السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكينيون··· ديمقراطية الفيلة

الكينيون··· ديمقراطية الفيلة
13 يناير 2008 02:38
بينما أكتب هذا المقال، يمكن سماع لعلعات الرصاص من شرفة منزل مزرعتنا؛ فعلى بعد ميل من هنا، يتقاتل المحاربون من قبيلتي ''بوكوت'' و''سامبورو''، وقد بلغني أن الحصيلة الدموية حتى الآن مقتل أربعة محاربين من قبيلة ''سامبورو'' وسطو محاربي قبيلة ''بوكوت'' على 750 رأسا من قطيع الماشية· اليوم آمل ألا يمتد العنف إلى مزرعتنا وعمالها، والواقع أن الوضع لم يكن مثلما هو اليوم عشية الانتخابات الكينية، قبل أسبوعين، عندما سطا أفراد من ''سامبورو'' مدججين ببنادق من طراز ''إي كي ''47 على 22 عجلا، حينها، لم يستطع أفراد الشرطة التحرك لأنهم كانوا مشغولين بحراسة صناديق الاقتراع، ولكن جارنا ''شارلز'' أنقذ قطيعنا بعد أن أطلق وابلا من الرصاص ردع الغزاة وجعلهم يرتدون على أعقابهم· لقد اطلع العالم على فضيحة تزوير الانتخابات في كينيا، وعلى أعمال الشغب في نيروبي، ومداهمات الشرطة لأنصار زعيم المعارضة ''ريلا أودينجا''، وأعمال القتل ضد التجار والمزارعين من قبيلة ''كيكويو'' التي ينتمي إليها الرئيس ''مواي كيباكي''؛ غير أننا كنا شهودا على تطوراتها مباشرة من موقعنا في وسط كينيا· عندما فر أفراد قبيلة ''كيكويو'' من القرية، نفذت إمدادات الطعام المحلية بسرعة، وحل الجوع بين الغوغاء، فاندلعت أعمال الشغب، بعد ذلك، أعلن عراف من قبيلة ''سامبورو'' أن الوقت قد حان بالنسبة لمحاربيه -أنصار أودينجا- للزحف على قبيلة ''بوكوت'' التي دعمت ''كيباكي''، وقال إنه وجد طريقة لتحويل رصاص ''بوكوت'' إلى مطر، وهو الوعد الذي ربما يكون قد عجل بحدوث الاشتباكات الواقعة من حولي· على مدى الأسبوعين الماضيين، لم نعمد إلى تغيير روتيننا اليومي، كما لو أن ذلك قد يؤدي على نحو ما إلى تراجع الكابوس الذي كان يتطور من حولنا، ومع ذلك، فقد وضعتُ مخططا لإخلاء عمالنا الذين ينتمون إلى القبائل ''الخطأ'' وقمنا بزراعة خضار إضافية، ونحن لا ندري ما إن كانت ماشيتنا ستكفي حتى اجتياز الأزمة؛ ومع ذلك، وبالرغم من الحديث عن رواندا أخرى، فإنني أعتقد أن كينيا ستخرج من أزمتها· وذلك يعود بالأساس إلى أخلاق وخصال المواطنين الكينيين العاديين الذين تتمثل أولوياتهم في العمل بجد، وتعليم أطفالهم، وخشية الله، والاستمتاع ببعض كؤوس من الجعة المحلية· فلا أحد يريد أن يصدق أن كينيا حالة نموذجية للأزمات التي تصيب البلدان الإفريقية· ولا أحد يراهن على التدخل السريع للمجتمع الدولي: ليس من واشنطن، وهي صاحبة سلسلة من السياسات الخارجية الكارثية؛ وليس من الاتحاد الأفريقي، الذي يتوفر على رصيد من الإخفاقات الدبلوماسية الكبيرة في دارفور والصومال· فالكينيون يعلمون علم اليقين أنهم وحدهم يستطيعون منع حدوث فوضى جديدة· وعلى الرغم من كل الادعاءات والادعاءات المضادة بين المرشحين، فإن المواطنين العاديين يعلمون أيضا أن طبقة الزعماء السياسيين الكينيين برمتها تستحق اللوم· والواقع أن المثل الأفريقي القائل ''عندما تتعارك الفيلة، فإن العشب يعاني'' ينطبق تماما على ما يجري في كينيا اليوم· فالساسة الكينيون يتقاضون رواتب أكبر من رواتب الكثيرين من نظرائهم في الغرب -رغم أنهم قلما يُحملون أنفسهم عناء حضور جلسات البرلمان· لقد فشلت الديمقراطية الكينية لأن الناس العاديين شُجعوا على الاعتقاد بأن العملية في حد ذاتها يمكن أن تجلب لهم التغيير، وهكذا، يفسر زعماء كينيا -والمراقبون الدوليون في كثير من الحالات- الديمقراطية على أنها فقط مراسيم انتخابات تعددية، وهكذا، تَمنح الانتخاباتُ الشرعيةَ للسياسيين لينهبوا خيرات البلاد لخمس سنوات إلى أن تبدأ الدورة المحزنة من جديد· في التجمعات التي حضرتها أثناء الحملات الانتخابية، لم أر نقاشا حول السياسات رغم مشاكل البلاد الكثيرة على صعيد الصحة والتعليم والجريمة والفقر؛ يصل ''الرجال الكبار'' بواسطة طائرات الهيلوكبتر لمخاطبة الناخبين في الأحياء الفقيرة، واللافت أنهم حينما كانوا يتحدثون لوسائل الإعلام الغربية بالإنجليزية، فإنهم كانوا يتحدثون حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندما ينتقلون إلى اللغات المحلية، فإن خطابهم كان عبارة عن سم خالص وشوفينية عرقية؛ كان المداحون يتملقون للمرشحين، الذين كانوا يغفون قليلا أو يتكلمون عبر هواتفهم النقالة قبل أن يعودوا إلى طائرات الهيلوكبتر التي تثير غبارا يملأ وجوه الفقراء أثناء إقلاعها· لقد خاض ''أودينجا'' حملته على أساس سياسة لامركزية فدرالية تعرف بـ''الماجيمباوية''؛ ونظريا، يبدو تفويض السلطة في بلد أفريقي يقوده سياسيون فاسدون أمرا منطقيا، ولكن ''الماجيمباوية'' تفسر على صعيد محلي بطريقة أخرى: فبدون مؤسسات وطنية ناجحة، فإن اللامركزية تصبح مرادفا لحكم الغوغاء؛ فعلى سبيل المثال، أعلن سياسي محلي مغمور قبل بضعة أشهر أن كل ''الأجانب'' -ويقصد بهم أفراد قبيلة كيكويو والبيض- سيتم طردهم وانتزاع مزارعهم بعد الانتخابات· على أية حال، يمكننا أن نكون متيقنين أن العنف لن يعمل إلا على زيادة الفقر الذي يعد في حد ذاته أصل جميع الأزمات الكينية؛ ذلك أننا نشهد منذ مدة تسريحات العمال وانهيارا محتملا لقطاعي السياحة والزراعة؛ أما على الجبهة السياسية، فلعل أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن يتوصل ''الرجال الكبار'' إلى اتفاق، وتضع القبائل أسلحتها وبنادقها جانبا· بعد ذلك، ستعود وسائل الإعلام الغربية تدريجيا إلى بلدانها، مبتهجة لكون الديمقراطية قد عادت بينما يعود سكان ''لايكيبيا'' لكفاحهم اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة· إيدن هارتلي كاتب عمود بمجلة ''سبيكتيتر'' البريطانية مقيم في كينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©