الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خلف القضبان.. إنسان

خلف القضبان.. إنسان
12 مارس 2014 22:31
تولي حكومة رأس الخيمة التنمية المجتمعية في الإمارة اهتماماً كبيراً، يتمثل في حرصها على إعداد الفرد وفق المناهج التعليمية الحديثة، التي تواكب العصر، والحريصة على بناء شخصية الفرد وتنمية مهاراته وقدراته الفكرية والثقافية؛ وذلك عبر مشاريع عديدة تحرص على إيجادها وتكريسها لخدمة الفرد، وإعداده إعداداً يؤهله مستقبلًا للمشاركة في بناء مجتمع رأس الخيمة التي تشهد تطوراً عمرانياً واقتصادياً كبيراً. وامتدت سياسة حكومة رأس الخيمة في نشر التعليم والوعي والتأهيل ليشمل الفئات المجتمعية التي أدى النقص في تعليمها وثقافتها، وعدم إلمامها بالسلوك القويم إلى وجودهم خلف أسوار السجن الذي تنظر إليه كمؤسسة إصلاحية تعليمية أكثر منها مؤسسة عقابية ردعية، إيماناً منها بأن خلف القضبان إنساناً أدت ظروفه المجتمعية والثقافية إلى خروجه عن ناصية طريق الخير، ولا بد من عودته إلى المجتمع كفرد من أفرادها، عليه ما على الآخرين من واجبات ومسؤوليات. أطلقت مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسات العامة مشروع «إدارة سجن» في المؤسسة الإصلاحية والعقابية في إمارة رأس الخيمة، ضمن مشاريعها النوعية للتنمية المجتمعية للنهوض بواقع الفرد في الإمارة، يهدف إلى النهوض بالواقع الفكري والثقافي والتعليمي لنزلاء المؤسسة العقابية تحت شعار: (خلف القضبان إنسان). يقوم مشروع «إدارة سجن» الذي أطلقته مؤسسة سعود منذ عام 2011 على فكرة إقامة مكتبة عامة حديثة، مزودة بأساليب الراحة والخدمات الضرورية للتعليم والتثقيف الفكري والنفسي، والمؤهلة للقيام بدور المنظومة التعليمية والثقافية الشاملة. وتتضمن هذه المكتبة موارد المعلومات من كتاب متنوع ثقافياً وفكرياً، وبلغات متعددة، إلى الوسائل التعليمية والتكنولوجية الحديثة من أجهزة إلكترونية ووسائل عرض وأفلام وخدمات إرشادية تعد جزءاً أساسياً من برامج التأهيل والتعليم في المؤسسات الإصلاحية الحديثة المعنية بالنهوض بنفسية النزلاء وتحسينها، تمهيداً لدمجهم في المجتمع بعد إخلاء سبيلهم. الجريمة والتعليم.. علاقة طردية وقالت نتاشا ريدج المدير التنفيذي لمؤسسة سعود للسياسات العامة، إن مشاركة المؤسسة في مشروع إدارة سجن، جاء تجسيداً لرؤية سمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، في التنمية المجتمعية للإمارة. وبعد أبحاث ميدانية أجرتها المؤسسة على البيئة المحيطة للنزلاء في المؤسسة العقابية والتي أثبتت ارتباط الجريمة بتدني المستوى التعليمي والثقافي للنزيل الذي يعتبر في بعض الأحيان ضحية ظروف بيئية ومجتمعية تنقصها الثقافة الكافية القادرة على بناء الوعي والفكر الضروريين لبناء الشخصية، وحمايتها من طريق الخطأ. وأوضحت ريدج أن مشروع إدارة سجن يسعى إلى خلق مساحة تعليم متعددة الأغراض؛ بحيث تكون في متناول أي شخص بغض النظر عن الجنس أو العمر، أو الجنسية، أو الخلفية التعليمية، من أجل مواصلة تعزيز التنمية الأكاديمية والمهنية والاجتماعية للسجناء، بعيدا عن أي ربح. وهو يهدف إلى بناء شخصية النزيل عبر توفير ما يطلبه من مصادر للمعلومات، سواء أكان كتابا، أو برنامجا تدريبيا، أو حتى دورات إرشادية وتعليمية نقوم بها ضمن نشاطات المكتبة التي نلحظ إقبالاً كبيراً عليها من قبل النزلاء، ومن قبل موظفي السجون، حيث إن العديد منهم لم يحصلوا إلا على