الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصائد لونية تختزل العالم

قصائد لونية تختزل العالم
15 مايو 2008 02:00
عوالم المحرقي عجيبة تنتمي إلى الواقع الخرافي، أو الخرافة الواقعية، فهو يحمل موروثاً من الخرافات ومن المعاناة التي تمتزج معاً فتصنع عملاً مختلفاً، عملاً يحمل الموروث والماضي القريب ما قبل الثروة النفطية، حين كانت معاناة الصيادين رمزاً لبؤس الحياة، فهو يرسم الصيادين في مراكبهم بتلك الوزرة الخليجية المعروفة، ليجسد تلك الحياة والمعاناة في صور تحمل الواقع وتمزجه بالخرافة أو الأسطورة المحلية، ويعبر عن مأساة تلك الفئة من البشر وهم يصارعون البحر وأمواجه وكائناته الأخطبوطية· حكاية المعاناة اشتغل على حكايات المعاناة التي عاشها أو استمع إليها، المعاناة من الفقر والعوز، وكيف كان الصيادون والبحارة يقضون أشهراً طويلة في عرض البحر بحثاً عن اللؤلؤ، وكيف كان العقاب وخيماً إذا غش الصياد قبطان المركب وخبأ إحدى حبات اللؤلؤ، كما صوّر مخاطر هذه المهنة وخطر الموت الذي يهدد حياة صيادي اللؤلؤ في الخليج العربي عموماً، واستخدم وسائل عدة للتعبير عن ذلك، خصوصاً من خلال التكوينات المأسوية والألوان الحارة المؤثرة· وهو في ذلك كأنه يكتب قصائد لونية تختزل العالم في بوابات شديدة الدلالة، ليبلغ عالماً من الفنون وموهبة فنية هي نتاج تجربة تمتد على مدى أكثر من أربعة عقود ارتبط اسمه خلالها بالتشكيل في البحرين والخليج والوطن العربي· وأمام أعماله تشعر أن الفرشاة تعمل بقوة وثقة، وتتناول عالماً من الهواجس والأحاسيس والقدرات، يلتقط عوالم مرئية بطريقة حساسة تحيلها إلى مواقف ووجهات واضحة· عوالم تنتمي إلى موروث البحرين وعلاقتها الأزلية الحميمة بالبحر، وأيضاً علاقة عبدالله الفنان بالناس والحياة، حيث نراه يمعن في مكنون اللوحة إمعاناً فلسفياً متعمقاً يطلق لنفسه فيه العنان، وإذا به وهو في ذروة تمعنه واعتكافه على العمل، وكأنه الجواهرجي الماهر الذي يصوغ اللوحة كأثمن ما وقع بصره عليه من حلى ولآلئ· لوحة فنان يظهر مدى ارتباطه بالفن والحياة، وربطه بينهما على نحو يجعل من الفن وسيلة لرؤية الحياة، ومن الحياة مادة لإغناء العمل الفني· والحياة بالنسبة إليه ماض وحاضر ومستقبل، فهو يرسم بهذه الأبعاد الثلاثة، ويرسم ليعبر عن تعاطفه مع تاريخ أجداده وتراثهم، وجاء الكثير من أعماله ليتجلى فيها بوضوح تعمقه بتاريخ كاد ينسى لو لم يحرص هذا الفنان على تعريته من هالته الرومانسية، تاريخ الإنسان الخليجي عموماً والبحراني خصوصاً، متمثلا في الإنسان الفقير أساساً، والمرأة المضطهدة، والطفل بائس الذي يقف على حافة الهاوية· ملامح وأساليب واقعياً يتركز عمل المحرقي في رسم العالم الذي يحيط به، ويتركز أكثر في شخصية الرجل الذي تلتف حوله الأفعى باستمرار، وبحسب التكوين فهو تكوين غرائبي وسريالي إلى حد ما، بحيث تبدو ثمة مفارقة بين التكوين العجيب للجسد وبين واقعه وحالته الإنسانية البائسة، مفارقة تتجسد في تضخيم الجسد وملامحه، كما تبدو في الوضع الذي يضعه الفنان فيه وضع الإنسان المهزوم والمذلول بطريقة ما· ومن جهة أخرى فإن هذه الواقعية الممزوجة بالسريالية، تعبّر على نحو ما عن مشاعر رومانسية ذات طابع طفولي، ففي أعمال الفنان نظرة طفولية إلى العالم، نظرة تتجسد في الخطوط والتكوينات والألوان الصاخبة التي رغم صخبها تتميز بقدر من البساطة، وهي ألوان تجذب النظر بقوة لما تنطوي عليه من توهج وحرارة، خصوصاً في استخدامه الأحمر الذي يشيع حرارة عالية في صالة العرض· وفي عالم المحرقي نقف على رموز ودلالات كثيرة، فلوحته لا تعالج موضوعاً محدداً، بل تختلط فيها العناصر التي يستحضرها الفنان من الذاكرة حيناً، ومن الخيال حيناً، ومن الواقع في معظم الأحيان، حتى أن الواقع يتحول بين يديه خيالاً غامضاً ومحتشداً بالرموز، فالمشاهد لا يعرف كيف يمكن -مثلاً- لحكاية خيالية عن ساحرة جميلة بقدم حمار ومخالب أن تترك الناظر إلى اللوحة مشدوهاً ومندهشاً، أو