الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عجمان.. تحولات الحاضر وتجليّات الحنين

عجمان.. تحولات الحاضر وتجليّات الحنين
13 مارس 2014 01:48
ثمة سرّ وثمة دهشة أيضاً تطارد الباحث عن ينابيع الشعر وعن إرهاصاته العذبة في إمارة عجمان. وهناك كذلك ما يغري حول الرواية الشفهية التي يتناقلها الأهالي هنا بخفة ونفاذية تخترق الأزمنة، وتمنح الحكاية بعدها المشوق وسط دراما الحياة والسعي إلى الرزق والمكابدات الروحية، التي جعلت العلاقة بين الماضي والحاضر عند أبناء إمارة عجمان أشبه بعلاقة الرمل بالماء أو تداخل هدأة الإقامة بقلق السفر، عندما كان الانشغال بالبحر، أو نداء العمل في البلدان المجاورة قبل قيام الاتحاد كالكويت والسعودية والبحرين، هو النداء الذي يجعل المغامرة مقرونة بالحنين، والغياب مسوراً بالذاكرات واشتياقات العودة. إنه هاجس مطاردة المجهول والغامض أيضاً عندما كان المرتحلون من الإمارات الأخرى ينيخون قوافلهم تحت أشجارها الغافية، ويتخذون من عجمان محطة للاستراحة، فكانوا يصلون خيط المحبة وحبل الحكاية من ضفاف “شعم” برأس الخيمة إلى مشارف برج المقطع بأبوظبي، حيث كانت الجدات يضئن سراج القصص لأبنائهن فوق “المنامة” بِدُعونها الراكزة في باحة البيت، والمحروسة بملائكة وحوريات وأقمار. كانت تراتيل النوارس، وشغب الحمائم، ونهمة “الغواويص” وتغريدة البدوي، هي روافد مخيلة ومداخل ألفة وتشكيلات صور ومشاهدات خلقت بعد ذلك كل هذا الميراث الشعري والقصصي والروائي المذهل والمهيمن على الروح الثقافية الفطرية في عجمان، والطالعة من عمق هذا المكان الأثير، كي يمتد هذا الميراث ويتشعب في الإمارات الأخرى، ويصيب بدهشته الفائرة الكثير من المثقفين والشعراء في الخليج العربي أيضا. وما حكاية الشاعر العجماني المجهول آنذاك (راشد الخضر) ببعيدة عن الذاكرة التوثيقية لشعراء البحرين والكويت عندما فاجأهم الخضر في مجالسهم الخاصة بجزالة ألفاظه وقوة سبكه وصوره الشعرية المدهشة، وكان الخضر حينها نسيج وحده- كما يقال- لأنه واجه صنوفاً من العذابات لم يواجهها شاعر آخر في تلك الفترة، وكان توقه الدائم إلى عجمان، والأسباب القاهرة التي منعته من الاستقرار الدائم، بمثابة الوقود الشعري المتوهج الذي جعل من قصيدة الخضر مناسبة يحتفي بها متذوقو القصيدة الفارهة، لأنها عبّرت وبصدق عن لواعج نفس ريّانة، تهيم في طلب المستحيل ولا تيأس. بن ياقوت.. شعرية عارمة وشهدت عجمان ولادة قامة شعرية أخرى في فترة الثمانينات وما بعدها، والمتجسدة في الشاعر الشعبي الكبير ربيع بن ياقوت الذي أقعده المرض مؤخراً، ولكن صدى قصائده ما زال يرنّ في أسماع المعجبين بشعره إلى اليوم، جاء صوت بن ياقوت عارماً وعالياً عندما كان يتطرق في شعره للظواهر الاجتماعية السلبية، خصوصاً بعد انحسار زمن الكتاتيب وظهور التعليم النظامي، والهجرة الحاشدة للجاليات الآسيوية، وبعد التحولات المفاجئة والصادمة للطفرة العمرانية والاقتصادية في أوائل الثمانينات وأواسط التسعينات، وما نتج عنها من ظواهر جديدة ومقلقة، ذكر بن ياقوت جانبا منها في قصيدة مشهورة له يقول في مطلعها: علمـوها? ?