخة بالباذنجان مع لحم صغير». مشيراً إلى أنَّ مطعمه يقدم جميع أنواع الخبز القبرصي اللذيذ «الخورياتيكو»، لكنه ابتكر صنفاً مختلفاً من الخبز يباع حصرياً في مطعمه. نحب العالم أسأل تونيس الذي يحمل المطعم اسمه عن معاملته الطيبة وروحة المرحة مع الزبائن، وما إذا كان هذا سلوك كل القبرصيين في تعاملهم مع السياح الأجانب. فيرد على الفور: «أنا أحب قبرص بلدي وأريد أن يحبها العالم كله، وبسبب هذه الروح المرحة التي تنبع من مشاعري كسبت صداقات كثيرة سواء في داخل قبرص أو من بقية العالم، تربطني علاقات معهم، وهم يزورونني كلما قصدوا قبرص، وآمل أن تزورني أنت كذلك متى زرت قبرص مرة ثانية». أنواع مختلفة من الجبنة يحفل بها المطبخ القبرصي، لكن الحلومي هي الأشهر، وهي مصنوعة بمزيج من حليب الماعز والغنم، وأصلها قبرصي وتقدم على شكل شرائح أما نية أو مشوية. لقد أتاح موقع الجزيزة المتميز جغرافياً لمطبخها أن يضم العديد من الأصناف، فالأكلات البحرية المتنوعة لها مذاق خاص، وهي إحدى ميزات المطبخ القبرصي، حيث تستخدم فيها الخضروات بكثرة، وتعتبر من مكونات المطبخ القبرصي الرئيسية. إن لكل جزيرة من جزر العالم كنزا مفقوداً، هكذا تقول الرواية الشهيرة، وربما أرادت قبرص أن تمنح السائح الزائر إلى جزيرتها شرف البحث بنفسه عن الموسيقى وعن تراث البلد، فالملاحظ أنهَ الموسيقى القبرصية غائبة عن الأماكن السياحية، وكل ما يقدم ويستمع إليه هي موسيقى أوروبا وأميركا لاسيما من فئة الشباب. تأثرت الموسيقى القبرصية بالموسيقى الشعبية الإغريقية، وهنالك رقصات شعبية فولكلورية شهيرة مثل «سوستا» و«سيرتوس» و «زيبيكيسوس» و»كارتسيلاماس»، ومن أكثر الأدوات الموسيقية الطاغية آلة الكمان والعود والأكورديون والفلوت المسماة «بيثكيافلين». شبكة المواصلات للطرق في قبرص أهمية كبيرة، حيث تسعى إليها الحكومة لبناء بنية تحتية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السياح الذين يقصدون الجزيرة، ويبلغ طول شبكة الطرقات البرية في قبرص 6626 ميلاً، ومن بين الطرق الرئيسية التي تربط المدن الرئيسية بعضها ببعض الطريق A1 الذي يصل بين نيقوسيا وليماسول، والطريق A2 الذي يربط بيرا كوريو بلارنكا، والطريق A3 الذي يربط لارنكا بـ أيا نابا، والطريق A5 الذي يربط كوفينو بلارنكا، وأخيراً الطريق A6 الذي يربط بافوس بليماسول». إنها قصة نجاح صاغتها عقول مبدعة استفادت من موقعها الجغرافي كجزيرة في البحر الأبيض المتوسط عانت من الاحتلال شأن معظم أقطارنا العربية لكنها انطلقت إلى آفاق المستقبل وباتت رقما فاعلا في الاتحاد الأوروبي . تقول الأسطورة بأن أدونيس، إله الجمال، وأفروديت آلهة الحب لديهما العديد من الأطفال على هذه الجزيرة، وأن سكان منطقة بافوس السياحية الشهيرة ينحدرون من سلالات تنتمي إلى هذين العاشقين، والزائر إلى قبرص سوف يلمس وبسرعة هذه المشاعر من خلال حب القبارصة لضيوفهم.
المصدر: لارنكا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©