الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة المالية··· أكبر تهديد للتفوق الأميركي

الأزمة المالية··· أكبر تهديد للتفوق الأميركي
19 مايو 2008 03:53
خلال أغسطس الماضي، وفي ذروة الهلع الذي ساد بسبب أزمة الرهونات العقارية، عمل رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي السابق ''آلان جرينسبان'' على طمأنة الجمهور القلق، عندما قال إن الاضطراب السائد لا يختلف عن غيره من الاضطرابات والأزمات المالية القصيرة التي سادت في السابق مثل أزمة الائتمان الروسية عام ،1998 أو انهيار سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة عام ،1978 وأن الأمر بالتالي لا يدعو لقلق· بعد تسعة شهور لم تعد تلك المقارنات التي كان الغرض منها طمأنة الجمهور تجدي نفعاً حيث يواجه اقتصاد الولايات المتحدة راهناً مستويات ديون غير مسبوقة، وارتفاعاً كبيرا في أسعار السلع، وهبوطاً ملحوظاً في أسعار المنازل، وأخيراً وليس آخراً انخفاضاً في قيمة الدولار· وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذت مؤخراً من أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، فإن بعض الاقتصاديين يخشون أن يواجه العالم عما قريب أكبر أزمة مالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي· هذه المقارنة أيضاً ليست دقيقة تماماً··· لماذا؟ لأن التطورات التي أدت إلى الكساد الكبير، والتسلسل الذي تمت به قد لا تتكرر مرة ثانية· فالتطورات التي سبقت الكساد العظيم كانت هي: فقدان الأسهم لـ 80% من قيمتها، وارتفاع نسبة البطالة إلى 25%، وإصابة منطقة السهول العظمى في الولايات المتحدة بالجفاف، لدرجة دفعت مئات الألوف من المزارعين في ولاية أوكلاهوما إلى الرحيل إلى كاليفورنيا· بيد أن الشيء الذي يجب أن يخشاه الأميركيون فعلا، هو أن الاضطراب الحالي يؤشر إلى ذلك النوع من الاضطراب العالمي الذي أدى إلى انهيار قوى اقتصادية كبرى سابقة كان أبرزها بريطانيا· 80% من الأميركيين يقولون إنه إذا كانت بلادهم لا تسير على الطريق الصحيح في الوقت الراهن، فإن ما حدث مع البلاد الأخرى تاريخياً لا يهم، لأن الولايات المتحدة ذات وضع فريد· هذا الكلام غير صحيح في الحقيقة، فجميع الأمم السابقة مثل روما في العصور القديمة، وإسبانيا والبرتغال وهولندا في العصور الوسطى، كانت تنظر إلى نفسها على أنها أمم فريدة أيضاً، وذلك قبل أن تدرك، وتجرب، أن عوامل قوتها كانت هي ذاتها عوامل سقوطها في مراحل لاحقة· تمثلت تلك العوامل وفيما يتعلق بتلك القوى جميعا في الآتي: الإحساس بأن الأمور لم تعد تمضي على النحو الصحيح، ارتفاع المد الديني، والتمدد الإمبراطوري، والاستقطاب الاقتصادي، وتعاظم نفوذ القطاع المالي على حساب الصناعي، وتنامي الديون، وهي كلها عوامل تنطبق على الولايات المتحدة اليوم· وهناك نقطة مهمة يجب علينا التنبيه إليها قبل التوسع في شرح هذه العوامل، وبيان مدى انطباقها على أميركا المعاصرة، وهي أن التحذيرات التي كان المتشائمون يطلقونها في كل حالة من الحالات السابقة محذرين من السقوط الوشيك كانت- حتى وإن كانت صائبة من نحو المضمون- تتم في وقت مبكر للغاية· فتلك التحذيرات في حالة بريطانيا بدأت عام 1860 ثم تصاعدت في 1890 ولكنها لم تتبلور على أرض الواقع فعلاً إلا في أربعينيات القرن العشرين· المخاوف المبكرة طاردت أميركا أيضاً: فقد بدأت التحذيرات حول أن أميركا على وشك أن تفقد الهيمنة العالمية التي حققتها منذ الحرب العالمية الثانية، عقب انتخابات 1968 مباشرة، واستمرت حتى عام 1972 بسبب تضافر عوامل سلبية، تتعلق بالتجارة العالمية، وأزمة العملة، وانهيار الإجماع الأميركي حول السياسة الخارجية في منطقة جنوب شرق آسيا· أما