الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات تحتاج إلى قانون يحفظ الوثائق لأجيال المستقبل

الإمارات تحتاج إلى قانون يحفظ الوثائق لأجيال المستقبل
13 يناير 2008 03:04
في منطقة ملغومة كالشرق الأوسط، حيث يمكن لنقطة أو خط صغير على خريطة أن يفجر أزمات إقليمية ودولية خطيرة، تكتسب الوثائق التاريخية أهمية قصوى، تفوق مثيلاتها في باقي أنحاء العالم· وعندما يقال تاريخ ووثائق في منطقة الخليج، فلابد ان تقودنا الخرائط إلى الدكتورة فراوكا هيرد المؤرخة الألمانية البارزة، التي وصلت أبوظبي عام 1967 في إجازة، ظنت أنها ستكون قصيرة، فإذا بها تستغرق 40 عاماً· مشوار طويل قطعته هيرد، بدأب ألماني معروف، من جامعة برلين، وتكلل أخيراً بتسلمها جائزة أبوظبي من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تقديراً لمجمل جهودها· تقول فراوكا ''حقيــقة لم أكن أتـــــوقع الفوز بالجائزة''· لكن الذين يعـــــرفون قدرها - وهم كثيرون- كانوا يتوقــــعون تكريمها منذ زمن ، فهذه العالمة الألمانيـــــة التي تتـــــقن نحو خمس لغات، بذلت جهداً اســــــتثنائياً من أجل تــــاريخ الإمارات، عبر عــــــملها في مركز الوثـــــائق والبحوث التابع لوزارة شؤون الرئاســـــة منذ بداياته الأولى· وكانت الحصيلة 75 دراسة· كتبتها ووثائق تاريخية بالآلاف، شاركت في جمعها·· وكتاب يعتبر هو العمدة والمرجع الأساسي في تاريخ الإمارات· وبعد أيام من فـــــوزها بالجائزة وقـــــبل أيام من احتــــــفالها بعــــــيد زواجـــــها الأربعين في أبوظبي، التـــــقت ''الاتحاد'' الدكتـــــورة فراوكا، في حــــوار، طـــالـــــبت خــــلاله بضرورة سن قانون يحمي الوثــــائق والملفات الخــــــاصة لدى جمـــــيع الــــوزارات والهيئات المحــــــلية والاتحــــادية، بما يتيح للأجـــــيال فرصة التعرف على تاريخ مجتمعهم·· من أين جـــــاء وإلى أين يمــــضي· استـــهلت فراوكا حــــديثـــــها مع ''الاتحاد '' بالبدايات عام 1967 فقالت : عندما حصلت على درجة الدكتوراه قبل أربعة أيام من زواجي· كان موضوع رسالة الدكتوراه عن برلين كعاصمة لألمانيا بين 1912 و·1920 أي لم تكن لدراستي صلة بالخليج على الإطلاق· لكن زوجي كان يعمل في إحدى شركات النفط في أبوظبي منذ ·1963 وقد قدمت إلى المدينة لمجرد تمضية إجازة ممتعة ثم نذهب الى مكان آخر· لكن فور وصولي بدأت في دراسة اللغة العربية ، كان أمرا جديدا كليا· إنها المرة الأولى التي أصل فيها لمكان لا أعرف لغته··· إنني اعرف إلى جانب الألمانية الانجليزية والفرنسية ويمكنني استخدام الايطالية التي درستها في الجامعة· لكن العربية لم يكن لي سابق معرفة بها من اول عامين أمضيتهما في ابوظبي ادركت ان تلك البلاد تتغير بسرعة كبيرة جدا كانت هناك كثير من الأنشطة وبدأ الناس يأتون من الخارج ليكتبوا عن التغيير القوي الجاري في البلاد· ومنذ أن لاحظت تلك التغيرات السريعة بدأت تشغلني تساؤلات عما إذا كانت التحولات الجارية قد تؤثر أو تغير أشياء في المجتمع· وبدأت ابحث عن مدى وطبيعة تأثر المجتمع بالتحولات الجارية وقادني ذلك إلى مركز الوثائق والبحوث في سبتمبر 1969 ، و فكرت في انه يمكنني كتابة مقال لحساب صحيفة ما· وبدأت أجمع المادة الضرورية· وتوجهت إلى المركز في قصر الحصن· وكان المؤرخ المصري الدكتور محمد مرسي قد بدأ مشروع تأسيس المركز وجمع كثيراً من الكتب من بيروت والقاهرة بالإضافة إلى الكثير من المقالات