معجب بـ أشرف ومودلياني

عرفني ''أشرف ميشيل'' على ''مودلياني'' من خلال نقله لبعض بورتريهاته بقلم الرصاص، وقد تفوق على الصورة الأصلية له، نظراً لأن انشغال ''مودلياني'' كان تعبيرياً، بينما ''أشرف'' يعود لتلك النظرة المتأملة لـ''دافنشي'' و''رمبرانت'' سبراً لما وراء الشكل المرئي، فتشعر أنهما يرسمان طيف الموضوع وليس الموضوع نفسه، ناهيك عن حالة التمعن الفكري التي تشغل بال صديقي، بدءاً من الكيفية التي يلتصق بها الشيء الذي تمسكه بيديك، برغم أن الذي قام بالمهمة أصابع اليد، وحتى التوجل المخيف أمام سعة الوجود، أي أنه كان يرسم خطوات إنتاج السؤال· كان لأشرف هذا العنف المنضبط، وفي القطار لزيارة صديق روائي، طريق آخر لقلم الرصاص، بدأ يرسم تكوينات لكراسي القطار، تكوينات غير مكتملة للكراسي، وظهر فجأة قاموس كائنات خاصة، لم تكن متاحة للوجود على الأرض أو في خيال أحد من قبل، وقد تعرض ''أشرف'' لإنجابها، وتحولت الأشكال المرسومة في النهاية إلى عالم مجزأ خليط بين صيغ عاطفية وذهنية ونفسية رائية· كان له حنان غريب، هو طبعاً حنان المعرفة القصوى، فلا يمكن لشخص أن ينظر ولا يفكر مثله، هذا نوع من المعرفة المسماة وهماً بالمحضة، ويكتب القصة كما لم يكتبها تشيكوف أو بورخيس أو أية حكَّاءة شعبية أو حكيم قرية،·· قد نسمي ذلك؛ تسلم العدمية بجدارة، لكنها ليست العدمية المفترضة عند الجمال الفلسفي لمؤلفي الفلسفة رغبة في تطوير المجتمع، لأن المجتمع كان نافقاً عنده سلفاً· كيف كنت أراقب تفكيره وهو يرسم، أو يفكر ويستنتج، كانت الصورة تظهر وتتضح دفعة واحدة، بضربة عصا سحرية، برغم كل التجهيزات التي تشير إلى أن إنتاج عنصر ما، هو إنتاج على مراحل· و''مودلياني'' أحد هذه الحالات المعرفية المتفجرة، من خلال علاقته بموضوعه، وقد قدم اقتراحاً بصرياً إنسانياً للنفس كما للون، مع معالجات متقدمة للتمتع بالشكل· إن فكرة التعلم من الآخرين، مبنية على الصراع مع كل شيء، خصوصاً في بدايات حياتنا المعرفية، حيث النهم هو الوسيلة الانتقالية من الصيغة الاجتماعية والسياسية المدرسية، إلى صيغ حرة لا حد لها ولا تعريف، كنا بشكل ما، فلاحين، ويعكس ذلك الفكر العملي للأرض· التعلم من الآخرين عن الآخرين عن طريق آخرين، يشكل طبقات محضة للوعي التفكيري لدينا، ما يعطينا تصورات عن توجهات جمالية، تختلف من شخص لآخر· ومثلما مات ''مودلياني'' مبكراً، وباندفاع، اعتزل ''أشرف'' منطقة العمل الثقافي باندفاع مشابه·