الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا.. لماذا تهتم بأوكرانيا؟!

12 مارس 2014 00:16
بادريك كيني أستاذ التاريخ ومدير «معهد روسيا وشرق أوروبا للدراسات البولندية» يمر مسار قديم للقطارات جنوباً من مدينة «برزيميسل» بشرق بولندا وعبر الأراضي الأوكرانية، ثم يعود مرة أخرى إلى بولندا. وتعتبر هذه المسارات من مخلفات الماضي خلال فترة ما قبل الحرب، عندما كانت هذه المنطقة بأكملها أراضى بولندية، قبل أن يقوم الاتحاد السوفييتي بـ«تحرير» غرب أوكرانيا عام 1939 من بولندا وضمه إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية الاشتراكية. وخلال الحقبة الشيوعية، كان البعض يسافر خلال هذا المسار اللولبي -دون أي توقف- فقط لكي يلقي نظرة على الأرض التي كانت في ذلك الوقت محظورة ويتعذر الوصول إليها. ولكن في عامي 1980 و1981، أصبحت الرحلة السوفييتية القصيرة بمثابة رحلة للمتعة والدعاية للبولنديين. النظام السوفيتي كان يُصر على الإبقاء على النوافذ مغلقة أثناء مرور القطار بأراضيه، وفي النهاية، قام رفاقهم البولنديون بتعليق المسار. وبعد مرور عقد من الزمان، اختفت دولته وحكمه الشيوعي، وتمكن البولنديون والأوكرانيون من التقارب أكثر مما كانوا من خلال النافذة المتسخة لقطار الركاب المتثاقل. غير أن الانفعال بهذا المسار القديم للقطار لا يزال يضيئ المخاوف والآمال التي تجعل بولندا حاليا لاعباً مركزياً في أوكرانيا التي باتت الآن أكثر الأزمات الأوروبية حدة منذ عام 1989. وخلال الربع قرن الماضي -وللمرة الأولي في التاريخ المعاصر- أصبح البولنديون لا يواجهون تهديداً وجودياً من الشرق. ولكن بداخل الذاكرة الحية، حيث فقدت بولندا أقاليمها الشرقية عندما قسمها هتلر وستالين في عامي 1939 و1945، أصبحت الخسارة دائمة في بولندا التي تم تغيير ملامحها لتضم حاليا أراضى ألمانية سابقة. لذلك، فإن الغزوات، وعمليات التجزئة وإعادة التخطيط للدول أصبحت غير محتملة بالنسبة للبولنديين. واليوم، فإن بولندا عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبإمكانها استدعاء حلفائها للتشاور عندما تشعر أنها تحت التهديد، من خلال الاستشهاد بالمادة الرابعة من معاهدة الحلف، كما فعلت الأسبوع الماضي. فقد ذكر الجنرال ستانيسلاف كوزيي، رئيس مكتب الأمن القومي في بولندا أن بلاده «مهددة بالمعنى الواسع للكلمة». وأضاف خلال مقابلة أجريت معه قائلاً «صحيح أننا اليوم غير مهددين بشكل مباشر بهجوم من قبل قوات أجنبية على أراضينا، ولكن على المدى الأطول، لا يمكننا استبعاد هذا الاحتمال»، وعندما عقد بوتين مؤتمراً صحفياً الأسبوع الماضي، حيث اعتقد بعض المسؤولين الغرب أنه يحمل أسباباً للتفاؤل، سمع البولنديون تهديداً مباشراً لبلادهم في اتهامه بأن القناصة في ساحة الاستقلال بكييف قد تلقوا تدريبهم في بولندا. ومع ذلك، يتعين علينا قبل أن ننفض الغبار عن الكتب المدرسية، التي تروي تاريخ الحرب الباردة علينا ملاحظة أن أكثر من مجرد الجغرافيا السياسية قد تغيرت عندما انهار الاتحاد السوفييتي، ونما الاتحاد الأوروبي