التعليم الأساسي فقط. وأوضحت هنادي محمد علي، مساعدة تنفيذ البرامج في مؤسسة سعود للسياسات العامة، أن مشروع المكتبة في المؤسسة العقابية «هو جزء من مشروع متكامل يقوم بنشاطات تعليمية وتثقيفية متنوعة»، وقالت: «بدأنا، حالياً، بالدورات التعليمية للغة الانجليزية، ودورات بناء المهارات الشخصية وتنمية القدرات، وعلم الإدارة، وصولًا لأنشطة ومسابقات فنية تشمل الرسم والمسرح تنظم بالتعاون مع إدارة المؤسسة الإصلاحية والعقابية برأس الخيمة». وحول مدى إقبال النزلاء على مشاريع المكتبة في المؤسسة العقابية والإصلاحية قالت سها شامي الباحثة الاجتماعية في مؤسسة سعود للسياسات العامة: «تحسن مستوى الإقبال كثيراً منذ بداية المشروع، وهذا يتجلى لنا بوضوح من خلال ازدياد طلبات النزلاء ورغبتهم في الالتحاق بأنواع معينة من الدورات الثقافية، والفعاليات الاجتماعية والتثقيفية التي جرت إضافتها بناء على رغبات النزلاء»، لافتة إلى أن «رغبات النزلاء باتت تشهد تنوعاً واختلافًا مثيراً للانتباه يعكس اهتمامهم ورغبتهم بالتطور والتحسن، وهو مؤشر نفسي مهم لنجاح المشروع في غايته المتمثلة في بناء الثقة لدى النزيل وتحسين إرادته للعيش والتواصل مع المجتمع الخارجي». مكتبة عصرية بكل ترحاب وكرم الضيافة، استقبلنا القائمون على المؤسسة الإصلاحية والعقابية في رأس الخيمة، للاطلاع على واقع المكتبة العامة في المؤسسة، واستطلاع آراء القائمين عليها والمشاركين فيها. أول ما يلفت الانتباه أن مقر المؤسسة يشبه كل شيء باستثناء الفكرة التقليدية المكرسة في أذهاننا عن هكذا بقعة. ويشعر المرء في زيارته لها كمن يزور أي مكتبة عامة، أو مؤسسة خدمية حديثة يرتادها الناس بشكل يومي، فالرسومات الجدارية تملأ فراغ الجدران بألوان عكستها ميول واهتمامات النزلاء وعلى مساحات كبيرة. وهي جداريات تستحق الإعجاب فعلاً، ذلك أنها من إبداع النزلاء ومخصصة لرغباتهم الفنية متى أرادوا ممارسة الرسم، وفي الوقت الذي يناسبهم، لأن القائمين على المؤسسة يدركون جيدا ميول الفنان وحاجته للرسم متى رغب في ذلك؟. طوال الطريق إلى المكتبة العامة في المؤسسة العقابية والإصلاحية برأس الخيمة، لم تغادر الدهشة نظراتنا المحدقة بإعجاب في الترتيب والنظافة والأناقة والهدوء المحيط بالمكان. وصلنا المكتبة، فإذا بإعلان ورقي صغير يخاطبك بالقول: أخي النزيل هذه المكتبة ملك للجميع. تستقبلك المكتبة العامة في المؤسسة بمساحتها المتوسطة، المطليّة بألوان تدفعك للسؤال عن فلسفتها وغايتها، في مكان ربما لا يتوقع المرء أن تكون غايته بث روح الأمل والراحة النفسية في نفوس النزلاء، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الراحة، والاختلاف عن المكان المعتاد لتواجده. مكتبة مرتبة وفق هندسة مدروسة، تشغل المساحة المتوافرة بأكبر قدر من الفائدة مع إتاحة حيز مريح للحركة والتنقل. يكسو أرضيتها السجاد الملون. تتوسطها طاولات بأحجام دائرية ومقاعد مريحة لمن يستعملها للجلوس لساعات طويلة، تعلوها أجهزة كمبيوتر حديثة، ومزودة بشاشة عرض حديثة على مساحة جدارية كبيرة، أما رفوف الكتب التي تزنر المكتبة بكل أطرافها فكانت غنية ومتنوعة بين الثقافي والديني والاجتماعي مع الموسوعات والقواميس الحديثة وبلغات متعددة. على إحدى طاولاتها جلسنا بكل ود وأريحية مع القائمين على المؤسسة: النقيب عدنان محمد الحمادي مدير التأهيل والتدريب بإدارة المؤسسة (ماجستير علم اجتماع تطبيقي)، والملازم أول حمد أحمد