الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصادر التناحر والميول التدميرية

3 مارس 2013 20:03
الثقافة والتربية والتعليم والتراث مقومات أساسية لإعداد النشء، وهي من النوع الذي يمكن التحكم به، من خلال التحكم بمعظم مصادرها. ولا يختلف اثنان على أن التحكم في هذه المصادر في أغلب مجتمعاتنا أمر قائم منذ عقود، إن لم نقل أكثر. وعليه، يبرز السؤال: من أين تأتي مصادر واقعنا المشبع بقدر بالغ من النزاعات والنوايا المبيتة والميل نحو الإلغاء والعنف اللفظي (عنف الخطاب) والكراهية والتمييز والتناحر (عنف الواقع) وغيرها من أمراض أخلاقية (مثل الكذب والنفاق) وأمراض اجتماعية منتشرة كظواهر. من حيث المنطق الشكلي، يمكن القول، إن بذور هذه الأمراض وردت إلينا مباشرة نتيجة تعبئة حفّزت عليها وتبرّر انتشارها الواسع هذا بأشكال مختلفة، سياسية وثقافية وسلوكية، أو أنها نشأت عندنا فقط نتيجة فراغ في التربية بسبب تفاعلات عناصر أخرى، فلم تجد ما يصد تكونّها ثم ازدهارها في العقل أو الوعي الجمْعي. وأياً كان الجواب، فإننا بصدد أمر خطير، ليس أخطر منه نجاح هذه الأمراض المتتالية في مصادرة الآمال والطموح بمستقبل أفضل، وهدر الطاقات والأرواح، وحلول أوهام من قبيل اعتبار الإلغاء سبيلاً وحيداً للتقدم. هذا القدر من تراكم الخطورة يتطلب بلا شك تضافر الطاقات الواعية، أولاً من أجل تحديد علمي لمصادر هذا الخلل البنيوي (والذهني) بشكل تكون فيه النتائج أقرب إلى اليقين، وثانياً من أجل مباشرة البحث عما يمكن توفيره من علاج. ولا أخفي أنني شككت في البداية بأن العنف في وسائل التسلية والترفيه والإعلام، مثلاً، قد يكون أحد مصادر هذه الأمراض. قديماً كانت أفلام رعاة البقر والحروب تُتّهم على نطاق واسع بأنها تشجع النشء على العنف. لكن الشعوب الأخرى التي أنتجت أو أقبلت بكثافة على هذه المواد الإعلامية نفسها لم تُصب بمثل هذه الأمراض، أو أنها على الأقل لم تمارس العنف والكراهية ضد بعضها. قد تكون مارست كل ذلك ضدنا، لكن ما حصل أيضاً هو مزيد من انتشار الميول التناحرية الذاتية عندنا. ثمة ما هو أخطر؛ فإذا كانت هذه الظواهر حصلت فعلاً في عصر الوسائل التقليدية، فإن حصاد الوسائل الرقمية الحديثة، من ألعاب شديدة التفاعلية وفنون قتالية جينية ونووية وجذعية وتخيلية تدميرية، سيكون بلا شك أكثر عدوانية وخطورة من كل ما انتجته أفلام الـ»ويسترن» و»المهمة المستحيلة» وحروب الفضاء على مر القرن العشرين. ما يضاعف احتمال الخطورة وراء هذا الاحتمال - غير المثبت علمياً بعد - أن الدولة أو المجتمع المحلي لا يملك في العصر الرقمي سلطة التحكّم بمثل هذه المقومات أو الينابيع خلافاً للقدرة على التحكم في وسائل التربية والتعليم التقليدية. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم جواز تشجيع الحجر على الأفكار والرقابة على الابتكار، يبقى احتمال واحد للتحرك البناء وضمان حسن المآل. وهذا الاحتمال هو المبادرة باتجاه بيئة مُحصّنة، بل شديدة التحصين ضد العنف والعدوانية وميول التدمير الذاتي، من خلال تربية يمكنها استيعاب هذا الكم الهائل من المحتوى التخيلي من المواد الترفيهية والألعاب من دون الخوف من انحراف الأجيال القادمة نحو مزيد من العنف. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©