المرحلة الثانية من التوقعات المتشائمة فقد جاءت بعد سقوط ''سايجون'' في أيدي الشيوعيين وفضيحة ''ووترجيت''·أما المرحلة الثالثة، فقد جاءت في أواخر الثمانينينيات عندما بدا أن الصعود الياباني آنذاك يهدد التفوق الأميركي على المستوى العالمي، سواء في مجال التصنيع أو في المجال المالي· وفي عام 1991 قال ''بول تسونجاس'' الذي كان يتطلع إلى الفوز بترشيح ''الحزب الديمقراطي'' لانتخابات الرئاسة ''إن الحرب الباردة قد انتهت وأن الفائزين فيها هم ألمانيا واليابان''· ونستطيع الآن ونحن في عام 2008 أن نلقي بنظرنا إلى الوراء كي نرى مرحلة رابعة هي مرحلة''الهوس التقني'' الذي ساد خلال الفترة 1997- ،2000 والذي تطور إلى فقاعة، ثم إلى انهيار سوقي· ثم جاءت بعد ذلك تطورات متسارعة تمثلت في هجوم الحادي عشر من سبتمبر الإرهابي، وغزو أفغانستان ثم الغزو المتسرع والمرتبك للعراق عام ،2003 ثم تلا ذلك تخلي الأوبك عن نطاق 22- 28 دولارا، ثم ارتفاع أسعار برميل البترول على مدى السنوات الخمس التالية ليتجاوز مئة دولار، بالإضافة إلى نقص الاحترام العالمي للولايات المتحدة بسبب حرب العراق، وأزمة السوق العقاري، وفقاعة الديون، وانخفاض قيمة الدولار بنسبة 50% مقارنة باليورو منذ عام ·2002 المشابهة الأكثر إثارة للفزع بين سقوط القوى القديمة وبين ما هو قائم حالياً في الولايات المتحدة، هو اعتماد الأخيرة غير الصحي على القطاع المالي، باعتباره يمثل قاطرة النمو· لقد اعتمدت هولندا على ذلك القطاع، بيد أن سلسلة من الانهيارات في ستينيات وسبعينيات القرن الثامن عشر، أدت إلى إصابة الاقتصاد الهولندي بالشلل· وفي بداية القرن العشرين، حذر اقتصادي بريطاني من أن القطاع المصرفي يجب ألا يكون هو قاطرة النمو البريطاني، وإنما يجب أن يكون ثمرة من ثماره· ثم جاءت تطورات منها على سبيل المثال الديون التي ترتبت على بريطانيا بسبب خوضها حربين عالميتين في أقل من نصف قرن، لتطلق رصاصة الرحمة على الاقتصاد البريطاني وتفقده وضعه القيادي العالمي· في أميركا، تعاطفت السلطات الأميركية مع القطاع المصرفي خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وأمدته بفيض لا ينضب من تدفقات السيولة، والتدخلات بغرض الإنقاذ· ورفض من بيدهم الحل والربط في القطاع المالي مثل ''جرينسبان'' ووزير الخزانة السابق ''روبرت روبن'' والحالي'' هنري بولسون'' اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم هذا القطاع· لقد بدا الجميع وكأنهم يرحبون بفقاعة الأصول، لا بل ربما يكونون قد تصوروا القطاع المصرفي كعامل مهيمن في التطور الاقتصادي الأميركي، مثله في ذلك مثل الصناعة عندما حلت محل الزراعة في أواخر القرن التاسع عشر· لكن من ذا الذي يتوقع بشكل جدي أن القوى الاقتصادية العظمى البازغة مثل الصين والهند والبرازيل، يمكن أن تفكر في القطاع المالي باعتباره القوى المهيمنة، والمساهم الرئيسي في دخلها القومي الإجمالي، بسبب القطاع المالي المتضخم أكثر مما يلزم، أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة المدينة الرئيسية في العالم عام ،2008 وأكبر دولة في العالم تعاني من عجز في الحساب الجاري، وأكبر دولة مستوردة في العالم سواء للنفط أو السلع الباهظة التكلفة· الدمار المتوقع إذا ما دخل العالم عما قريب في أكبر أزمة مالية مثل الكساد الكبير هو دمار يصعب إدراك أبعاده، ففقدان القيادة الاقتصادية العالمية الذي لحق بهولندا، ومن بعدها بريطانيا، يبدو احتمالاً يلوح بوضوح في آفاقنا في الوقت الراهن· كيفين فيليبس مؤلف كتاب:'' نقود رديئة، تمويل طائش، سياسات فاشلة، والأزمة العالمية للرأسمالية الأميركية''· ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©