شرقا. أولا، توقفت المشاعر المجردة المناهضة لروسيا عن كونها جزءاً من الخطاب البولندي. فمعظم البولنديين اليوم أصغر من اللازم للتشبع بدراسة اللغة الروسية في المدارس، كما أن روسيا تعتبر شريكاً تجارياً صعباً. وهناك موضوع أكثر أهمية في التفكير البولندي الذي ما زال يحمل ذكريات العلامات التي كانت تومض من نوافذ القطار قبل عقود من الزمان. يعتقد البولنديون أن لديهم رسالة خاصة، وحتى هدية خاصة، لنقلها لهؤلاء الذين يكافحون من أجل الحرية والحقوق المدنية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوكرانيا. إن الشعبين يشتركان سويا في الماضي المؤلم أكثر من الخيوط المشتركة. فالفلاحون الأوكرانيون كانوا يوما ما يعملون لدى النبلاء البولنديين. وعقب الحرب العالمية الأولى، ساعد الجيش البولندي في تحطيم آمال الأوكرانيين البسيطة بالحصول على الاستقلال. كما جلبت الحرب العالمية الثانية مجازر مروعة لكلا الشعبين، من اتجاهات عديدة، وانتهت بعمليات واسعة للتطهير العرقي. ولكن هذا الألم كشف ببطء عن أرضية مشتركة. فقد أخذ كل من الجانبين فكرة «التضامن» لتعني كفاحاً مشتركاً ضد الدكتاتورية. خلال الثمانينيات، بدأ المناهضون للشيوعية في بولندا وأوكرانيا بالحديث عن اللحظات الأكثر قتامة في تاريخ دولتيهما، في محاولة للتغلب على حالة عميقة من فقدان الثقة. وفي 1989، قوبل المنشق البولندي «آدم ميكنيك» بالتهليل عندما ألقى خطاباً أمام المؤتمر التأسيسي لحركة المعارضة الجماهيرية الأولي في أوكرانيا. وفي 2004، خلال ثورة أوكرانيا البرتقالية، كانت شوارع كييف ممتلئة بالبولنديين إلى جانب الأوكرانيين. وقد بدا في ذلك الوقت أن أوكرانيا تمر بنفس تجربة الكرنفال الديمقراطي الذي مرت به بولندا وغيرها من دول الكتلة الشرقية السابقة قبل 15 عاما. وحتى عندما انتهت الثورة البرتقالية بنزاعات سياسية، استمر الإعجاب البولندي بأوكرانيا. وفي الاتحاد الأوروبي، كانت بولندا دائما تدافع عن أوكرانيا. ربما كان هناك نفحة من التفضل في هذا التأييد للتطلعات الأوكرانية، خاصة عندما صادف العديد من الأوكرانيين الازدهار الغربي عندما كانوا يعملون كخدم في المنازل البولندية. وقد حذرت الصحيفة البولندية الإلكترونية الأسبوعية «كولتورا ليبرالنا» (الثقافة الليبرالية) مؤخرا من أن البولنديين يتبنون اتجاه «ما بعد الاستعمار» نحو أوكرانيا. كما حذرت من أن التفكير السحري بشأن الديمقراطية الأوكرانية لم يكن بديلا عن التأييد الملموس. هذا صحيح بدرجة كافية، لكن المنظور البولندي عن أوكرانيا يأتي من مكان قريب للغاية. فالبولنديون، أيضا، رأوا أراضيهم تؤخذ منهم ودماءهم تسيل في ساحات المدينة. كما رأوا أيضا إصراراً شعبياً وعامة الشعب ينظمون القيادة نحو الديمقراطية. كما يرون منعطفاً نحو أوروبا كخيار أخلاقي، وليس فقط من أجل تحقيق الازدهار والاستقرار. وقد تم الجمع بين مثالية 1989 والنظرة الواقعية المؤسسية للعلاقات الدولية، وقد جعل ذلك بولندا لاعباً هائلاً في أوروبا، وصديقاً أساسياً لأوكرانيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©