الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القراءة تسترد اعتبارها في مدارسنا

القراءة تسترد اعتبارها في مدارسنا
27 مايو 2016 03:44
نسرين درزي (أبوظبي) يفوح في الأجواء من جديد عبق الورق، ويعود الكتاب إلى ساحة المعرفة، بعدما سلبته وسائل التصفح الإلكتروني دوره، وحرمت لسنوات طويلة غالبية الأطفال من ملمسه، من خلال قرار وزارة التربية والتعليم بدعم استراتيجية الدولة الوطنية للقراءة وتعزيز مفاهيم القراءة لدى الطلاب، بدءاً من العام الدراسي المقبل. وبانتظار صياغة المناهج الدراسية الجديدة التي تضمن تطوير المكتبات المدرسية، وتبنّي مبادرة الاستكتاب ودعوة المؤلفين إلى رفد الساحة الأدبية وإثراء المحتوى القصصي، بحيث يبدو المشهد الثقافي أكثر إشراقاً. فماذا يقول المدرسون عن دور القراءة في المنظومة التعليمية؟ وكيف يساهم البيت في الحث على المطالعة؟ وهل الطلاب أنفسهم مستعدون للتعرف من جديد إلى هواية قد لا تكون خطرت في بالهم من قبل؟ وتسعى وزارة التربية والتعليم إلى جعل القراءة أسلوب حياة، وأن تصبح مصادرها متوافرة في كل مكان، مع صقل مفاهيمها لدى الطلاب، بدءاً من المراحل التعليمية الأولى، وحتى تخرجه في الجامعة. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطة التنموية للمجتمع، فإنها تحتاج إلى مواكبة حثيثة من قبل الأهل والهيئات التعليمية؛ إذ لا يمكن إغفال دورهم في تشجيع الجيل الجديد على القراءة. وهم جزء أساسي في هذه الرحلة المهمة والممتعة في آن، والتي تهدف إلى الحفاظ على الهوية الوطنية واللغة الأم وزيادة المخزون الفكري، مما يدعم التحصيل العلمي بشكل أفضل. وعاء الفكر عن الوضع السائد في صفوف الجيل الجديد.. قال الدكتور بادي رضا الحباشنة، باحث في أدب الأطفال ومدرس اللغة العربية في أكاديمية الشيخ زايد الخاصة للبنين: إن القراءة باللغة العربية تعاني، موضحاً أن كينونة أي أمة مرتبط بديمومة لغتها واستمرارها. فاللغة وعاء الفكر الذي يحفظ للأمة قيمها، وهذا ما تسعى دولة الإمارات إلى تكريسه من خلال توصيات الحكومة الداعية إلى الاهتمام بالقراءة. وأشار إلى أن الفهم المغلوط من البعض للعولمة كان له الأثر البالغ في ابتعاد أبنائنا عن المطالعة بلغتهم، بل ومحاربتهم لها، إذ ترى هذه الفئة من الناس أن اللغة العربية غير قادرة على التعاطي مع متطلبات العولمة ومستجدات العصر الحديث، ولعلهم بذلك يبتعدون كل البعد عن الصواب. والدليل أن للغة العربية مميزات وخصائص تجعلها صالحة لكل ما هو جديد. وأكد دور المدارس في زرع مبادئ القراءة وأهمية اللغة العربية في النواحي الأكاديمية والحياتية للطلبة، وأنه لا بد من الاعتراف بأن الخطر الأكبر ليس في الابتعاد عن الكتاب والقراءة وحسب، وإنما في إمعان المستهترين باللغة بإرسال دعوات يوجهون من خلالها الأجيال المقبلة إلى التخلي عن العربية لحساب لغات أخرى. كما أكد أهمية تعلم اللغات الأجنبية، لكن أن نجعل منها لغة أساسية ينهل منها أبناؤنا العلوم والمعارف فهذا غير مقبول على الإطلاق. والأسوأ أن يتحجج البعض بأن اللغات