الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

حتى لا نحرق المراحل !

22 مايو 2008 01:28
دخل جندي روسي أحد المنازل الألمانية إبّان الحرب العالمية الأولى فوجد مصباحاً كهربائياً معلّقاً فانبهر بهذا الشيء الغريب ·· فما كان منه سوى أن خلعه مع سلكه من السقف من أجل أن يشعله في منزله عند عودته· ! إن المكاتب الفخمة لا تعمل بمفردها، والتقنية العالية لا تنتج عملاً استثنائياً إن لم تحركها أصابع شخص مؤهل للغاية، وكل شهادات الجودة وجوائزها لن تخلق لنا فارقاً إن بقينا كالتلميذ الذي ينتظر من أستاذه أن يفعل كل شيء عنه، تماماً كبعض المدارس التي نرى فيها أطفالاً صغاراً بلوحات محترفة في معارض المؤسسات التعليمية تنطق كل نقطةٍ فيها أن الطفل لم يضع بها الاسود في الابيض· ! إن القفز لا يعدو أن يكون محاولة عاجز أو متهوّر، والإصرار على حرق المراحل دون انتظار لنضوج هذه المراحل لا يزيد عن كونه قطفاً لثمرٍ قبل أن يحين أوان قطفه ولا غرابة حينئذٍ أن يأتي الطعم سيئاً ممجوجا· عندما حاولت شركة سبرنت ثالث الشركات الأميركية في صناعة الاتصالات بعد AT&T h Verizon أن تخرج من فلسفة الطبيعة القائمة على النمو المتدرج لم يرحمها الواقع، فقد أعلنت خسائر بقيمة 29,5 مليار دولار للربع الرابع من السنة الماضية مما يعني خسارتها لكل قيمة شركة نيكستل التي قامت بشرائها قبل ثلاث سنوات لتخلق كياناً تنافسياً أكبر فحدث العكس لعدم القدرة على خلق ثقافة واحدة وتجاهل النمو الطبيعي للمؤسسات· حتى لاأُفْهَمَ خطئاً لابد أن نُفرِّق بين حرق المراحل و بين تضييق الهوّات مع المنافسين ،فالأول هو المذموم بينما محاولة اللحاق بالآخرين من خلال استغلال الفرص قد يكون في كثير من الأحيان هو طوق النجاة في بحر تنافسي متلاطم لا يعترف بالصغار،وهذا ما تتفهّمه مايكروسوفت مثلاً بعد أن اتسع الفارق بين محرك بحثها ومحرك البحث الشهير google فعمدت إلى سعيٍ محموم لشراء منافستها القوية yahُُ لخلق كيانٍ أقوى باستطاعته كبح سيطرة الأولى المتزايدة على عالم الشبكة الإلكترونية بعد أن بدأ سوق أجهزة الحاسبات الشخصية في الضمور، ولكن رغم العرض المغري الذي وصل لقرابة 47,5 مليار دولار لم تتم الصفقة فخسرت الشركتان الكثير وكسبت جوجل دون أن تحرك ساكناً· عملاقة الأغذية بيبسي كولا كانت ولازالت من أقوى اللاعبين عندما يتعلق الأمر بالتنافسية وربطها بالنمو (الصحي) بدلاً من محاولة استباق الأحداث، فما فعلت هذه الشركة في السنوات الماضية هو ما يزعزع أوصال منافستها كوكا كولا، فقد دأبت بيبسي على شراء شركة ناجحة (مكمّلة) كل عشر سنوات تقريباً تؤهلها أولاً للدخول في سوقٍ جديدة أو تجد فُرجةً في سوقٍ قائمة، وثانياً لتوفير الوقت الكافي لاستيعاب (ثقافة) الشركة المشتراة ودمجها مع ثقافة الشركة الأم من أجل تحقيق تناغم ضروري لا يمكن النجاح بدونه، فهكذا قامت بشراء: بيتزا هت 1977 ، كنتاكي فرايد شيكن 1986 ، تروبيكانا (أكبر مصنع للعصائر في العالم) ،1998 ناكيد جوس 2007 وبعد عشر سنوات تقريبا سنرى من القادم· من المهم أن نستمع للصوت الآخر والأهم أن نُحدِّد تعريفاً صريحا بما نقصده بـ''الصوت الآخر''، فإن كنّا نبحث عن الموافقين دوماً لكل مقترح فمن الجميل أن نعلم أنهم الأغلبية الساحقة من سكان الكرة الأرضية، أما حقيقة الآخر فهي من يزن ويقيم ثم يتحدث دون أن يحاول ترقيع الممزق، فالطبيب لا يجاملك بوصف قطع شوكولاته لمعالجتك من السكّر· ! المراحل لا تُحرق بل يمكن أن تُختصر بتعقل، والنجاح سباق ماراثون طويل لا يصلح معه عُشّاق سباقات المئة متر، وكما قال زيج زيجلير : (المصعد للنجاح معطّل عن العمل، لكن السلالم متاحة دائماً !)، وجميعنا يذكر تلك القصة القديمة عن صاحب الإوزة التي تبيض بيضةً ذهبية واحدة كل يوم، فقاده الطمع للثراء السريع إلى ذبحها محاولاً استخراج كل البيض الذهبي مرةً واحدة فخسر كل شيء ·! عوض بن حاسوم الدرمكي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©