هرميات الأنواع الأدبية والنصوص المعتمدة

أود أن أتوقف عند كتاب من أهم الكتب التي أضاءت فكرة التشكيل المعياري والكيفية التي يتشكل فيها النوع الأدبي، والكتاب هو لألستير فولر بعنوان ''أصناف الأدب: مدخل إلى نظرية الأنواع والأشكال''، ولم يترجم بعد· وفيه فصل مهم وهو: ''هرميات الأنواع والنصوص الرفيعة الأدبية''· ويعاين ألتسير فولر في هذا الفصل بدقة تطور الأنواع منذ العصر الكلاسيكي حتى العصر الحديث، فيكتشف النوع عند كل ناقد وآخر، فيرى كيف يتخلص ناقد ما من جنس معين ويؤكد على أجناس أخرى، ويرصد ذلك في رسومات توضيحية توضح لنا التفاعلات مع الأجناس والأنواع، بحيث ينجح في وضع القارئ على مشكلة النوع واهتمامات العصر، ليصل إلى أن كل عصر يمتلك ذخيرة محددة من الأنواع التي يستطيع القراء والنقاد الاستجابة عن طريقها لنوع معين بحماس ولنوع آخر بصد وفتور، وهذه الذخيرة تتقلص وتضعف إذا ما انتقلنا من حيز القراءة إلى الكتابة· هنا لا بد من التمييز بين نوعين من الكتابة، وهما نوع نشط ونوع راكد، فالأنواع المذوّتة في داخلنا راكدة، تعطينا القدرة على أن نستجيب لها، وهذا لا يعني أن هذه الأنواع نشطة؛ لأننا إذا ما أردنا أن نكتب استنادا إلى ما قمنا بتذويته فإننا لن نفلح، وهذا ما يفسر لنا مثلا حضور الأسطورة أو غيرها من الأنواع بوصفها نوعا راكدا في الداخل، وعدم انتقالها إلى نوع نشط· وتحكم ثنائية الحذف والإضافة ذخيرة الأنواع النشطة، فهي باستمرار تتعرض لهذه العملية، فيسقط منها شيء وتكتسب صفة جديدة، فبقدر ما تتسع هذه الذخيرة بقدر ما تتقلص· وهكذا فإن دراسة فولر تجلي التغيرات في الذوق الأدبي التي يمكن أن تعزى غالبا إلى الأنواع الأكثر إلهاما وتداولا في كل عصر، فبعض الأنواع تعد أكثر حضورا أو تمثيلا عن غيرها، لقد وسّعت الدراسة السؤال الآتي: لماذا لا تكون جميع الأنواع حاضرة في كل الأوقات؟ وأظهرت أن كل عصر لديه ذخيرة محددة من الأنواع؛ لأن القراء والنقاد لا يستطيعون الاستجابة لجميع الأنواع، وأن هذه الذخيرة تتضاءل أكثر عند الكتاب، وقد تجد بعض الأنواع مقروءة لكنها غير مكتوبة وهكذا، ففي مكنة القارئ استيعاب أنواع تتعذر كتابتها؛ لأنها لا توجد إلا بوصفها ذخيرة لا تنشط إلا في عملية القراءة، ومن ثم تتقلص إذا ما جئنا لنكتب فتخذلنا· والأنواع جميعها توجد في كل العصور وتتجسد في استثناءات غريبة وعجيبة، ولكن ذخيرة الأنواع النشطة دائما تكون محددة وخاضعة بصورة ملائمة للإسقاطات المهمة والإضافات· وبعض النقاد يفكرون في النظام النوعي، ولكن ليس هناك قاعدة ثابتة لمثل هذا التأمل، وإنه من الأفضل أن نبحث عن الأنواع بمعنى الاختيار الجمالي· ali@althakerah.net