السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب وسوريا.. تساؤلات ما بعد الهجوم الصاروخي

14 ابريل 2017 22:15
مازال الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتشياً من قراره القوي والحازم القاضي بتوجيه ضربة صاروخية إلى قاعدة جوية سورية من أجل معاقبة بشار الأسد عن الهجوم الكيماوي الذي شنه على بلدة «خان شيخون». صحيح أن ذلك يتناقض تناقضاً تاماً مع كل ما كان يقوله عن سوريا لسنوات، حيث كان يشدد على ضرورة إحجام الرئيس باراك أوباما عن ضرب نظام الأسد – حتى بعد الهجوم الكيماوي الأسوء بكثير الذي وقع في 2013. ولكن وسائل الإعلام أُعجبت كثيرا بذلك (ففي النهاية، لا يوجد شيء أحب إليها من عمل عسكري)، وبالنسبة لرئيس مهووس بصورته، فلا شيء يمكن أن يكون أهم له من ذلك. ولكن في الوقت الراهن، هناك بعض الأسئلة الملحة التي ينبغي الإجابة عنها بشأن هذا الهجوم وعواقبه. هل جعل هجومُ إدارة ترامب الصاروخي الشعبَ السوري أكثر أمانا؟ لو كنتَ من سكان «خان شيخون»، فإنه لم يكن لديك متسع من الوقت للتفكير في الأمان الجديد، لأنه في غضون يوم واحد، كانت الطائرات تقلع من القاعدة الجوية التي استهدفتها إدارة ترامب بالصواريخ، وكان الأسد منهمكا من جديد في قصف مدينتك. وبالتالي، فلئن كنتَ ربما غير مضطر للخوف من التعرض لهجوم كيماوي لبعض الوقت، فإنك قد تصبح مع ذلك ضحية قصف بواسطة أسلحة تقليدية قد يحوِّل جسمك إلى أشلاء. هذه صورة مصغرة للوضع الذي بات سكان سوريا يجدون فيه أنفسهم اليوم. فبشار الأسد تمكّن من قتل نحو نصف مليون من مواطنيه بواسطة القنابل والأسلحة، غير أنه فقط عندما يتعرض بعض من أولئك المواطنين لهجوم بواسطة الغازات السامة تخرج الولايات المتحدة عن صمتها وتقول: «إن هذا أمر غير مقبول وسنرد عليه». وهو ما يسمح لنا- نحن الأميركيين- بأن نقول لأنفسنا إن لدينا قناعات أخلاقية قوية توجِّه قراراتنا التي تسمو فوق أي اعتبارات سياسية أو حتى عملية، في حين أن الحقيقة خلاف ذلك بالطبع. والسؤال الأول: هل جعلت الضربةُ الصاروخية نهايةَ نظام الأسد أكثر احتمالًا؟ على المدى القريب جدا، هذا مستبعد تماماً. فالضرر الذي لحق بتلك القاعدة الجوية الوحيدة كان في الحدود الدنيا، كما أن الضرر بالنسبة للنظام كان منعدماً تقريباً. ولا نملك سوى التكهن حول الأسباب التي جعلت الأسد يستخدم الأسلحة الكيماوية – وشخصياً، أعتقدُ أن أفضل تفسير لدوافع تلك الضربة هو أن الأسد كان يريد أن يُظهر لأعدائه أنه مستعد للقيام بأي شيء، قصد تحطيم معنوياتهم – ولكنا نعلم أنه ليست لها أي قيمة تكتيكية معينة. ثم إن الأسد، ومثلما أظهر طوال هذه الحرب، قادر على قتل مئات الآلاف من المدنيين بواسطة الأسلحة التقليدية. هل جعلت الضربةُ الصاروخية الولايات المتحدة أكثر أمانا؟ الواقع أنه من الصعب تأكيد ذلك، اللهم إلا إذا كنت ستقول إن مجرد إظهار أننا «أقوياء» كفيل بردع أعدائنا. ولكن بالنظر إلى حقيقة أن كل رئيس أميركي قام خلال العقود الأخيرة بغزو مكان ما أو بقصف مكان ما أو بكليهما، فإن الفكرة التي تقول إن الإرهابيين عبر العالم ينتظرون بعض أمارات الضعف الأميركي قبل أن يقرروا مهاجمتنا هي شيءٌ لا يمكن أن يصدِّقه سوى طفل صغير (أو ربما رئيس) ليس لديه فهم للتاريخ. هل تعرف الإدارةُ الحالية ما إن كانت ترغب في رحيل الأسد أم لا؟ الواقع أنه في كل مرة يُسأل فيها شخصٌ من الإدارة الحالية حول ما إن كان تغيير النظام هو سياسة الولايات المتحدة، يقول شيئا مختلفا بعض الشيء. فقبل هجوم خان شيخون، كان كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي يقولان إن الولايات المتحدة لا تسعى وراء رحيل الأسد. ولكنهما اليوم يقولان شيئا مختلفا. فيوم الأحد، قالت هالي: «إننا نعتقد أن تغيير النظام سيحدث»، في حين قال تيلرسون إنه لم يحدث أي تغيير في السياسة الأميركية، مشيراً إلى ليبيا باعتبارها قصة تحذيرية لكيف يمكن لتغيير النظام أن ينحو منحى سيئا. وعندما طُلب من مستشار الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر في برنامج «فوكس نيوز سانداي» أن يوضح الأمور، قال إن كل من هالي وتيلرسون على حق، ثم أضاف قائلا: «وبالتالي، فمن أجل القيام بذلك، لا بد من نوع من الحلول السياسية لتلك المشكلة المعقدة جدا. وما قالته السفيرة «هالي» هو أنه من الصعب جداً فهم كيف يمكن أن ينتج عن استمرار نظام الأسد حلٌّ سياسي». «غير أننا لا نقول إننا من سيُحدث ذاك التغيير، ولكن ما نقوله هو أنه على بلدان أخرى أن تطرح على نفسها بعض الأسئلة الصعبة. فعلى روسيا أن تسأل نفسها: ما الذي نفعله هنا؟ ولماذا ندعم هذا النظام الدموي الذي يرتكب أعمال قتل جماعي في حق أبناء شعبه ولا يتوانى في استخدام أبشع الأسلحة المتاحة؟ «ولهذا، أعتقدُ أنه إذا كان الناس يميلون إلى البحث عن تناقضات في التصريحات، فإنها في الحقيقة منسجمة ومتطابقة تماما لجهة الهدف السياسي الأكبر في سوريا». وعليه، فخلاصة القول هي أن سياسة إدارة ترامب هي ضرورة رحيل الأسد، ولكننا لسنا الأشخاص الذين سيفعلون ذلك. وربما علي أن أشير هنا أيضا إلى أن مقدم برنامج «فوكس نيوز سانداي» كريس والاس سأل ماكماستر سؤالًا مباشراً حول ما إن كانت سياسة الإدارة هي أنه طالما أن الأسد يقتل المدنيين بأسلحة تقليدية، فإننا لن نقوم بأي شيء حيال ذلك، فكان جواب «ماكماستر» بشكل عام: نعم من دون أن يقول نعم، وذلك من خلال تأكيده على مدى «قوة الرسالة» التي بعثنا بها إلى الأسد بشأن الأسلحة الكيماوية. هل تملك الإدارة الأميركية سياسةً منسجمة بشأن سوريا؟ في الواقع، يبدو أن لدى هذه الإدارة سياسة منسجمة بشأن سوريا. وفي ما يلي النسخة المبسطة لهذه السياسة: الأولوية الأولى هي هزم تنظيم «داعش»، وإذا استعمل الأسد أسلحة كيماوية ضد المدنيين، فإننا سنُطلق بعض الصواريخ على قاعدة عسكرية، أما إذا استعمل أسلحة تقليدية ضد المدنيين، فإننا لن نقوم بأي شيء على الأرجح. قد تعتقد أن تلك سياسة جيدة أو سياسة سيئة، غير أنه ليس صعبا على المرء أن يفهم. هل تملك الإدارة الأميركية سياسةً خارجية منسجمة عموما؟ إن أحد الأسباب التي جعلت الضربة في سوريا ذات أهمية هو أنها تبدو متناقضة مع عقيدة «أميركا أولا » التي كان يرفعها ترامب. فقد قيل لنا، بغض النظر عما إن كان ذلك حقيقيا أم لا (وإنْ كنت من المتشككين)، إن ترامب أقدم على تلك الضربة لأنه تأثر جدا بصور ضحايا الهجوم في خان شيخون، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق باتخاذ موقف أخلاقي، وليس بمجرد تحديد ما يصب في المصلحة الضيقة للولايات المتحدة. والواقع أن «عقائد» الرؤساء في السياسة الخارجية تحمَّل أكثر مما تحتمل. فأن تكون قادرا على اختزال سياستك في شعار صغير لا يعني أنها أكثر حكمة أو فعالية من سياسة لا يمكن وصفها باقتضاب. غير أنه من المفيد، بدون شك، أن تكون لدى المرء بعض المبادئ الموجِّهة التي تساعد الجميع – الحكومة، والكونجرس وكل من الحلفاء والخصوم في الخارج – على فهم ما تحاول تحقيقه. ثم إنه لا يبدو أن ثمة تصوراً حقيقياً واضحاً خلف السياسة الخارجية الأميركية، عدا ما يكوِّنه الرئيسُ ترامب من آراء انطلاقاً مما يشاهده على نشرات الأخبار التلفزيونية ذاك اليوم. وعليه، فإليكم توقعاتي: في غضون بضعة أسابيع أو حتى أيام، ستتوارى سوريا من وسائل الإعلام الأميركية والأجندة السياسية. وعلى الميدان هناك، سيظل المدنيون يُقتلون. ولكننا هنا في الولايات المتحدة سنعود للنظر إلى ما يجري هناك باعتباره مأساة فظيعة، ولكن ليس باعتباره شيئا نستطيع القيام بالكثير حياله (وهو ما لا يخالف الواقع كليا). وستبدو ضربةُ الرئيس ترامب الصاروخية أشبه بما هي في الحقيقة منها بـ «ضربة معلم» تعكس القوة والحزم، أي: عمل رمزي خالص لا تأثير له على الميدان تقريبا. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©