الرقـص? ?والغنـّـا? ? خـرّجوهـا البنـت فنـانـه دربــوهـا كيـف تتجـنّـا تلعــب الجمبـاز شــيطانـه وفــروا? ?لها? ?العـود? ?والفنّـا? ? وهــي مثل الأرض عطشانه يـوم? ?هـذا? ?العلـم? ?هــوّنـا? ? اكــرها الله العلم واعوانـه الـــولد? ?قاصر? ?مـن? ?الحنّـا? ? ايعـــجنّ وايخضّب ابنانـه ان? ?بــدى? ?بالمشـي? ?يتثنـّى? ? الشــــعر طايح على امتانـه وهو الجانب الذي شاركه فيه شاعر آخر ساخر ظهر في عجمان وعاصر تلك الفترة وهو سلطان الشاعر، الذي اشتهر بأعماله الدرامية والكوميدية المميزة ومن أشهرها مسلسل (شحفان القطو). ولكن إبداعات ربيع بن ياقوت تتجاوز وبكثير قصائد النقد والاحتجاج، والمصحوبة كذلك بصور ساخرة تدخل في سياق النكتة السوداء، لأن ما كتبه من قصائد غزل وتأملات ذاتية بدا مكتنزا بروح شفافة وقارئة بدقة لخارطة الأهواء البشرية في سموها وفي أخطائها ومزالقها أيضا. وتميز بن ياقوت بقصائده الوطنية وقصائد المديح لحكام الدولة، وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” والذي يولي الشعر والشعراء أهمية خاصة، باعتبارهم الناطقين والمعبرين عن مشاعر الناس والأهالي في كافة مناطق الدولة. ومن قصائده التي نرى فيها مزجا عجيبا بين الهمّ الذاتي والهمّ العام ما أورده في القصيدة التالية: هات القلم قم هات لسجال بندب لهم في الليل مرسول ضاق الصدر م الضيج ما شال م الهم أنا ناقل حمل تول وانت مريح وخالي البال وأنا عليه اليوم عن حول ما بك شرا ما بي م الأهوال يا عاذلي لا تكثر القول بوشهاب.. حضور وازن كان الهوى الثقافي المتنامي في عجمان على موعد مع ظهور اسم له وزن وثقل واعتبار في الساحة الأدبية عموما والشعرية خصوصاً، وهو الشاعر الراحل حمد بن خليفة أبوشهاب، الذي أبدع في حقلي الشعر الفصيح والشعر النبطي، وكانت له جهود مقدرة واستثنائية في توثيق سير وقصائد شعراء كبار في الدولة أمثال: الماجدي بن ظاهر، وراشد الخضر، وربيع بن ياقوت، وسلطان بن علي العويس، ومحمد بن علي الكوس، كما أصدر وثيقة شعرية مهمة حول شاعرات النبط في الإمارات. ويعد أبو شهاب أول من قدم برامج الشعر الشعبي في‏? ?التلفزيون،? ?عبر? ?تلفزيون? ?الكويت? ?من? ?دبي? ?عام 1971م. وهو? ?أول? ?من? ?نشر? ?الشعر? ?الشعبي? ?في? ?الصحافة? ?اليومية،? ?حيث? ?كان? ?مشرفاً? ?على? ?صفحة? ?الشعر? ?الشعبي? ?في? ?صحيفة? “?البيان?” ?منذ? عام 1981م، و?كانت? ?هذه? ?الصفحات? ?بمثابة? ?متنفس? ?أدبي? ?ومناخ? ?حافل? ?ينقل? ?فيها? ?الشعراء? ?تفاصيل? ?تراثهم? ?ولواعجهم? ?الذاتية? ?وقضايا? ?المكان. ولم يخل المشهد الثقافي في عجمان أثناء حقبة التسعينات وما بعدها من خروج أسماء لامعة في مجالات الشعر والقصة والرواية والنقد، ومن هذه الأسماء القاص والشاعر ناصر جبران، والقاصة سلمى مطر سيف، والكاتبة أمينة بوشهاب، والكاتبة فاطمة السويدي، وشعراء شباب كتبوا قصيدة النثر الجديدة بروح متوثبة وصياغات شعرية تهفو لاختراق أقانيم اللغة والمخيلة ونذكر منهم الشاعر عبدالله عبدالوهاب، وهاشم المعلم، وأحمد المطروشي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©