الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الربيع العربي» و«الأنظمة الهجينة».. مقارنة خاطئة

12 مارس 2014 23:59
عندما انطلقت الأيام الأولى لـ«الربيع العربي» توقع المتفائلون مستقبلاً زاهراً للحركات المطالبة بالديمقراطية حول العالم، لكن ما تشهده حالياً أوكرانيا وفنزويلا وتركيا وتايلاند يدعونا إلى إعادة النظر؛ فليست أوكرانيا البلد الوحيد الذي انشغل فيه المتظاهرون خلال الأيام الماضية بمواجهة الحكومة، ففي فنزويلا مثلا سقط 18 شخصاً على امتداد أسابيع من المظاهرات المحتدمة ضد إدارة الرئيس نيكولاس مادورو، وبالمثل واجه رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوجان، شهوراً طويلة من الاستياء الشعبي والمظاهرات، وهو حالياً يحارب بضراوة من أجل بقائه السياسي، أما في تايلاند ورغم قرار زعيم المعارضة وقف حصاره الشعبي للمرافق الحكومية وتعليق المواجهات مع الشرطة التي خلفت 16 قتيلاً، فإن الاضطرابات لم تنته بعد. وبطريقة ما تبدو هذه الانتفاضات الموزعة على أكثر من بلد امتداداً لـ«الربيع العربي» الذي انطلق قبل ثلاث سنوات، ذلك أن الدوافع التي أخرجت المتظاهرين إلى ميدان التحرير في القاهرة وشوارع تونس وطرابلس هي نفسها في البلدان الأخرى، فالعوامل المتمثلة في الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية والأساليب القمعية التي حركت الجماهير في البلدان العربية هي ذاتها التي أشعلت شرارة المظاهرات الحاشدة خلال السنة الماضية في بلدان مثل البرازيل وكمبوديا وبلغاريا، فهل نحن بصدد ما يوصف عادة بـ«تأثير العدوى»، وانتعاش حقبة جديدة من المطالب الديمقراطية حول العالم؟ بإلقاء نظرة فاحصة، يتبين الفرق الشاسع بين الانتفاضات الحالية التي تشهدها بعض الدول، وبين تلك التي سميت بـ«الربيع العربي»، خاصة ما يتعلق بالتباين الواضح في طبيعة الأنظمة التي تسعى الحركات الاحتجاجية لمواجهتها، فعندما خرج المواطنون إلى شوارع مصر وليبيا وتونس كانوا يعارضون أنظمة مستبدة، في حين أن المتظاهرين في شوارع تركيا وتايلاند وفنزويلا يواجهون قادة ما زالوا يحظون بدعم فئات مهمة من المجتمع، وهو أمر ينطبق أيضاً على أوكرانيا. ففي تايلاند على سبيل المثال يسوق المحتجون الذين يسمون أنفسهم بـ«القمصان الصفر» ويسعون إلى إسقاط حكومة رئيسة الوزراء، ينغلوك شيناواترا، بحجة الفساد باعتبارها الدافع الأساسي لرغبتهم الإطاحة بحكومة حصلت على أغلبية مريحة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة، لكن في العمق هناك دينامية جهوية وطبقية تقف وراء الاحتجاجات، فالمعارضة تنحدر أساساً من الطبقة الوسطى والغنية التي تعيش في المناطق الحضرية بالجنوب والتي تشعر بأنها مهددة من قبل الطبقات الشعبية الداعمة للحكومة التي استفادت من الخدمات الصحية والمعونات، تلك الطبقة التي تعيش في الشمال والمرتبطة أكثر بالزراعة والأرض. وإذا ما أجريت الانتخابات في تايلاند فإن هؤلاء الفقراء من الشمال الأكثر عدداً هم من سيشكلون الأغلبية، وهو ما يفسر لماذا سعت المعارضة المتكتلة ضمن «اللجنة الشعبية للإصلاح الديمقراطي» إلى تعطيل الانتخابات المبكرة ومنع التايلانديين من التصويت مطلع شهر فبراير الماضي. وبالمثل كانت الرشوة العنصر الأساسي في الصراع السياسي المحتدم في تركيا، لا سيما بعد التسجيلات المسربة التي ورطت رئيس الوزراء في عدد من الفضائح المالية، وترجع الاضطرابات في تركيا إلى حركة الاحتجاجات التي انطلقت في العام الماضي كرد فعل على قرارات حكومية اعتبرها المواطنون نوعاً من التسلط يمارسه أردوجان. لكن المشكلة الأهم بالنسبة للمعارضة التركية أنها تظل منقسمة وغير ذات فاعلية، في مقابل الدعم القوي الذي ما زال يحظى به أردوجان داخل حزبه الذي يمثل آلة سياسية تتمتع بتنظيم عال وقدرة فائقة على حشد الأصوات والمؤيدين، لذا ليس غريباً أن يأتي التهديد الحقيقي لرئيس الوزراء من إسلاميين آخرين داخل النظام ينافسون حكومته على السلطة والنفوذ. أما في فنزويلا فإن المتظاهرين يواجهون حكومة تفوقت بهامش بسيط فقط على المعارضة التي مثلها المرشح الرئاسي، هنردي كابريليس، خلال انتخابات العام الماضي، ومع أن تلك الانتخابات لم تكن عادلة تماماً بالنظر إلى سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام واستخدامها لإمكانات الإدارة، إلا أنها كانت منصفة بما يكفي في إعطائها فرصة للمعارضة، كما لم تنفع الاحتجاجات ضد نقص المواد الأساسية وارتفاع معدلات الجريمة والزيادة الصاروخية في نسبة التضخم في زعزعة قاعدة التأييد الأساسية للرئيس في أوساط الفقراء وسكان الأحياء الهامشية. وهنا لا بد من الإشارة إلى التعقيدات التي تنشأ عندما تواجه حركات المعارضة قادة انتُخبوا ديمقراطياً ويحظون بتأييد فئات من الشعب، لا سيما طبيعة المعارضة نفسها وما إذا كانت ديمقراطية، أم لا. وللتدليل على هذه المعضلة نعود إلى أوكرانيا التي آلت فيها المناصب الوزارية ضمن الحكومة المؤقتة إلى أعضاء في حزب المعارضة السابقة يوليا تيموشينكو التي خلفت سياساتها السابقة استياء كبيراً لدى المحتجين. ثمة حالة خاصة بالعديد من المجتمعات التي هي ليست ديكتاتورية تماماً، ولا ديمقراطية ناجزة، بل هي تتأرجح بين الاثنين، بين «ديمقراطية غير ليبرالية» و«أنظمة هجينة» تتضافر فيها المظاهر الديمقراطية والوسائل السلطوية، وهو ما يسعفنا في فهم بعض الظواهر مثل سعي من يسمون أنفسهم «الديمقراطيون» في تايلاند إلى محاصرة مراكز الاقتراع لمنع المواطنين من التصويت، كما أنه يفسر لماذا كان الفارق واضحاً في الربيع العربي بين التطلعات الشعبية والأنظمة الاستبدادية، وكان سهلا انحياز الرأي العام الغربي إلى طرف ضد الآخر، فيما صعب التمييز في الانتفاضات الأخيرة بين الديكتاتور والمتظاهرين بعد أن تداخلت الحدود بين الاثنين لدرجة الخلط والامتزاج. ‎كريستيان كاريل مؤلف كتاب «متمردون غريبون: 1979 وميلاد القرن الحادي والعشرين» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©