الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القراءة أولاً

القراءة أولاً
15 مايو 2008 02:13
هل الأمّة العربيّة أمّةٌ أمِّيّة لا هي تقرأُ، ولا هي تكتب؟ أو هي تكتب ولا تقرأ؟ أو تقرأ ولا تكتب؟ إنّها أسئلة كثيرة يمكن أن يُلقيَها المتسائل القلِق الذي ينظر في الوجه الثقافيّ للأمّة على عهدنا هذا، بعد أن كان العرب من أكثر الأمم قراءةً، حتّى إنّ المتنبّي، فيما يقال، قرأ كتاباً كاملاً في جلسة واحدة لأحد باعة الكتب، فقد أعجبه الكتاب، وكان فقيراً، فعلِقتْه ذاكرتُه فيما يزعمون· وأذكر أنّا، وجَمْعاً من الطّلاّب وقد كنّا ندرُس بجامع القرويّين بفاس، كنّا نكتري مجلّة ''الهلال'' القاهريّة لنقرأها بعشرين سنتيماً ثمّ نعيدها إلى صاحب الكشك لنكتريَ عنواناً آخرَ: مجلّة أو كتاباً، مع فقْرٍ في الجيب، وجوعٍ في البطن··· وأمّا شبابنا اليوم، وفي خضمّ هذه الأشكال السمعيّة البصريّة الْمُغْريَةِ، فإنّهم لا يكادون يقرأون إلاّ قليلاً جدّاً· ولو جئنا ننظر في عدد الذين يحسنون القراءة نظريّاً في العالم العربيّ، ودقّقنا في عدد النسخ التي تُطبع من روايةٍ أو ديوانِ شعرٍ أو كتابِ نقدٍ أو أيِّ وثيقةٍ ثقافيّة أخرى لأُصِبْنا بالذهول؛ فشعبٌ مثلُ الشعب الفرنسيّ، وعددُه لا يزيد عن خمسةٍ وستين مليونَ نسمةٍ يقرأ أضعافاً مضاعفةً ممّا يقرأ العرب مجتمعين مشرقاً ومغرباً! ويدلّ هذا الأمر المخزي على أننا، نحن العربَ، أقلُّ الناس قراءةً للكتب، وأكثرُهم استهلاكاً للمغرِيات والأشكال الإعلاميّة والإلكترونيّة· إنّا كنّا نودّ لو أنّ كلّ دولة عربيّة حاولتْ أن تُغري شبابها بكثرة القراءة، فتخصّص جوائزَ سنيّة لأحسن القرّاء، وليس فقط لأحسن الكتّاب، وذلك حتّى يمكنَ إغراءُ الشباب بالإقبال على القراءة· فالكِتاب الإلكترونيّ، على نُصْحِنا الشبابَ بالإقبال عليه، إلاّ أنّه لا يزال في مرحلته البِدائيّة بحيث إنّ الكِتاب لا يخزَّن في ''النّيت'' بِجَذامِيرِه، كما أنّ الأخطاء الفاحشة تَسِمُ، في الغالب، مظهرَه، وتشوّه مخبرَه، فتقِلّ منه الفائدةُ أو تنعدم، وذلك لِغلبَة الرُّوح التجاريّ على تخزين مثل هذه الكتب وعدَم تصحيح النصوص التي تُلقَى فيها· كما كنّا نودّ لو أنّ المدارس الابتدائيّة تُنشئ جمعيّاتٍ للقراءة بعد أن تؤسّسَ مكتباتٍ للتلاميذ تتلاءم مع مستوى تحصيلهم، وتخصّص، سنويّاً، مسابقةً لأحسن التلامذة القرّاءِ فيها· وأمّا الجامعات في العالم العربيّ فإنّ الطالب لم يعُدْ يعنيه من أمر العلم والكِتاب إلاّ ما يكون من بعض الملخّصات الفطيرة المضطربة التي يقدّمها بعض الأساتذة إلى طلاّبهم، وهي تتّسم من حيث مستواها العلميّ بأحاديّة الرؤية، من حيث كنّا نودّ أن تكون هذه الرؤية متعدّدة لدى الجامعيّين من الطّلاّب· كما أنّها قد لا تخلو من صبغة تجاريّة يجني الأستاذ من وراء طبعها بعض الدراهم المعدودة، ثمّ لا الأستاذ، أثناءَ ذلك، يكون قدّم عملاً علميّاً رصيناً يشرّفه، ويصنّفه في صفّ الكتّاب الكبار، ولا الطّلاب الذين يقرأونه يكون لهم شأن في العلم لأنّهم اجتزأوا بتلقّي معرفة بسيطة محدودة المستوى· فالقراءة، ثمّ القراءة، ثمّ القراءة!···
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©