الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الاقتصاد المصري يدفع فاتورة باهظة للأزمة الليبية

الاقتصاد المصري يدفع فاتورة باهظة للأزمة الليبية
5 مارس 2011 22:14
بدأت تداعيات الأزمة السياسية في ليبيا تلقي بآثارها السلبية على واقع الاقتصاد المصري، المحمل أساساً بأعباء ثقيلة جراء ثورة 25 يناير، وهي آثار سوف تظهر نتائجها تباعاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتزداد هذه الآثار وطأة في ظل تشابك العلاقات الاقتصادية بين مصر وليبيا، والتي تشمل عدداً من المحاور تتوزع على الاستثمارات الليبية في مصر وشركات المقاولات والتشييد المصرية العاملة في ليبيا، إلى جانب قضيتي التصدير والعمالة المصرية في ليبيا البالغ عددها 1,5 مليون عامل وفقاً لأرقام وزارة الخارجية المصرية. يضاف إلى هذه الآثار المباشرة آثار سلبية أخرى غير مباشرة تمثل “فاتورة” جانبية سوف يتعين على الاقتصاد المصري سدادها من جراء الانتفاضة الليبية تتمثل في ارتفاع تكلفة التأمين على ديون مصر بسبب تقارير صادرة عن مؤسسات تصنيف عالمية وضعت المنطقة العربية بكاملها ضمن مناطق الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي في المدى القصير، وكذلك ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في ارتفاع تكلفة بعض المشتقات البترولية التي تستوردها مصر من الخارج، وفي مقدمتها مشتقات غاز البوتاجاز ووقود الطائرات وبعض أنواع البنزين. ويعد ملف الاستثمارات المشتركة، لا سيما الليبية في مصر، من أولى الملفات التي بدأت تتأثر بتطورات الأزمة الليبية، حيث يبلغ إجمالي هذه الاستثمارات نحو ثلاثة مليارات دولار تتوزع على 350 شركة تعمل في معظم الأنشطة الخدمية والسياحية والصناعية والزراعية والإنشاءات، ويعود جزء مهم من هذه الاستثمارات إلى الصندوق السيادي الحكومي وشركة الاستثمارات الخارجية الليبية ـ الذراع الاستثمارية للصندوق السيادي الحكومي، بينما يعود جزء آخر إلى مستثمرين من القطاع الخاص الليبي الذي يوجد في السوق المصرية بقوة منذ منتصف سبيعنيات القرن الماضي. ويعد مشروع مدينة “الفاتح” السكنية العملاق أحدث الاستثمارات الليبية في مصر، وهو الذي يحيط به الغموض منذ اندلاع أحداث الثورة الليبية، لا سيما في ظل ضخامة حجم الاستثمارات الإجمالية للمشروع والبالغ 116 مليار جنيه، كان مقرراً ضخها في غضون عشر سنوات فقط، وكانت المراحل التنفيذية الأولى للمشروع قد بدأت قبل نحو عام وتمثلت في تمديد المرافق لأرض المشروع البالغ مساحتها 23 مليون متر مربع بمنطقة القاهرة الجديدة. ورغم أن المشروع يعد مشاركة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة المصرية وشركة ليبيا للاستثمار، حيث اتفق الجانبان على تأسيس شركة خاصة بهذا المشروع تحت مسمى شركة “الوحدة للاستثمار العقاري والسياحي”، فإن ارتفاع حصة مساهمة الجانب الليبي في المشروع والبالغة 78% مقابل 22% لهيئة المجتمعات العمرانية تهدد بتوقف المشروع كلية. وكانت وزارة الإسكان المصرية قد باعت أرض المشروع، الذي يعد مدينة متكاملة وترفيهية وإدارية تضم أكبر حديقة