كيف تتحول الأحصنة والقرى والأسواق الشعبية والمناظر الطبيعية والمراكب إلى مادة يلعب بها الخيال وتعيد الألوان تشكيلها من جديد· ومن صور الحياة اليومية يستقي موضوعاته ويجسدها في اللوحة بواقعيتها الكاملة وليعكس أيضاً قيماً إنسانية عالمية تتجلى في التجارب اليومية التي يعيشها الجميع وتتخطى بأبعادها الزمن والأمكنة· وللمرأة في لوحاته حضور بارز، فهي تشكل تجسيداً لكل المعاني السامية، إنها الأم والأخت والابنة، إنها -كما يقول باختصار- رحم الأرض· حين يسأل عن طبيعة أعماله فهو يقسمها إلى فئتين من الأعمال ''فئة تجسد موضوعات مستوحاة من البيئة الاجتماعية والتراثية عندنا في منطقة الخليج، من عادات وتقاليد وحتى خرافات، وإذا أراد الفنان أن يبيع لوحاته يشتغل هذا النوع من الأعمال التي تعتمد على الحرفية والتقنية، والفئة الثانية من الأعمال التي أسميها أنا ''الأعمال الإبداعية'' تستوحي الأفكار والهواجس المعقدة داخلي، وهو ما أشتغل عليه منذ أربعين عاماً، هناك مواضيع لا حد لها أحاول أن أخرجها كفنان للناس، وتحمل في طياتها زخماً كبيراً من الآلام والمعلومات الدقيقة، فالفنان يجب أن يكون عارفاً بصغائر الحياة قبل القضايا الكبرى، ربما من هنا جاء الإحساس بأن لكل لوحة حكاية، وأنا أعتقد أن الأعمال العظيمة في حقيقتها هي مأساوية، ولذلك فإن بعض لوحاتي لا أبيعها مهما بلغ الثمن وأتركها ضمن مجموعتي الخاصة''· إنه فنان يحاول أن يمزج بين ما تشبع به من تراث وجذور في منطقة الخليج العربي وبين الأسلوب العالمي في التعبير عن هذا الموروث، معتبراً أن على الفنان أن يكون كالشجرة التي تمتد أغصانها وأوراقها في كل الجهات، وتبقى جذورها راسخة في التراب، ''فالتراب هو أصل حضارتنا'' كما يقول· وهو حين يتحدث عن تجربته يقول: ''حياة طويلة متعبة عشتها بالطول والعرض، وعندما أنظر خلفي أجد الطريق الذي سلكته طويلاً متعرجاً هابطاً صاعداً سهلاً صعباً ماطراً مشمساً جميلاً قبيحاً، ومع ذلك كان ممتعاً رغم كل الصعاب وتلقي اللكمات، لا يظنَّنَّ القارئ أن الرسام يرسم من أجل مرتب ضئيل يستلمه آخر الشهر، كلا إنه يرسم لأن ما يراه حوله وفوقه وتحته يجبره بما عنده من حس وموهبة على أن يدخل المعركة وهو يعلم أنها معركة خاسرة، سلاحه ريشته أمام جيوش السلطة والفساد في العالم وسادة الظلام، متبرعاً بدمه وروحه من أجل قضية لا يعلم إن كان سيربحها أم يخسرها· سيرة فنية عبدالله المحرقي من مواليد ،1939 المنامة- البحرين، درس في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وحصل على بكالوريوس في الفنون الزخرفية من جامعة دمشق بدرجة امتياز سنة ،1966 وعمل كمستشار فني في وزارة الإعلام حتى عام ،1989 ثم انتقل الى ديوان ولي العهد كمستشار فني أيضاً· يزاول عمله في مرسمه الخاص، وهو رسام كاريكاتور لجريدتي ''أخبار الخليج'' البحرينية منذ 1976 ولجريدة ''البيان'' الإماراتية· صمم أوسمة دولة البحرين الرسمية، ومعظم شعارات المؤسسات والشركات في البحرين بين السبعينات والثمانينات، وفاز بتصميم شعار دولة الإمارات العربية المتحدة الحالي في مسابقة على مستوى الوطن العربي، كما صمم معظم الطوابع البريدية لدولة البحرين من العام 1970 حتى الآن· حائز على الجائزة الأولى في معرض الفنون التشكيلية لفناني البحرين عام ،1973 وعلى الجائزة الدولية من معرض جرولا دورو لسنة 1980 في إيطاليا، وعلى الميدالية الذهبية من صالون الفنانين الفرنسيين عام ،1983 وعلى جائزة الدولة التشجيعية في الفنون من دولة البحرين عام ،1985 وحائز على جائزة الدانة في معرض البحرين للفنون التشكيلية 2005- ،2006 وعلى جائزة رجال الأعمال العرب في المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في شرم الشيخ وتكريمه عن الفن التشكيلي والكاريكاتور عام ،2006 كما حاز على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من الملك البحريني في العام ·2007
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©