السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحت سماء لبنان الدولتين··· هل تلبس بيروت التشادور ؟

تحت سماء لبنان الدولتين··· هل تلبس بيروت التشادور ؟
16 مايو 2008 22:58
رسم ''حزب الله'' اللبناني حدود دولته المقبلة وحدود ما تبقى من دولة الدولة· وما كان بالأمس القريب يتهامس في الخفاء وبين السطور عن دولة داخل الدولة أصبح اليوم أمراً واقعاً بحكم الديموغرافيا والجغرافيا· لم يكن اجتياح ''حزب الله'' بيروت الغربية وبعدها جبل لبنان والشوف في الأيام التي تلت إضراب الاتحاد العمالي العام في السابع من مايو وليد ''الغضب'' كما يقول الحزب نتيجة اتخاذ الحكومة اللبنانية قراري ملاحقة شبكة اتصالات ''حزب الله'' قضائياً وإقالة مدير جهاز أمن المطار العميد وليد شقير، بل كان مدبراً منظماً من الألف إلى الياء· وإذا قبلنا تبرير الحزب لما حدث من ''اجتياح'' كأنما بذلك نقبل الذريعة التي أعلنتها إسرائيل في 11 يوليو 2006 عندما قالت إن تنفيذ ''حزب الله'' عملية أسر الجنديين الإسرائيليين عند تخوم مزارع شبعا المحتلة هو السبب وراء قرارها بخوض أشرس حروبها في المنطقة والتي يدفع لبنان ثمنها حتى اليوم· ما قام به ''حزب الله'' يوم الأربعاء 7 مايو من استباحة لشوارع بيروت وتقطيع أوصال أحيائها لم يكن وليد الصدفة، وإنما كان مدروساً مخططاً، والأيام ستكشف ذلك لمن يريد أن يصدق ومن لا يريد· لماذا بيروت الغربية؟ ولماذا تم استهداف السُّنة؟ أولاً، لأنها مركز الصراع الدائم على امتداد سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، فهي العاصمة الحقيقية حتى دون الجزء الشرقي منها (المطار، المصرف المركزي، السراي الحكومي، البرلمان، قطاع المال والتجارة وغير ذلك)· ومن يخضع العاصمة يسيطر على مركز القرار سواء كان ذلك بوجود مسلح أو من دونه· والكل سعى إلى إخضاع بيروت بدءاً من التيارات الفلسطينية إلى الصراع الميليشياوي بين حركة ''أمل'' بزعامة رئيس البرلمان الحالي نبيه بري والحزب ''التقدمي الاشتراكي'' بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وانتهاء بهيمنة القوات السورية التي طردت منها في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وعادت إليها بعد ما عرف بـ''حرب العلم'' عام 1986 وحتى انسحابها في مايو 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري· ثانياً لأن السُّنة في بيروت أصبحوا العنوان الأضعف منذ الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 وما تلاه من انسحاب لمنظمة التحرير الفلسطينية واستهداف الحزب المسلح الوحيد آنذاك ''المرابطون'' بزعامة إبراهيم قليلات من جانب كل من ''أمل'' و''الحزب التقدمي'' على حد سواء· أما ''تيار المستقبل'' الذي حاول ''حزب الله'' تصويره منذ اغتيال الحريري على أنه حزب مسلح، مطلِقاً الشائعات حول تدريبه مقاتلين في دول عربية وامتلاكه الأسلحة الثقيلة وغير ذلك، فقد أثبتت الأحداث عدم صحتها على الإطلاق، ليتحول السؤال حول ماهية مصلحة الحزب في إطلاق هذه الشائعات أصلاً؟ في السياسة ليس هناك من شيء للصدفة، و''حزب الله'' لا تنقصه السياسة ولا التخطيط، وكل شيء بحساب· ضرب السُّنة، الذي حاول ''حزب الله'' الشيعي بالكامل إبعاد صفة الفتنة عنه بتوسيع الضربة إلى دروز الجبل من أنصار جنبلاط، هدفه الأساسي تقسيم لبنان إلى منطقتي نفوذ حدودهما طريق بيروت دمشق، الأولى تابعة بالإخضاع لسيطرة الحزب وتشمل بيروت الغربية وجبل لبنان والبقاع الشرقي والجنوب مروراً بإقليم الخروب، والثانية يتم تحييدها لأكثريتها المسيحية والسُّنية شرق بيروت وشمالها مروراً بالأرز، لكن على قاعدة ''زرع الرعب'' بالعضلات المكشوفة والأقنعة السوداء لمقاتلي الحزب، وليس بسبب التحالف الثنائي مع النائب ميشال عون· لأن كل شيء بحساب، يتساءل البعض الكثير عن السبب وراء عدم تدخل الجيش في منع حدوث ما حدث رغم موقفه الدائم المشدد على الحياد، في حين أنه خلال أيام الأزمة لم يكن كذلك، بل على العكس لجأ في بعض الأحيان إلى تسهيل مهمة ''المجتاحين''، وليس أوضح من ذلك ما حصل عندما قام ضابط بإبلاغ موظفي ''تلفزيون المستقبل'' بضرورة إخلاء المقر بدلاً من تولي حمايتهم· الجميع يتذكر الأحداث الدامية التي جرت في بداية العام في منطقة مار مخايل والتي اصطدم فيها الجيش مع أنصار ''حزب الله'' الذين قاموا بقطع الطرقات وإحراق