بلهون مسؤول الأنشطة والبرامج الثقافية في المؤسسة (طالب دكتوراه في القانون العام) بينما كان بعض النزلاء يطالعون الكتب، أو يقرؤون على الكمبيوتر. وأوضح النقيب عدنان أن المكتبة قبل مشاركة مؤسسة سعود برعايتها والاهتمام بها كانت مجرد (كرفانة) صغيرة، فقيرة بالمراجع والكتب التي كان أغلبها دينياً، وغير مدروس، ودون أي أبعاد ثقافية وتأهيلية، ولا يتجاوز عددها الألفي كتاب. وكانت الكتب تقوم على مبدأ الاستعارة وتصلنا من بعضه الجهات على سبيل التطوع. ومنذ عام 2011 والمكتبة العامة في تحسن مستمر وتطور نلمسه في سلوك النزيل، وطريقة تعامله مع وقت الفراغ المتاح له، وطلباته التي باتت من التنوع والاختلاف، ووصل عناوين الكتب في المكتبة حاليا إلى ما يقارب خمسة آلاف عنوان بين عربي وأجنبي، تزودنا بها المؤسسة من دعمها الخاص وعبر حملات التطوع التي تقوم بها لمشاركة المجتمع في عملية التأهيل والتثقيف للنزلاء، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ منه. وحول أهمية المكتبة بشكل عام في ثقافة المؤسسات العقابية والإصلاحية، أوضح النقيب عدنان أنها باتت دعامة أساسية من دعائم أي مؤسسة إصلاحية تسعى إلى تحقيق أهدافها في النهوض بثقافة نزلائها بمختلف فئاتهم العمرية، وتحصينهم من الفكر السلبي وممارساته؛ كما أنها حماية للمجتمع ذاته عبر تثقيف من أخطأ الطريق وتزويده بالعلم الذي ربما لم تتح له الظروف الاقتراب منه والتعامل معه. من جانبه، أبدى الملازم أول حمد أحمد بلهون حسرة على غياب موهبة الرسم لدى النزلاء الحاليين، مقارنة بسواهم، حيث ما زالت بعض الجدران من دون ألوان، تنتظر من يعيد لها الحياة. وأوضح أن نشاط المكتبة الحالي أصبح من الغنى والشمولية، بحيث يمكن أن نطلق عليها مسمى المنظومة التعليمية الشاملة، التي يستفيد منها النزلاء والقائمون عليها، سواء من خلال ما تحتويه من كتب متنوعة العناوين إلى دورات لغة وكمبيوتر ومهارات بناء الشخصية والقدرات وعلم الحاسوب. وقال إن هناك مسعى لإقامة مشاريع ثقافية في المستقبل منها إنشاء قاعة للمسرح بمبادرة شخصية من القائمين على المؤسسة وبدعم من مؤسسات خارجية، تجسيدا لقناعة جديدة مفادها أن المؤسسة العقابية والإصلاحية ليست فقط لحجز الحريات بقدر ما تضطلع بمسؤوليات تعليمية وتثقيفية غاية في الأهمية لا تحقق المؤسسة العقابية أهدافها دونها. وحول رأي النزلاء بمشروع المكتبة العامة وفعالياتها الثقافية والتعليمية المتنوعة قال (ر ، ض): «لم أكن اقرأ سابقاً، وبوجود هذه المكتبة تعلمت استعمال الحاسوب واللغة الأجنبية التي كنت أراها مستحيلة، وأطمح لتكملة دراستي، خاصة وأن الجو مهيأ ومريح، ولديَّ ما يكفيني لتحسين ثقافتي وإمكانيتي». ينما قال النزيل (ف. ن.) إنه يريد تكملة تحصيله الجامعي بعد أن توافرت له كل المستلزمات الضرورية لذلك، من مراجع وقاعة للدراسة والاطلاع، ولكن ينقصه وجود جامعات تسمح للنزيل بتكملة تحصيله العلمي عبر الأنترنت دون شرط الحضور. مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسات العامة في إمارة رأس الخيمة، مصنفة كواحدة من أفضل المؤسسات الفكرية الجديدة لعام 2012 ، وفقاً لتصنيف جامعة بنسلفانيا في أحدث نظام عالمي في تصنيف المؤسسات الفكرية. وهي مؤسسة غير ربحية تأسست عام 2009 بهدف تحقيق التنمية المجتمعية لإمارة رأس الخيمة، وربما نتوقف عند فكرها وفلسفتها وبرامجها في مقالات آتية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©