استوائية في الشرق الأوسط، للشركة الجديدة مقابل 600 جنيه للمتر بالتقسيط على 10 سنوات، بينما سددت الهيئة 336 مليون جنيه نصيبها في رأس المال المدفوع بالشركة والبالغ نحو 1,7 مليار جنيه، فيما تبلغ قيمة أرض المشروع 14,1 مليار جنيه. وفي المقابل، فإن حجم الأعمال الكبير الذي حصلت عليه شركات مقاولات وتشييد مصرية في السوق الليبية خلال الأشهر الأخيرة شهد تأثراً فورياً مع اندلاع الانتفاضة الليبية، حيث اضطرت الشركات إلى التوقف عن تنفيذ الأعمال وسرعة إجلاء مهندسيها وفنييها من المواقع المختلفة هناك خوفاً على حياتهم، بينما توقفت المصارف وجهات الإسناد الحكومية عن صرف مستحقات هذه الشركات بسبب حالة الاضطراب التي تشهدها المناطق الليبية كافة. وتتضمن قائمة المشروعات والشركات المصرية التي تضررت بشكل مباشر في السوق الليبية، الشركة العامة للمشروعات الكهربائية “ايليجكت”، وشركة السد العالي للمشروعات الكهربائية والميكانيكية “هايديلكو”، والشركة المساهمة المصرية للمقاولات “العبد”، وهي شركات تابعة للشركة المصرية القابضة للتشييد، حيث إن شركة “ايليجكت” لديها تعاقدات بقيمة 110 ملايين يورو في مشروعات تنفذها مع إحدى الشركات الليبية، وهي الشركة الأفريقية للمشروعات الكهربائية وتساهم فيها “ايلجيكت” بنسبة 49%. وتشمل هذه المشروعات الأعمال الخاصة بتركيب محطات ومحولات الجهد العالي بمطار طرابلس بتكلفة 140 مليون دينار ليبي وتنفيذ الأعمال الخاصة بتوريد وتركيب حديد الأبراج وتنفيذ أعمال النقل والأعمال المدنية والتركيبات الكهربائية المتعلقة بمشروع خط الجهد العالي سرت ـ بني غازي بتكلفة 66,7 مليون دينار ليبي وهو المشروع المقرر الانتهاء منه وتسليمه بنهاية العام الجاري. واضطرت شركة مصر لأعمال الإسمنت المسلح إلى فسخ تعاقدها مع شركة “الكفاءات” الليبية بعد الأحداث التي تشهدها ليبيا، فيما توقفت شركة “العبد” عن تنفيذ مشروع إنشاء 740 وحدة سكنية بتكلفة 465 مليون جنيه، إلى جانب مشروع آخر للصرف الصحي بمدينة ميسه الليبية بتكلفة 200 مليون جنيه، وهي مشاريع كان يستغرق تنفيذها أكثر من عامين وحصلت عليها “العبد” في إطار خطة توسع بالسوق الليبية بدأ تنفيذها قبل عامين عبر عملية تحالف مع شركة “الدلتا” الليبية وتأسيس شركة مساهمة مشتركة تعمل في قطاع المقاولات بليبيا. ولم تقتصر تداعيات الأزمة الليبية على الشركات الحكومية المصرية، بل امتدت إلى شركات القطاع الخاص أيضاً التي ترتبط بمشروعات في السوق الليبية، وفي مقدمة هذه الشركات شركة “صبور” للاستشارات الهندسية والمقاولات التي اضطرت لوقف أعمال مشروعين كانت قد حصلت عليهما منذ أشهر، وهما مشروعان خاصان بأعمال الصرف الصحي على أطراف العاصمة الليبية، إلى جانب تصميمات هندسية لإنشاء مستشفى دولي وحديقة ملاه دولية ومشروع للصرف الصحي بمنطقة الواحات الليبية. أما الملف الأكثر إيلاماً للاقتصاد المصري من جراء الأزمة الليبية، فيتمثل في اضطرار نحو 1,5 مليون عامل مصري إلى مغادرة مواقع العمل في ليبيا والعودة إلى مصر بسبب تدهور الأوضاع الأمنية هناك، لا سيما أن عدداً كبيراً من هؤلاء