الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النظام السوري... وخيار «الملاذ العلَوي»

2 مارس 2013 00:16
نيكولاس بلاندفورد لبنان تحولت منطقة من السهول المسطحة التي تتخللها البساتين والمزارع وتؤثثها القرى والبلدات الممتدة بين بلدة القصير السورية والحدود الشمالية للبنان إلى ساحة حرب تعيش على وقع معارك شرسة تهدد بالتوسع إلى داخل لبنان، فمقاتلو «حزب الله» اللبناني ومعه الجيش السوري النظامي الذي ما زال يقف إلى جانب النظام يحاربون الجيش السوري الحر بهدف السيطرة على منطقة قد تكتسي عما قريب أهمية استراتيجية قصوى في حال سقطت دمشق في أيدي الثوار واضطر نظام الأسد إلى الفرار. فموقع قرية القصير الاستراتيجي يجعلها على الطريق السريع الرابط بين دمشق وحمص، ثالث أكبر مدينة سورية، ومنها يُفسح الطريق للوصول إلى طرطوس، البلدة الساحلية التي تفتح الباب بدورها على سلسلة الجبال التي يهمين عليها العلويون الذين ينحدر منهم رئيس النظام السوري. وفي هذا السياق يعتقد بعض المحللين أنه إذا أرغم الأسد على مغادرة دمشق، فإن ما تبقى من النظام سيشد الرحال إلى الجبال العلوية لإقامة جيب يكون قادراً على البقاء على قيد الحياة من خلال الدعم المادي واللوجستي القادم من إيران باعتبارها حليفاً قوياً للنظام وراعية «حزب الله» اللبناني، وهو ما يذهب إليه، «جوشوا لانديس»، وهو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما الأميركية وصاحب مدونة معروفة للتعليق على القضايا السورية، قائلا «إذا ما طرد الأسد من دمشق... ستكون القصير مهمة جداً لأنها تربط العاصمة بالجبال العلوية، ولذا ستكون الطريق السريعة على درجة كبيرة من الأهمية». والحقيقة أن بلدة القصير تختصر في صورة مصغرة ألوان الطيف المذهبي والديني في سوريا، حيث يعيش اللبنانيون والسوريون الشيعة والسنة جنباً إلى جنب مع السوريين العلويين والمسيحيين. وعلى الغرب من القصير وتحديداً على مسافة 12 كيلومتراً توجد 23 قرية و12 مزرعة يقطنها الشيعة اللبنانيون، علماً بأن المنطقة توجد داخل الحدود السورية، والسبب هو أن القيود المفروضة على الحدود في المنطقة تتمتع بنوع من المرونة التاريخية. وفيما يسيطر الثوار السوريون على بلدة القصير تظل تلك القرى إلى الغرب منها التي يقطنها الشيعة موالية لنظام الأسد الحليف الرئيسي لـ«حزب الله»، ولذا اتسمت المعركة من أجل السيطرة على المنطقة بالشراسة، فالثوار السوريون يتهمون «حزب الله» بمساعدة قوات النظام في هجومها على القرى السنية في المنطقة. وكان الأمين العام لـ«حزب الله»، قد اعترف في شهر أكتوبر الماضي بأن بعض أعضاء الحزب يقاتلون داخل سوريا، ولكن فقط لحماية القرى الشيعية من المعارضة السورية، كما قال، ويصر «حزب الله» على التخفيف من شأن الدور الذي يلعبه داخل سوريا، على رغم أنه بات معروفاً لدى الجميع أن مقاتلي الحزب ينتشرون حالياً في عدد من المناطق السورية. ويرى بعض المحللين أن القرى الشيعية الواقعة إلى الغرب من القصير قد تصبح في النهاية جزءاً من ممر يربط منطقة البقاع الشمالي اللبنانية التي يسيطر عليها «حزب الله» بالجزء الجنوبي من الجيب العلوي الذي قد يمتد من سلسلة الجبال الساحلية إلى ميناء مدينة اللاذقية، وإذا تمكن النظام من تأمين هذا الممر فإنه سينطوي على فائدة استراتيجية مهمة، بحيث يمكن لـ«حزب الله» من خلاله مساعدة ما تبقى من نظام الأسد في الدفاع عن الجيب وصد هجمات الجماعات السنية، كما يمكنه أن يتحول إلى ممر جديد لتدفق الأسلحة إلى الحزب. ومعروف أن الجزء الأهم من أسلحة «حزب الله» تُهرب إلى داخل لبنان من سوريا، ولكن سقوط الأسد سيعقد وصول تلك الأسلحة إلى الحزب، وسيصعب عليه إعادة تسليح نفسه وملء مستودعاته، ولاسيما في حال دخوله مواجهة أخرى مع إسرائيل. وهنا تكمن أهمية الجيب العلوي المفترض الذي سيكون متصلا بالبحر عن طريق موانئ طرطوس وبانياس واللاذقية، ما سيسمح باستيراد الأسلحة التي يمكن تحميلها عبر الشاحنات إلى «حزب الله» في لبنان من خلال الممر المؤمن. وعن هذا الموضوع يقول، «أندرو تابلر»، الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: «تمثل القصير نواة منطقة البقاع الشيعية في لبنان والجبال الساحلية التي يقطنها العلويون، وهي مهمة لإبقاء الجيب العلوي والمناطق الشيعية التابعة لـ«حزب الله» في لبنان متصلة»، مضيفاً أن الفائدة الوحيدة للجيب العلوي بالنسبة لإيران هي إذا كان متصلاً بمناطق «حزب الله» في البقاع الشمالي، حيث يمكن إيصال السلاح. ومع ذلك لن يكون من السهل ربط الصلة بين الجيب العلوي و«حزب الله» لأن دونه العديد من العقبات، فالأمر يتطلب من بقايا النظام السوري طرد العدد الكبير من السكان السنة، ولاسيما في المدن الساحلية وفي بعض القرى القريبة من الحدود اللبنانية. وتبقى في الأخير إمكانية هذا الجيب العلوي من عدمها أمراً رهيناً بمدى قدرة المعارضة السورية على رص صفوفها والتوحد لإدارة انتقال سلس للسلطة إلى إدارة جديدة تستطيع إطلاق عملية المصالحة وإعادة البناء، ولكن أغلب المراقبين يتوقعون فترة طويلة من عدم الاستقرار ستعقب سقوط نظام الأسد بالنظر إلى ضعف وتشتت المعارضة السياسية المدنية، والتنافس المحموم بين الجماعات المسلحة المختلفة، الأمر الذي قد يساعد فعلا على دعم فكرة الملاذ أو الجيب العلوي المحتمل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©