المهمة عن الخليج· وبدأت الحضور يوميا· وكان هناك كثير من الزوار، خليط من مسؤولين وصحفيين، يأتون للمكان حيث كان مقر الحكم وكانوا يمرون على المركز الذي كان في البداية مجرد حجرة صغيرة، ليلتقطوا كتابا يقرأونه مساء في الفندق، ثم لا نرى الكتاب مرة أخرى لأنهم سافروا به إلى الخارج· من ثم فكرت انه لابد ان نبدأ في وضع أرقام للكتب واعتماد نظام لاستعارتها· وطلب مني الدكتور مرسي تولي الأمر· وهكذا بدأت الرحلة بتنظيم شؤون المكتبة· وبعد فترة من الوقت كتبت بحثا قدمته في '' السينمار العربي '' في جامعة أكسفورد عن التحولات الجارية في المنطقة وكنت قد زرت عمان والبحرين واليمن وقطر· ورأيت كيف أن الإمارات تنمو وتتطور بوتيرة مميزة للغاية مقارنة بالآخرين· ووضعت الدراسة في هذا الإطار ثم نشرتها في دورية تعنى بالدراسات الآسيوية· بعد ذلك بدأت أهتم بالدراسات النفطية الخاصة فيما يخص أبوظبي· أسئلة واستفسارات وقالت فراوكا حاولت رصد التطورات في دراسة نشرتها بالانجليزية في ألمانيا· ثم أخذت الأسئلة تتوالى في رأسي واحدا وراء الآخر· وبدأت أدرك ان ثمة أمورا كثيرة يحتاج المرء الى معرفتها ودراستها فقررت أن أضع الافكار المطروحة كلها في كتاب واحد وليس في دراسات منفصلة· واتصلت بدار لونجمان· وكان ردهم ايجابيا· وبعد ثمانية اعوام كنت قد انتهيت من كتاب ''من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة · جمع الوثائق وعن مهمتها في المركز قالت : مهمتنا في المركز الذي يديره الدكتور عبدالله عبد الكريم الريس منذ عام 2000 هي جمع الوثائق الأرشيفية التاريخية الخاصة من منطقة الخليج عموما والمناطق الأخرى التي كانت على اتصال بها مثل شرق افريقيا· لانه لا يمكن فهم تاريخ الإمارات بدون فهم تاريخ المنطقة كلها خلال القرنين الماضيين· وقديما لم يكن كثيرون في الخليج يعرف القراءة والكتابة· ومن ثم فهناك ندرة شديدة ان لم يكن غياباً كاملاً لأي وثائق أرشيفية مكتوبة تركتها المجتمعات القديمة في المنطقة· اللهم باستثناء خطابات قليلة متبادلة بين شيوخ المنطقة وسلطان عمان في مسقط· وأضافت كان لابد من البحث عن مصادر موثوق بها للحصول على المواد التاريخية الضرورية· وبالتالي كان أول من يتعين علينا التحدث إليهم هم البريطانيون· وكان لدى الإمبراطورية البريطانية التي عاشت في المنطقة نحو قرنين من الزمان الكثير من الأسباب التي تحتم عليها تسجيل كل ما كان يحدث في الخليج· وكانت حصيلتهم ما بين 20 ألفا إلى 30 ألف ملف بشأن الخليج عموما بالإضافة إلى 90 ألف وثيقة أخرى ربما فيها شيء يتعلق بالخليج· وأرسل الجزء الأكبر من تلك الملفات إلى بريطانيا في 1947 عند استقلال الهند· باعتبارها تاريخا بريطانيا· ولكنها في الواقع كانت تتضمن تاريخ المنطقة في تلك الفترة· وعندما بدأ الدكتور محمد مرسي تنفيذ فكرة إقامة المركز في ،1968 وجد انه من الضروري جمع الوثائق التاريخية مع قرار بريطانيا بالرحيل من منطقة الخليج وإلغاء معاهدات العلاقات مع الإمارات السبع·· ورأى أنه من الضروري التوصل إلى مضمون تلك المعاهدات التي لم تكن كلها معروفة· وبدأ الاتصال بالبريطانيين من اجل البحث في أرشيفهم عن الوثائق المطلوبة· وبالفعل عثرنا على الوثائق وأخذنا نسخا مصورة منها وحفظناها على ميكروفيلم· وبعد قيام دولة الوحدة في 1971 بدأ يتم البحث عمن يمكن أن تكون لديهم وثائق خاصة بالخليج مثل البرتغاليين أو الهولنديين· وكثير من القوى الأوروبية، التي كانت تدس