العائدين اضطروا إلى ترك أموالهم ومستحقاتهم لدى شركات وأفراد ومصارف ليبية فراراً بحياتهم. وتشكل عودة هؤلاء العاملين ضغطاً شديداً على سوق العمل المصرية التي تعاني بطالة حادة، حيث لا يمكن لقطاعات الاقتصاد المختلفة أن تستوعب هذه العمالة العائدة في ظل ركود اقتصادي وتوقف العديد من المشروعات، خاصة في مجال عمل هؤلاء العائدين، حيث تعمل نسبة كبيرة منهم في قطاع الإنشاءات. وإلى جانب قضية العمالة، تضمن تقرير مؤسسة “ماركت” الدولية حول التصنيف السيادي لعدد من دول المنطقة العربية ارتفاع تكلفة التأمين على الديون المصرية ضد مخاطر التعثر في السداد لأجل خمس سنوات بحوالي 19 نقطة، ليرتفع بذلك المؤشر الخاص بالديون المصرية إلى نحو 375 نقطة أساس. وأرجع التقرير هذا التغير إلى الغموض الذي يكتنف مستقبل منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة شمال أفريقيا بصفة خاصة. وتتمثل خطورة هذا التصنيف الجديد في صعوبة حصول مصر على قروض من الأسواق العالمية في الفترة المقبلة إلا بتكلفة مرتفعة وكذلك ما يترتب عليه من تحقيق جودة الجدارة الائتمانية لعدد من البنوك والمؤسسات المصرية العاملة في القطاع المالي، الأمر الذي يزيد من صعوبة الأوضاع. ويؤكد المهندس حسين صبور، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الاضطرابات التي يشهدها عدد من دول المنطقة سوف تؤثر على الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة سلبياً ولكن على المدى القصير سواء على صعيد فرص التشغيل أو على صعيد تدفق الاستثمارات فيما بين دول المنطقة أو تدفق الاستثمارات الخارجية، وكذلك هناك تأثير سلبي على الصادرات والسياحة، وأخيراً دخل ملف أسعار النفط مع الأزمة الليبية وهو ملف مرشح لمزيد من التفاعل إذا اندلعت أحداث مماثلة في الجزائر، خاصة أن الجزائر تعد أحد أبرز الدول المصدرة للنفط وعضو بارز في منظمة “أوبك”، وهذا الارتفاع المتوقع في أسعار النفط على خلفية الاضطرابات السياسية الراهنة يزيد تكلفة المشروعات ويتسبب في ارتفاع العديد من أسعار السلع والمنتجات، الأمر الذي يزيد صعوبة الأوضاع الاقتصادية في عدد من بلدان المنطقة، وفي مقدمتها مصر. وقال صبور إنه على المدى البعيد ومع استقرار الأوضاع السياسية والتحول نحو الديموقراطية التي تعني الشفافية والعدالة وسيادة القانون سوف تزدهر اقتصادات المنطقة، لأن ذلك يعني تراجع الفساد الذي كان يكلف اقتصادات هذه الدول الكثير. ويؤكد ناصر بيان، رئيس الجمعية المصرية الليبية لرجال الأعمال، أهمية عنصر الاستقرار السياسي القائم على الديموقراطية في تنمية الأعمال وتنشيط الاقتصاد، لأن هذه الديموقراطية كفيلة بضمان وصول ثمار النمو إلى فئات الشعب كافة وبالتالي يحدث الرضا العام وينخرط الجميع في المشاركة في العملية الإنتاجية وتدور عجلة الاقتصاد بسرعة وكفاءة، الأمر الذي يضمن بعد سنوات قليلة تحسن مستوى معيشة شعوب المنطقة العربية، خاصة أن دول المنطقة تزخر بالعديد من الثروات والإمكانات التي لم يتم استغلالها بالكفاءة المطلوبة بعد.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©