الإطارات والسيارات بذريعة الاحتجاج على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في ضاحية بيروت الجنوبية· يومها تعرضت دوريات الجيش لاعتداءات بالحجارة ورصاص القنص استدعت الرد مما أدى إلى مقتل 7 من أنصار الحزب بعضهم سقط في الصدامات والمواجهات التي امتدت لاحقاً إلى طريق المطار، وكادت تخرج عن السيطرة لاحتكاكها بخطوط تماس منطقة فتيل الحرب الأهلية في عين الرمانة· في هذا اليوم تحديداً نفذ ''حزب الله'' خطة تحييد الجيش عبر بدء حملة شعواء شككت ضمنياً بأدائه، وعزفت على الوتر الطائفي، إلى درجة أنها كادت تهز وحدة المؤسسة العسكرية مع تشدد الحزب في حينه لجهة معاقبة من قام بإطلاق النار من جنود وضباط· وفي يوم الخميس الثامن من مايو، وبعد أن تقطعت شوارع بيروت من كورنيش المزرعة إلى رأس النبع والطريق الجديدة بفعل جحافل مسلحي ''حزب الله'' الذين اجتاحوا العاصمة وكأنهم يحررون فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، خرج الأمين العام للحزب حسن نصرالله ليعيد رسالة التهديد نفسها على الجيش، وإن كان الكلام في خطابه وخطبته موجهاً إلى الحكومة بذريعة قراريها· وللتذكير على طريقة ''في الإعادة إفادة''، كانت رسالة نصرالله الحادة إلى الجيش هي الآتي: ''من يقتلنا فسنقتله، ومن يعتقلنا فسنعتقله، ومن يمد يده إلى سلاحنا فسنقطع يده''· والأيام أثبتت أن الرسالة فعلاً لم تكن موجهة إلى الحكومة، فهو كان يدرك مسبقاً أن القرارين لن ينفذا لتعطل أدوات التنفيذ منذ أحداث مارمخايل· وإنما الرسالة كانت للجيش للتنحي جانباً أمام ما يخطط لتنفيذه فعلاً، وهو فرض الهيمنة على بيروت الغربية، وزرع الرعب فيها حتى لو غادر المسلحون طرقاتها وشوارعها، ثم التمدد باتجاه إخضاع المناطق التي لا تحتاج كثيراً لإسقاطها في جبل لبنان والشوف خدمة لطموحات مشروع الدولة الخاضعة لسلطته والتي إن كانت حدودها وهمية حتى الآن إلا أنها جاهزة للترسيم عند أي انفجار لحرب أهلية جديدة ربما يحركها بنفسه إذا ارتأت مصالحـــــه ذلــــــك· ألغت الحكومة اللبنانية قراريْها المتعلقيْن بشبكة الاتصالات والعميد شقير حفاظاً على السلم الأهلي، لكنها فعلياً ألغت ما هو أهم من القراريْن ''هيبة الدولة''· فـ''حزب الله'' تمكن بالعضلات من فرض رأيه على الجميع· وهذا يعني أنه في أي يوم حتى لو تم الاتفاق على رئيس جمهورية وشكلت حكومة وحدة وأجريت انتخابات برلمانية جديدة، يمكن أن يتكرر المشهد ويخضع الدولة إلى دستور دولته· الآن وساطة عربية جديدة لجمع اللبنانيين على طاولة حوار، وعلى هذه الطاولة من حق أي لبناني سواء كان في منصب سياسي أو موظفاً أو عاملاً أن يسأل بعد ما حدث: ما هي حدود وواجبات الدولة، وما هي حدود ''حزب الله'' إزاء الدولة؟ من حق أي لبناني أن يسأل: ما هي حدود سلاح المقاومة؟ من حق أي لبناني أن يسأل من يملك قرار الحرب؟ لا أحد ينكر على ''حزب الله'' تحريره جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام ،2000 لكن هل يكون رد الحزب على انقسام لبنان إزاء ما حدث في حرب 2006 من تدمير إسرائيلي للضاحية والجنوب، الانتقام في 2008 بضرب بيروت والجبل، بحجة أن الأكثرية المتمثلة بالحكومة لم تؤيد مغامرة خطف الجندييْن؟ أسقط ''حزب الله'' باجتياحه بيروت والجبل صيغة العيش المشترك، تلك الصيغة في مقدمة الدستور التي استخدمها نفسه حجة مدة عاميْن لعدم الاعتراف بالحكومة وقراراتها على أساس انسحاب الوزراء الشيعة منها· هل يكون العيش المشترك بالإرهاب وبالإخضاع؟ هل يكون بقوة السلاح؟ هل يكون بالهيمنة؟ صدّق اللبنانيون نصرالله عندما قال إن سلاحه لن يوجه أبداً إلى الصدور في الداخل· الآن لم تعد الوعود كافية ولا العهود آمنة· ربما تفتح الطرقات اليوم وتفك مستوطنة المعارضة في وسط بيروت غداً، كل شيء وارد، لكن ماهي الضمانات بعد تكرار ما حدث؟· أهل بيروت والجبل قليلو الكلام منذ ''الأربعاء الأسود'' وخائفون من أحد يسمعهم ويجعلهم يدفعون ثمن انتقاداتهم، أهل بيروت ربما يستيقظون غداً وقد صدرت الأوامر بأن ترتدي نساؤهن ''التشادور'' بحجة أنه جزء من سلاح المقاومة، وأن من تتمرد على ارتدائه تشكل تهديداً لهذا السلاح، ألم يقولوا -بحجة سيطرتهم على المطار- إنه يقع في حدود ضاحيتهم·· ألا تقع بيروت ضمن هذه الحدود أيضاً؟· عماد رياض المكاري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©