الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«داعش».. اغتيال الحضارة!

2 مارس 2015 22:48
يرغب تنظيم «داعش» الإرهابي أن يعلم المجتمع الدولي أن هناك محاكم تفتيش متعصبة جديدة في المدينة. ولذا دمر متحفاً مكتظاً بالتماثيل الثمينة ونشر فيديو التخريب على شبكة الإنترنت يوم الخميس الماضي. أو على الأقل كانت هذه هي رسالة شريط الفيديو، الذي سرعان ما حقق انتشاراً واسع النطاق. بيد أن هناك سبباً آخر يثير الشك والريبة. فالمسلحون داخل متحف الموصل شمال العراق أظهروا هدوءاً، بينما كانوا يقترفون جريمة تدمير تماثيل تعود إلى ثلاثة آلاف عام من عصر الإمبراطورية الآشورية، والحقب التاريخية الأخرى، وكان الراوي خلف الكاميرا، يشرح بثقة أسباب تحطيم إيقونات الأعمال الفنية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، باعتبارها ضرورة من أجل تحطيم الأوثان التي كانت تُعبد من دون الله! وتظهر تسجيلات فيديو سابقة نشرها تنظيم «داعش» قطع رؤوس جنود وصحفيين وعمال مساعدات إنسانية. ولكن ما أظهره الفيديو الجديد ليس أقل من اغتيال حضارة بأسرها. والسؤال هو: هل الأمر حقاً كذلك؟ أم أن شريط الفيديو تحريف خيالي وأداء فنّي، الغرض الأساسي منه هو الإيهام وتضخيم مظاهر قوة تنظيم «داعش» الإرهابي؟ وعلى رغم أصالة اعتقاد «الدواعش» التخريبي، إلا أن الفيديو المروّع الذي تبلغ مدته خمس دقائق ينطوي على تلفيق شديد. بل ربما تم إخراجه بعناية مع إضافة أحداث دراماتيكية مزيفة بهدف صناعة أداة دعائية من أجل تحقيق أهداف شديدة الأهمية للمنظمة «الداعشية». وإذا نظرنا عن كثب، سنجد أن معظم التماثيل التي تم تدميرها تناثرت في سحب من الغبار. ومن الواضح أنها كانت نسخاً مصنوعة من «البلاستر» للتماثيل القديمة، وليست تلك التماثيل المنحوتة في المرمر، والأحجار الأخرى القوية، التي صنعت منها التماثيل الإمبراطورية الأصلية، التي كانت ستتحطم إلى أجزاء نظيفة. والتماثيل الحجرية مواد قادرة على التحمل. وتوجد أمثلة بالغة التأثير للفن الآشوري في كثير من المتاحف الكبيرة حول العالم، ومنها متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون. وتوجد خمسة نقوش مرمرية خلابة من الجدران الداخلية لقصر «آشورناسيبرال الثاني» (883- 859 قبل الميلاد)، المعروف في الوقت الراهن بالنمرود، الذي يوجد في جنوب الموصل، كانت من بين مجموعة الأعمال الفنية الثمنية، التي حصل عليها متحف لوس أنجلوس في عام 1966. ومن تمثال أبو الهول الكبير في محافظة الجيزة المصرية إلى تمثال لينكولن في واشنطن العاصمة، يرمز استخدام الأحجار في التماثيل التذكارية إلى القوة. والمقصود منها التعبير عن التطلعات نحو السرمدية، وفي بعض الأحيان تكتسي بالغرور، وفي أحيان أخرى بالنبل. ولذا فإن تدمير صرح حجري مهيب يرمز بكل تأكيد إلى حدوث تغيير جذري. ويكشف ذلك السبب أيضاً وراء تفجير نظام «طالبان» تماثيل بوذا التي تعود إلى القرن السادس في شمال كابول بأفغانستان عام 2001. وعلى رغم صلابة الحجارة، وضعف شريط الفيديو، إلا أن الفنون الرقمية الثقافية عبر «يوتيوب» يمكن أن تحظى بـ«التبجيل» أيضاً، فهي تنتشر بشكل سريع، ثم تستمر عبر الأثير الإلكتروني وتظل متاحة لعدد لا حصر له من الردود والإعجابات! ولأن الموصل منطقة حرب تقع تحت سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، فإن المعلومات بشأن ما حدث حقيقةً في المتحف تظل مشوشة، وستظل كذلك لبعض الوقت. وهكذا كان الموقف الفوضوي المماثل الذي أعقب سرقة متحف العراق في بغداد أثناء الغزو الأميركي في عام 2003. ومتحف بغداد هو مستودع أساسي للتراث الثقافي للحضارة القديمة، الذي يعود إلى المستوطنات الأولى في منطقة نهري دجلة والفرات. وقد حمت القوات الأميركية الغازية وزارة النفط الضخمة في بغداد بخمسين دبابة وقناصة على مدار الساعة، ولكن على رغم توسلات العلماء، تركوا المتحف الفني بلا حماية. واستغرق الأمر شهوراً وفي بعض الحالات سنوات لاكتشاف أنباء ما تمت سرقته أو تدميره أو ظل في أمان. وقد أعطت القناة الرابعة البريطانية فيديو الدعاية «الداعشية» لخبراء آثار من أجل التحقق منه. وقد أشار مارك الطويل، العالم الأميركي لدى معهد الآثار في جامعة لندن كوليدج، إلى أن قضبان الحديد الحديثة التي ظهرت في جانب بعض التماثيل المحطمة، تظهر أنها غير أصلية. وعلى رغم ذلك، يعتبر تدمير الآثار إهانة ثقافية تضرب بجذورها عميقاً. وقد أشار الطويل إلى أن الشعب العراقي ينظر إلى تدمير تراثه الثقافي وهويته بصورة خاصة، كما ينظر إلى قطع الرؤوس. وهذا هو بيت القصيد: فشريط الفيديو هو أداة تحريض لمشاهديه، واستفزاز لهم. وهو من جانب، أداة تجنيد منمّقة، تدعو اليائسين للانضمام إلى المتعصبين الدينيين الأصوليين في مغامراتهم المفترضة. ومن جانب آخر، هو عصا شنيعة لاستفزاز الخصوم، ومن بينهم بشكل خاص الولايات المتحدة. ويود المدعو «أبوبكر البغدادي»، زعيم «داعش»، لو أن الولايات المتحدة شعرت بالصدمة وأرسلت جنودها لحماية التراث الثقافي العالمي! كريستوفر نايت* *محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©