الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب واستراتيجية استعراض القوة

17 ابريل 2017 00:56
في خضم هذه التناقضات الصارخة التي تكتنف السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، بات هناك شيء واضح هو ولعه الشديد باستعراض القوة العسكرية الأميركية. ولا يبدو هذا التوجّه جديداً، ففي شهر يناير 2016 استمعنا إلى لغته النارية في خطاب ألقاه بولاية «آيوا» وقد توعّد فيه تنظيم «داعش» الإرهابي قائلاً: «سترى كيف سأقذف بهم إلى الجحيم.. بوم! بوم! بوم!»، وكان في كل مرة ينطق فيها بكلمة «بوم» يضرب على منصة الخطابة بقبضة يده. وتكرر مشهد استعراض القوة أيضاً خلال الأيام العشرة الماضية عندما أمر ترامب بضرب المطار العسكري السوري بصواريخ توماهوك، وأيضاً عندما هدد باتخاذ إجراء عسكري حاسم ضد كوريا الشمالية بسبب تطوير برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية، ثم عبر رسالة الشكر التي وجهها للعسكريين الذين أشرفوا على استخدام القنبلة الضخمة التي يبلغ وزنها 11 طناً وتُعرف باسم «أم القنابل» لضرب إرهابيين تابعين لتنظيم «داعش» في أفغانستان. ويوم الثلاثاء الماضي، قال ترامب في معرض تنويهه بالضربة الصاروخية للمطار السوري: «هذا عمل مدهش ومبهر ويدل على العبقرية. إن التكنولوجيا والتجهيزات والمعدات التي نستخدمها أفضل من تلك التي يستخدمها غيرنا بخمس مرات». وأثناء بحثه عن سياسة خارجية متوازنة منذ دخوله في البيت الأبيض، بدا ترامب فرحاً على نحو مبالغ فيه بالدور الذي يمكن للمبادرات العسكرية أن تلعبه في هذا المجال. وفي مقدور الاستعراضات الفعالة للقوة العسكرية التي تأتي في الوقت المناسب أن تمثل في حد ذاتها استراتيجية يمكن الاعتماد عليها. وقال ترامب أيضاً في مؤتمر صحفي عقب إلقاء «أم القنابل» في منطقة خالية من المدنيين في جبال أفغانستان المنعزلة: «لو نظرت إلى ما حدث خلال الأسابيع الثمانية الماضية، وقمت بمقارنته بما حدث على أرض الواقع خلال السنوات الثماني الماضية، فستكتشف أن هناك فرقاً هائلاً. لقد كانت هذه المهمة ناجحة جداً، جداً». وقدر مسؤولون عسكريون أميركيون أن 36 من مقاتلي «داعش» قد قتلوا بهذه الضربة. ويقدم اعتماد ترامب على القوة العسكرية نموذجاً معاكساً تماماً لسياسة باراك أوباما الذي سبق له أن وعد بإنهاء كل الحروب الخارجية التي تخوضها الولايات المتحدة. وهو الذي أعلن جهاراً نهاراً عن رفضه لسياسة التصعيد والإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية، إلى الدرجة التي كانت تعبر أحياناً عن الضعف في معظم الأحيان. وأما ترامب، فقد اختار النهج المعاكس تماماً. وحتى الآن، يبدو هذا النهج مفيداً وناجحاً. وقد شعر بعض رؤساء دول العالم بالارتياح بسبب السرعة التي استجاب بها ترامب لاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. وفي هذا السياق قال ريتشارد فونتين، المستشار السابق للسيناتور جون ماكين في السياسة الخارجية: «في آسيا، رحّب كثيرون بلغة الحسم هذه، ورأوا فيها مؤشراً على أن الإدارة الأميركية ستتحرك بسرعة لمواجهة الأحداث الطارئة». ورفع الخطاب المتشدد والضربات الصاروخية من شعبية ترامب على المستوى المحلي، وأزالا الشبهات التي علقت بحملته الانتخابية فيما يُزعم عن تدخل الروس فيها عن طريق بعض المسؤولين الذين قام بتعيينهم. ويضاف إلى ذلك أن ترامب تلقى أيضاً الشكر من بعض الدول، لأن اعتماده على القوة طوى صفحة انتقاداته لحلف «الناتو» وميله للعزلة، ودفع البعض إلى نسيان عبارته الشهيرة «أميركا أولاً». ويبقى السؤال المهم عما إذا كان منهج ترامب الحالي في استخدام القوة العسكرية يمكن أن يتم تأطيره ضمن استراتيجية طويلة المدى، أم أنه مجرد تغريدة على «تويتر» للتعبير عن غضب مؤقت من الحال الذي بلغته السياسة الخارجية. وحتى الآن، يبدو أن ترامب متمسك بقوة بالاستراتيجية العسكرية التي سبق لأوباما الأخذ بها. وكان هذا الأخير يكثر من الحديث، خلال سلسلة اجتماعاته مع أقرب مساعديه، وأيضاً خلال لقاء أجرته معه مجلة «أتلانتيك ماجازين»، عن رفضه لما يسمى «مدوّنة واشنطن» التي كثيراً ما تدفع رؤساء أميركا إلى استخدام القوة العسكرية. وقال بشأنها: «إنها المدوّنة التي خرجت تماماً من مؤسسة السياسة الخارجية، وعندما تتعرض أميركا ذاتها للخطر المباشر، فإن هذه المدوّنة ستعود إلى العمل. ويمكن لهذه المدوّنة أن تتحول أيضاً إلى فخ يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة. وفي خضمّ التحديات التي يشهدها العالم، مثل الأزمة في سوريا، ستكون حكيماً في تقدير الأمور لو امتنعت عن اتباع تلك المدوّنة». ويبدو الآن أن من المبكر جداً استقراء استنتاجات وتداعيات ضربة ترامب ضد سوريا واستعداداته لتحدي استفزازات كوريا الشمالية، ووفقاً للمعايير العسكرية، كانت ضربة الصواريخ عملية قليلة المخاطر، لأنها لم تعرّض أي جندي أميركي للخطر، فضلاً عن أن كونها قليلة التكلفة. * محللان سياسيان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©