انفها في المنطقة لأسباب شتى، كانوا يسجلون دائما ما يفعلونه وما يجدونه في المنطقة كتابة بما في ذلك الشخصيات التي يتصلون بها وكل ما يتعلق بالصفقات التجارية والتحالفات بين القبائل بل وحتى تفاصيل دقيقة من نوع عدد الخيول هنا أو هناك· مصدر الوثائق وعن مصدر الوثائق قالت المؤرخة الألمانية : على مدى سنوات عمل المركز للحصول على نسخ مصورة من الوثائق من مصادرها الرئيسية سواء من البريطانيين أو البرتغاليين والهولنديين وغيرهم· واجرينا اتصالات رسمية مع الجميع ، وبذلنا جهداً كبيراً بمساعدة سفارات الإمارات في الدول المعنية للحصول على الوثائق· ثم انه لدينا أناس تعاقدنا معهم لتيسير سبل الحصول على الوثائق التاريخية· والان مثلا لدينا اتفاق مع ايطاليا للحصول على نسخ من بعض الوثائق التاريخية التي يعود تاريخها لفترات مبكرة جدا حتى قبل أن يأتي البرتغاليون للمنطقة· حاولنا أيضا جمع وثائق أميركية· وأشارت الى أن الولايات المتحدة حصلت على امتيازات نفطية في السعودية وكانت هناك اتصالات وزيارات من جانب الاميركيين للمنطقة· وثمة وثائق تتعلق بتلك التفاصيل وبكل ما يتعلق بهذه الامتيازات وسبل الحصول عليها· وهي وثائق مهمة لتاريخ المنطقة برمتها· ثم لدينا وثائق فرنسية· وكما هو معروف كان نابليون يحلم ولو بقطعة من الهند وهو ما لم يحدث· لكن كانت عينه على الخليج وكانت لهم اتصالات بمسقط وجزء من افريقيا· لدينا ايضا وثائق ألمانية حيث بدأت الاتصالات الالمانية بالمنطقة متأخرة قليلا في ·1880 هدفنا هو ان نجلب تلك الوثائق للمركز ونجمعها تحت سقف واحد وان نحافظ عليها حتى يمكن للباحثين في المستقبل الاستفادة منها· الوثائق بالآلاف وقالت فراوكا ان عدد الوثائق التي تم جمعها كانت بالآلاف ، ومن الصعب وضع رقم تقريبي · الوثائق البريطانية والالمانية على سبيل المثال موجودة في ملفات ضخمة للغاية ونحن نحصيها بالملفات حيث إن عددها بلا حصر· اما البرتغالية فنحن نحصيها كل وثيقة على حدة· وعن أقدم الوثائق قالت : لا استطيع ان احدد ذلك على وجه الدقة· لكن ربما تكون واحدة من الوثائق البرتغالية التي يعود تاريخها الى عام ·1400 وان كنت اعتقد انه عند حصولنا على الوثائق الايطالية فربما وجدنا اقدم من ذلك التاريخ· ولو حصلنا على نسخ من الوثائق العربية القديمة الموجودة لدى عمان ربما كانــــت من تاريــــخ أقدم من ذلك ، وعن المصادر التي يتم الحصول منها على الوثائق قالت: في حالة بريطانيا نحصل عليها من مكتبة '' India office '' التي تتوقف محفوظاتها حتى تاريخ 1947 مع استقلال الهند لكن الوثائق الخاصة بعد ذلك التاريخ موجودة فيما يعرف باسم '' puplic record office '' في لندن الموجودة فيه كل الوثائق الخاصة بوزارة الخارجية البريطانية· والقانون في بريطانيا ينص على ان الوثائق تبقى سرية لمدة ثلاثين عاما فقط ثم تتم اتاحتها للآخرين وكل عام تتاح مواد اكثر والان فان الوثائق الخاصة بمرحلة نشأة اتحاد الامارات متاحة· وقد حصلنا عليها· لكن فائدة تلك الوثائق التي يفرج عنها سنويا تتناقص بالنسبة لنا لان السفارة البريطانية بعد 1971 صارت سفارة مثل باقي السفارات· ولم يعد لها وضع خاص· أشياء مفيدة وعن مدى وجود اشياء مفيدة غير الأمور السياسية في الوثائق قالت فراوكا : بالتأكيد ·· الواقع ان البريطانيين كانوا قد اجروا مثلا دراسات مفيدة على التربة في رأس الخيمة وعمان وكان يوجد في بيروت مقر مركز ابحاث تابع لوزارة تنمية العالم