الأخرى أكثر قدرة من العربية على تحقيق الرؤى والطموحات التي نرسمها لأبنائنا، وهو أمر بعيد كل البعد عن الصواب وله انعكاسات سلبية قد تشكل خطراً على الهوية. وقال الباحث في أدب الأطفال: إن القراءة عموماً تمر بمرحلة صعبة تتطلب تضافر الجهود للحد من الخطر الذي يهدد بطمس الثقافة. وأشار إلى أن هجر الجيل الجديد لبعض مفردات اللغة العربية واستبدالها بمفردات أجنبية من واقع المطالعة الإلكترونية أمر في غاية الخطورة. الأمر الذي يساهم في تلاشي المفردات العربية شيئاً فشيئاً، ويؤدي إلى موتها واختلاط ثقافة الأجيال المقبلة بثقافات لا تنسجم مع القيم العربية والإسلامية بأي حال من الأحوال. وذكر الحباشنة أن الارتقاء بطموحاتنا تجاه أمتنا يتطلب توثيق العلاقة بين أبنائنا ولغتنا، إذ إن إبعادهم عنها يؤثر سلباً على علاقتهم بأوطانهم. وبالمقاربة مع واقع التعلم الذي يتجه بشكل أو بآخر نحو عولمة المصطلحات، أثنى الدكتور بادي الحباشنة على حرص وزارة التربية والتعليم على تعزيز مفاهيم جديدة للقراءة. حنكة وبلاغة وتناولت رانية شهاب، معلمة لغة عربية، أهمية قرار وزارة التربية والتعليم بإطلاق مبادرة القراءة. ولاسيما أن الطلاب عموماً يجهلون القيمة الحقيقية لقراءة الكتب وتصفحها، معتمدين اعتماداً شبه كلي على مصدر المعلومات والمعرفة من الإنترنت. وقالت: إن تعزيز دور المكاتب المدرسية والمنزلية سيكون له بالغ الأثر في حث الأطفال والمراهقين والشباب على القراءة، سواء بمفردهم، أو من خلال فريق. وهذا ما يدعو إلى فتح نوافذ مشرقة للتعرف أكثر إلى مجالات أصيلة من بحور الثقافة على غرار الأجيال السابقة التي تتمتع بالبلاغة والحنكة اللغوية. واعتبرت أن الفضل بذلك يعود إلى الإقبال قديماً على القراءة بكثافة، والتباهي بين الرفاق في عدد الكتب التي تمت قراءتها. وقالت مي رباني، معلمة لغة عربية، إن الأطفال منذ الصغر يميلون إلى المطالعة بالفطرة. فهم ينجذبون بوضوح إلى الكتب الملونة والأحرف الكبيرة، وكأنهم بذلك يحاولون فك شيفرتها. وهذا ما يجب التنبه له بدءاً من البيت ومن ثم المدرسة، بحيث تتحول هذه الرغبة إلى عادة جميلة ومفيدة في آن، مع أهمية التحاور مع الطفل فيما يخص الكتاب أو القصة التي قرأها، لترسيخ المعارف في ذهنه وتوضيح المفاهيم الغامضة لديه. ولفتت إلى أهمية مبادرات القراءة التي تعتمدها الدولة، ولاسيما مع تخصيص شهر سنوي للقراءة من شأنه الإضاءة على رمزيتها في حياة الشعوب على مختلف العصور والأجيال. دور الأهل من جهتها، تطرقت جيهان العيساوي، معلمة وأم لـ 4 أبناء، إلى أثر القراءة في تنمية المهارات لدى الطفل في مختلف مراحله العمرية، وهو كلما قرأ ازدادت رغبته في التعرف إلى ما يحيط به، وتميز لاحقاً بطلاقة الحديث وحسن الفهم للعبارات التي يسمعها من هنا وهناك. وقالت إنها من خلال خبرتها في مجال التربية والتعليم، فإن الطالب الملم بمجموعة من المعلومات العامة التي اقتبسها بفعل القراءة والمطالعة يكون أكثر قدرة على الاستفادة من المناهج الدراسية. مع التأكيد على دور الأهل في الاهتمام بمشاركة