الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«الاقتصاد الافتراضي».. هل يغير قوانين «اللعبة» ويهيمن على مستقبل العالم

«الاقتصاد الافتراضي».. هل يغير قوانين «اللعبة» ويهيمن على مستقبل العالم
25 مارس 2018 10:04
يوسف البستنجي (أبوظبي) دخل الاقتصاد العالمي منعطفاً تاريخياً جديداً، بدأت تلوح ملامحه في الأفق منذ مطلع عام 2017، في ظل النمو الكبير الذي شهدته تداولات أسواق العملات الافتراضية العالمية، مثل البيتكوين والاثريوم والربل وغيرها، وسط حالة من الضبابية الكثيفة الناتجة عن التناقض بين إجماع الغالبية الساحقة من الخبراء الماليين والاقتصاديين على المخاطر الكبيرة المرتبطة بهذه الظاهرة، وتحذيرهم من التعامل بها من جهة، والواقع الذي نشأ عن الإقبال الكبير عليها، الذي شهدته الأسواق العالمية الكبرى، من جهة أخرى. ووفقا لبيانات البورصات العالمية وصلت القيمة السوقية للعملات الافتراضية مطلع العام الجاري، لنحو 875 مليار دولار، أكثر من 90% منها حققتها تلك العملات خلال فترة لا تتجاوز 18 شهرا، وذلك وفقا لبيانات البورصات العالمية ومنصات التداول الكبرى. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الواقع أن آلاف الأشخاص تمكنوا من جني ثروات طائلة بملايين الدولارات، خلال عدة أشهر فقط، وباستثمارات محدودة القيمة أيضا، فإن آلاف المتعاملين تكبدوا خسائر فادحة خلال أيام معدودة أيضا. وتابع المهتمون بهذه السوق خلال الأشهر القليلة الماضية أخبارا وتقارير عن أشخاص استثمروا مبالغ محدودة جدا، لاتتجاوز قيمتها ألفاً أو ألفي دولار ليصبحوا بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين، بل إن بعض التقارير أشارت إلى أشخاص في هذه السوق دخلوا قائمة المليارديرات. ووفقاً لمعادلة حسابية بسيطة فإن الشخص الذي استثمر مبلغ 1120 دولارا أميركيا فقط عند بداية طرح عملة «بيتكوين» الافتراضية، مطلع عام 2009، وكان سعرها آنذاك 8 سنتات، أصبحت ثروته مطلع 2018، نحو 280 مليون دولار، أو ما يعادل مليار درهم إماراتي، حين بلغ سعر وحدة البتكوين نحو 20 ألف دولار. ولذا يمكن القول إن الاقتصاد العالمي يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، وهي مرحلة العبور من الاقتصاد الكلاسيكي إلى الاقتصاد الافتراضي، حيث تعتبر ظاهرة العملات الافتراضية «ليست بالضرورة المعروفة حاليا» مؤشرا على هذه المرحلة وليست المرحلة كلها، فالمسألة الأهم تكمن في «الانقلاب» على أسس الاقتصاد الكلاسيكي، وأكثرها أهمية إعادة تحديد مفهوم «القيمة» التي لم تعد «كمية العمل المحتوى في بضاعة معينة»، بل إن خلق «القيمة» وحماية «القيمة» وتحقيق التنمية والنمو المستمر والمستدام، أصبحت عملية مرتبطة ارتباطا عضويا بالقدرة على «إدارة المخاطر» وفن التعامل معها، في ظروف متغيرة ومتداخلة ومتجددة. ...فمن يقف خلف هذه الظاهرة؟ وأين بدأت وإلى أين وصلت؟ المنطق الاقتصادي العام يؤكد أن لاشيء يأتي من العدم، ففي السنوات القليلة الماضية بدأت تعلو نبرة جديدة في تصريحات مسؤولين صينيين ومسؤولي بعض البلدان في جنوب شرق آسيا، وكذلك في روسيا وبلدان أخرى، حول ضرورة البحث عن عملة جديدة تستخدم كأداة للدفع في التبادلات التجارية الدولية، تكون أكثر عدالة واستقرارا، تحل محل الدولار الأميركي، وتكون مقبولة لدى أطراف النظام الاقتصادي الدولي، ولذا لا تبدو عملية مصادفة أن تطرح عملة البيتكوين بداية في مناطق النفوذ الصيني عام 2009. الخبراء والمراقبون السياسيون والاقتصاديون، على مدى العقود الماضية، يعلمون جيدا، أن الدولار الأميركي يشكل العمود الفقري للسياسة الاميركية، فهو أحد الركائز الأساسية والمعيار الذي تستند اليه علاقات الولايات المتحدة مع العالم الخارجي، إضافة إلى عناصر أخرى، لكن الدولار أساسها. وشكل الموقف من الدولار الأميركي «الباروميتر» الذي يقيس طريقة وطبيعة تعامل الولايات المتحدة تجاه أي دولة في العالم، وظل هذا المعيار أساسيا في الاستراتيجية الأميركية حتى انتخاب الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، الذي شكلت سياسته انقلابا جذريا على الكثير من الاستراتيجيات الاقتصادية التي كانت مسلمات لايمكن المساس بها خلال عدة عقود ماضية، وحتى نهاية عهد أوباما. منذ أن تولى الرئيس ترامب الإدارة الأميركية تركزت استراتيجيته على خلق الوظائف الجديدة، ودعم قطاعات الأعمال والشركات الاميركية، أي أنه توجه إلى الاقتصاد الحقيقي في السوق الأميركية، وتخلى إلى حد بعيد «بشكل مؤقت» عن معالجة مشاكل الاقتصاد من خلال إجراءات السياسة النقدية، ولذا صعدت أسواق الأسهم الأميركية خلال عام واحد إلى أعلى مستوياتها التاريخية، فيما تراجع الدولار أمام العملات الصعبة الأخرى، ويبدو أن هذه السياسة بعثت برسالة إلى القوى الاقتصادية الأخرى مفادها أن الوقت مناسب للبحث عن بدائل تؤسس لمرحلة جديدة في وسائل الدفع وقياس القيمة في النظام التجاري الدولي، ويعتبر هذا التفسير هو الوحيد المنطقي لصعود نجم العملات الافتراضية وخاصة البيتكوين مع بدء عهد ترامب تقريبا، إذ إن البيتكوين طرح منذ مطلع عام 2009، وبقي يراوح مكانه لأكثر من 7 سنوات، ومن ثم خلال عام 2016 تضاعف سعره آلاف المرات، وأصبحت ظاهرة العملات الافتراضية تخيم على الأسواق العالمية. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن عدة مؤسسات أميركية وكندية وأوروبية بدأت بطرح عملات افتراضية حتى بلغ عددها اليوم نحو 1700 عملة، وذلك عندما وجدت الشركات والمستثمرون وحتى بعض الدول أنها وسيلة ممكنة للتداول وأن آليات عملها تحمل عناصر قابلة للتطبيق في الاقتصاد الحقيقي. يحدث ذلك في وقت تختلف فيه الآراء بشدة بين من يعتبر أن العملات الافتراضية، ظاهرة مؤقته ليس لها أي أساس مادي ملموس ولا تملك أي رصيد من العوامل التي يمكن أن تمنحها الثقة، وتحولها إلى واقع يجبر الأسواق العالمية على التعامل معه، فيما يرى آخرون أن ما يحدث هو البداية فقط لعملية معقدة، على طريق انتقال الاقتصاد العالمي نحو اقتصاد المستقبل الافتراضي، الذي لا بديل عنه، والذي يتجه الاقتصاد العالمي نحوه بشكل حتمي، مستندين في ذلك إلى قراءة حركة الاقتصاد العالمي عبر التاريخ، الذي استطاع دائما إيجاد وتوفير الأدوات والحلول الضرورية اللازمة لتسهيل انسيابية حركة انتقال وتبادل رأس المال، والسلع والخدمات عبر الأسواق العالمية، والتي جاء معظمها على شكل حلول وأدوات ولدت من رحم الأزمات الاقتصادية العالمية الكبرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©