الخارجي· واحصائيات خاصة بالأمطار وأمور من هذا القبيل· جهود استثنائية عن الجهود الاستثنائية التي بذلها مركز الوثائق والبحوث لجمع هذه الوثائق ومدى أهميتها في ظل الوضع المعقد في الشرق الاوسط الذي يضج بنزاعات حدودية قالت فراوكا : نعم بكل تأكيد· انه أمر شديد الأهمية· على سبيل المثال عندما تقع بعض النزاعات يأتي الينا بعض الاطراف ويطلبون بعض الوثائق والخرائط· وعندما قام العراق بغزو الكويت طلبت منا الحكومة الكويتية في المنفى اعداد دراسة وكانوا يعرفون اننا جمعنا وثائق اكثر من أي احد، وقد قمنا بذلك· وشاركت أنا فيها والدكتور مرسي· وقد درست أنا الوثائق الألمانية الخاصة بالأمر والبعض بحث في الوثائق البريطانية· ووضعنا كل ذلك في ملف ثم سلمناها· عما إذا كانت دول أخرى طلبت مساعدة من المركز ، قالت فراوكا لا أفضل الخوض في الحديث عن مساعدات المركز في هذا الشأن ويحدث أحيانا أن يطلب منا البعض العون فيما يتعلق بقضايا معينة ونحن لا نتأخر في تقديم المساعدة· بعض البنوك تحتفظ بوثائق مهمة عن تطور المجتمع قالت فراوكا إننا نحاول جمع الوثائق من الخارج والمحفوظة في أرشيف بعض المؤسسات الأجنبية من شركات وبنوك كانت أو مازالت تعمل في الإمارات· لكن ليس ثمة قانون ينظم ذلك· وهنا نشير الى أن البنوك الكبرى كانت لها فروع في الخليج على مدار السنين وكانت تجرى مفاوضات مع المسؤولين والمواطنين في كل مكان بالمنطقة لفتح فروع وكان لديهم موظفون محليون· وهم يحتفظون بوثائق مليئة بالتفاصيل في هذا الشأن· وتعكس وثائق البنوك مستويات التطور الاقتصادي في البلاد من خلال بيانات القروض وما شابه· واعتقد ان لديهم الكثير مما يمكن أن يكون مفيداً للمؤرخين المهتمين بالخليج اذا ما احتفظوا به ولو فتحوا ملفاتهم أمام الناس· وهذه قضية مهمة· وقالت : الإمارات ليس لديها حتى الآن قانون خاص بالوثائق الأمر الذي يعني أن كل وزارة او إدارة محلية يمكنها أن تفعل ما تشاء بما لديها من وثائق· وعندما تتنقل أي وزارة أو إدارة إلى بناية جديدة فقد تتخلص من وثائق وملفات مهمة لعدم وجود حيز يتسع لها· والقانون المرجو يحدد ما هي الوثائق التي يمكن التخلص منها وتلك التي يتعين إرسالها الى مكان مركزي للاحتفاظ بها· هذا المكان المركزي يسمى الأرشــــيف الاتحــــادي او "Public Record Office"· وأيا ما كان الاسم فان هذا المكان مهمته هي الاحتفاظ بذاكرة الإدارة العامة حتى يمكن للأجيال القادمة ان تفهم ما حدث في الماضي· ولأن هذا الماضي يشكل الحاضر فانه من الضروري إتاحة الأدلة الخاصة بهذا الماضي أي الوثائق· لتعرف أجيال المستقبل من أين جاء مجتمعهم والى أين يمضي· فمثلاً لو أراد أحد أن يدرس تطور مناهج التعليم في الإمارات أو يبحث في ماهية السياسة التعليمية للبلاد في 1972 وفي 1975 وكيف تغيرت، سيكون المرء محظوظا لو وجدها في وزارة التربية والتعليم· وأوضحت أن المركز أجرى في الثمانينات مقابلات مع عرب وهنود وأجانب في أبوظبي وفي مناطق اخرى من الامارات· وكان هناك مشروع لاجراء مقابلات مع أميركيين متقاعدين في الولايات المتحدة· هؤلاء عاشوا وعملوا في شبه الجزيرة العربية لفترة من الوقت· ومعظمهم كان يعمل في ارامكو بالسعودية· وكان يشرف على تدوين مضمون تلك المقابلات جون دوك انتوني رئيس ومؤسس المجلس الوطني للعلاقات الاميركية العربية، وكانت المقابلات تتم في الولايات المتحدة أو في مقر المركز بأبوظبي·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©