أبنائهم في أجواء القراءة واقتناء الكتب، وكأنها جواهر يستفيدون منها دائماً وأبداً. وأشارت العيساوي إلى تشجيعها لأبنائها وحثهم على المطالعة، وذكرت أن أصغرهم سناً، وهو في الصف الابتدائي الأول، شارك هذه السنة في مسابقة تحدي القراءة العربي. وأعربت عن فخرها به للجهود الواضحة التي بذلها في البيت وفي المدرسة ليثبت بأنه قادر على القراءة. وأكدت أن ابنها ما كان ليحب القراءة لولا هذه المبادرة التي تشجع الطلبة من مختلف الأعمار على خوض المنافسات الإيجابية. ومع اعترافها بالتقصير لعدم حث أبنائها على القراءة بالعربية، حملت نوال عيتاني مسؤولية الأمر إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة التي ساهمت في تجريد الكتاب من قيمته الحقيقية، وأوضحت أنها أغفلت أهمية القراءة في حياة أبنائها، وقد تأخرت في اكتشاف خطئها. لكنها تحاول استدراك ما فات بالتعاون مع الهيئة التعليمية في المدرسة، بحيث تتبادل مع معلمة اللغة الكتب والقصص المناسبة للمراحل التعليمية لأبنائها. وقالت إنها اليوم تساهم أكثر من أي وقت مضى في أخذ المطالعة على محمل الجد، وتخصص لها الأجواء الجاذبة لتكون قدوة لأسرتها. وتحدث خلفان الأحمد عن تقديره للقرار الوزاري الداعي إلى دعم القراءة: كأب لـ 5 أبناء في أعمار متفاوتة، كان شديد الحرص على تشجيع القراءة في البيت. وأشار إلى أن 3 من أبنائه شاركوا هذه السنة في مسابقة تحدي القراءة العربي، مما أفرحه جداً، ولاسيما أنهم حققوا نتائج مرضية. ودعا الأحمد جميع أولياء الأمور لاتخاذ مبادرات شخصية في حث أبنائهم على شراء الكتب التثقيفية والقصص المعبرة التي تنمي مداركهم وتفتح لهم مجالات واسعة للتفكير الإيجابي. الطلبة يعترفون بعزوفهم عن القراءة بالنظر إلى رأي الطلبة في مسألة القراءة، لا يخفى تقاعسهم عن الأمر، وهم لا ينكرون تقصيرهم في شراء الكتب وقراءة القصص والبحث الورقي، ويعزون ذلك إلى استسهال الحصول على المعلومة من الإنترنت. إلا أنه مع بدء مبادرات الاهتمام بالقراءة في المدارس يسود الأمل بتغيير تظهر بوادره قريباً. ذكر الطالب أحمد الهاملي «رابع ابتدائي» أنه يحاول القراءة في المدرسة، وهو يخجل من الأخطاء التي يسجلها أمام رفاقه. ويؤكد نيته بالمواظبة على المطالعة خلال فصل الصيف، ليتمكن من المشاركة في مسابقة القراءة في العام المقبل. ومثله الطالب خالد عبيد «خامس ابتدائي» الذي تمنعه قدراته اللغوية من القراءة في الصف. وقال: إنه لا يدرك تحريك الكلمات كما يجب، ويخشى أن يسخر منه أحد، لذلك يفضل أن يتدرب على ذلك في البيت أولاً. واعتبرت الطالبة مريم الحوسني «الصف السابع» أنه من المفيد جداً ممارسة القراءة عدة مرات في الأسبوع، لأنها تساعد على فهم الكثير من الأمور. وأشارت إلى أنها تقرأ باستمرار في ركن الكتب المخصص لها ولأخواتها داخل البيت. وهذه العادة اقتبستها من أبيها الذي يقرأ يومياً خلال الفترة المسائية، الأمر الذي أثر فيها وجعلها تهوى القراءة التي جمعت بفضلها الكثير من المعارف القيمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©