الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا حيلة ·· حكايات عديدة في نص واحد

لا حيلة ·· حكايات عديدة في نص واحد
15 مايو 2008 02:04
لا حيلة ·· عنوان يدل على التسليم بواقع الحال وهو عنوان يجسد قصة ''أبو عبيدان ـ الممثل سعيد بتيجا'' الذي يشكو لابنه ''عبيدان ـ الممثل أحمد مال الله'' ترك زوجته له التي لا تريد ان تعيش معه في بيتها كونه يمارس العرافة والسحر وهي في هذه الحالة وعلى لسان أبو عبيدان قد وضعته في خانة الرفض خجلاً من ممارساته للعرافة حيث تعيب نساء الحي عليها ان يمارس زوجها هذه المهنة· ولكن ذلك يتعارض مع بكائية أبو عبيدان الذي يشكو أمرين، وهما الزمن والفقر وكونه ''بدون'' لا يمتلك جنسية·· أما الابن فيدخل في حوار غنائي مع الاب بأن أمه امتلكت كل الحق في تركها البيت· هنا يدخل ما هو شخصي في ما هو عام في النص المسرحي·· ليستمر الأمر هكذا حتى نهاية المسرحية وما بين صراع الاب والابن يقع الاخير صيداً سهلا لكل فشل علاقات العائلة هذا الصيد/ الفخ يستمر ويتفجر في ختام المشهد الأخير من المسرحية، وكأنه ''إرصاد'' منذ بدء المشهد الأول سيكون ''حدثاً في الخاتمة· الأرصاد هو اشارة استباقية لما سيحصل في النهاية وهو تضمين استباقي للحل في النص سواء كان مسرحياً أو روائياً· يتضمن السقوط الأخير الذي سنكشف عنه من خلال السقوط الأولي حين يلوم الاب ''أبو عبيدان'' ابنه ''عبيدان'' على انه لم يكمل دراسته فهو ''ساقط'' في الجهل· بعد هذا المشهد تدخل ''الفتاة (الممثلة نورة) لتشكو لأبي عبيدان حالها وتريد منه حل مشكلتها، المشكلة تتلخص في حملها اللاشرعي من رجل تركها· أبو عبيدان يقف ساخراً من قيمها ومن قيم عائلتها·· الشخصية ''أبو عبيدان'' تتعارض وتزدوج على ذاتها بين قبوله قيماً لا شرعية ''بمزاولة مهنة السحر والعرافة'' وبين رفضه حمل الفتاة اللاشرعي وقد نسأل هل أراد المؤلف سعيد إسماعيل ان يقدم ''أبو عبيدان'' ضحية ومنقذاً؟ ولأن أبا عبيدان لا تهمه القيم فإنه يقدم على موقف أساسه الرغبة لا الأخلاق بأن يتزوج من الفتاة فترفض·· كل تلك التناقضات يجسدها سعيد بتيجا في مشهد طويل وحوار متمكن، انه ممثل يملأ المسرح والزمن المسرحي بحق· سعيد بتيجا وأحمد مال الله يؤديان نص ''لا حيلة'' بكل اقتدار منذ بداية المشهد الأول حتى الأخير·· المخرج بلال عبدالله لا يكتفي بما يدور على خشبة المسرح بل يخلق مسرحاً آخر غير مرئي، حينما يقيم حواراً بين أبي عبيدان وأم عبيدان· أبو عبيدان الظاهر جسداً على الخشبة وهو يحاور صوتاً يأتي من خلف المسرح لأم عبيدان وهي تلومه على ممارسة السحر وخجلها أمام نساء الحي طالبة منه الطلاق· هنا يتقمص سعيد بتيجا في حركة مسرحية عالية الأداء شخصية الزوج اللائم، والمعاتب والمهزوم والمتأسف· يدخل سلوم خرابة (الممثل بلال عبدالله) مطالباً أبا عبيدان بمبلغ هو دين عليه، يتلاعب المخرج والمؤلف بالنص فيستخدم لغة فصيحة بين سلوم وأبي عبيدان لا نعرف ما ضرورتها·· وأصوات كلاب وصراخ رجل تأتي من خارج المسرح في محاولة لتصوير مشهد الخارج والداخل وبالفعل بدأ المتلقي يحس بأن الشارع المهجور والأزقة الملتفة بالظلام قد أتت الى خشبة المسرح· يدخل رجلان وهما ''بلال (الممثل ناجي خميس) و''عنبر'' (الممثل عيسى كايد) الأول ضعيف الجسد والآخر سمين، يذكراننا بالممثلين بدبود وهاردي في الأفلام الأميركية، حيث يثيران السخرية بحكاياتهما· شخصيتان تكذبان، تتعاونان على الكذب، وعند اطلاق عنبر كذبة كبيرة يستخدم المخرج ''لغة الصمت'' تمثيلاً له دلالة على عدم تصديق أبي عبيدان لما يرويان·· مشهد يستمر لأكثر من دقيقتين فيثير التأمل والضحك·· أسلوب انتبه اليه المخرج بعيداً عن السيناريو ومن الغرابة ان أبا عبيدان يرد على كذبهما بكذبة أكبر· أغنية أخرى·· يستخدم فيها المخرج ''صوت هاتف أبي عبيدان''·· ولأن ادخال الأغاني صار مقحماً في النص فإن التنويع على الادخال أو التضمين لابد ان يتغير وعليه فإن استخدام الهاتف جاء ذكياً بالتفاتة بارعة· يدخل الممثلون الأربعة ''أعضاء الفرقة'' والذين يؤدون هنا دوراً جديداً حاملين سلوم خرابة الذي أصابه مس من الجنون الى بيت أبي عبيدان طالبين منه ان يخلصه من ''الجني'' في رأسه، ويمارس أبو عبيدان سحره في ''جلسة زار''· تناقضات مزدوجة بعد هذا المشهد الطويل يدخل مندوب الاسكان ليبلغ أبا عبيدان ان الاسكان قد منح ''ريحانة'' أم عبيدان تعويضاً عن بيتها ببيت جديد، ولكن لم يتم ذلك الا بوساطة ''أبو فهد'' الشخصية المختفية التي اتصل بها أبو عبيدان· وباختفاء عبيدان الابن خلال مشهد الزار وعودته بعد انتهاء المشهد يتضح انه قد تناول طعاما مسموما في السوق في أحد المطاعم الرخيصة· يبدأ عبيدان بالتألم·· يصرخ مهتاجاً لوجع في بطنه، ولأن أبا عبيدان الذي كان يتأسف معترفاً بأن السحر شعوذة وكذب وان حياته لا معنى لها عبر هذه الممارسات، تراه يقترح على ابنه ان يخلصه من هذا الوجع المفاجئ بأن يدخله عالم السحر· شخصية ''أبو عبيدان'' تعيش تناقضاً مزدوجاً بين الرفض/ القبول· القناعة/ الجشع، الصدق/ الكذب· الواقع/ السحر· تلك التناقضات هي التي جعلت عبيدان يموت بين يديه حيث ينتهي النص حزناً فيصرخ سعيد بتيجا مجلجلاً المسرح كله· المشهد الأخير نرى فيه ''سعيد بتيجا'' وهو يتقمص الألم والحزن بفقد ابنه، وهنا يتحقق عنصر ''الارصاد'' الذي تحدثنا عنه بين السقوط في جهل المعرفة حيث لا تحصيل دراسياً في بداية المسرحية والسقوط في السحر حيث لا تحصيل للحياة والواقع في نهاية المسرحية· المشهد الأخير يمثل جنون أبو عبيدان، ولأن المخرج بلال عبدالله لا بد ان يتحايل كي يحضر الناس الى المسرح فلابد ان يعمد الى المشهدية حيث يستخدم جدران غرف الدار المفتوحة فيسلط الإضاءة عليها لتبدو من خلالها ظلال شخوص حضروا ليشهدوا المأساة، ويخاطب أبو عبيدان تلك الظلال مستجيراً بالناس والواقع بعيداً عن الحلم والسحر· ويرد صارخاً: أنا بدون·· مشاهد النص أجمع مركبة وحوادثه متعاقبة لا يجمعها خيط، فنحن لا نعرف ما آلت اليه حال الفتاة التي حملت بشكل غير شرعي· مشهد واحد وينتهي النص، ومشهد بلال وعنبر ينتهي بلا رابط مع النص القصصي الكامل كذلك مشهد سلوم الممسوس، لا صلة له بالنص الا اذا افترضنا ان كل هذه المشاهد الثلاثة الرئيسية جاءت لتكرس ملامح شخصية أبو عبيدان وكأن المسرحية هي مسرحية شخصية لا مسرحية حكاية، هذا بالاضافة الى ان ما قدمه سعيد بتيجا يعد بكل المقاييس درساً أكاديمياً عالياً في التمثيل المسرحي إذ خلال ساعة ونصف أدى دوره بكل براعة حيث كانت طاقته التعبيرية في المشهد الأول هي ذاتها في المشهد الأخير، مما يدل على امكانية أدائية قل نظيرها· كذلك ما قدمه ''أحمد مال الله'' و''عيسى كايد'' و''ناجي خميس'' و''ناجي جمعة'' و''نورة'' و''عادل النوري''· والفرقة ناجي مال الله وخالد الحرب وخليفة جمعة وعارف اسماعيل العلي· انها تجربة تمثيلة مهمة قدمت باتقان أدائي عال ولكن بنص تشوبه أسئلة كثيرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©