الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المُهجَّرون التركمان... وموسم العودة إلى كركوك

المُهجَّرون التركمان... وموسم العودة إلى كركوك
28 يونيو 2009 00:17
كان هناك دائماً ألف سبب وسبب يدفع جحافل من شباب التركمان للخروج من العراق، موطنهم الذي لم يعد لهم مكان فيه، ففي ظل «البعث» الرهيب رأوا ذويهم يذوقون انصهاراً لم يسعوا إليه، وفي حالة الاستقطاب الرهيبة إبان الحرب الباردة في ثمانينيات القرن الماضي لم يسمع لهم صوت، وهكذا سجنوا فيه مرغمين، فلا أحد كان في نظام البعث يتجرأ أو يبدي رأياً. ومع الضيق المفرط المصحوب بالقمع، زحفوا إلى إقليم الأناضول المجاور لهم، فهو الأقرب ليس في الحدود فحسب وإنما أيضاً لصلات الدم والقربى حيث امتدادهم العرقي والإثني. ولذا راحت موجات الشبان النازحين إلى الشمال تاركة وراءها حسرة تعتصر أفئدة أهاليهم الذين أدركوا بحكم خبرتهم أن فراق الأبناء سيطول، لكن ظل عزاؤهم أنهم سينجون بأنفسهم في النهاية. وتمر السنوات الطويلة، ومعها يزحف الشيب على الرؤوس، ويزداد الحنين إلى الأهل والأقارب في الهلال الخصيب. نعم لقد غادروا أرضهم لكن الأخيرة وما عليها تأبيان مفارقتهم، وعلى رغم زوال النظام إلى الأبد، إلا أن الأنباء الواردة فيما بعد بدت مقلقة ولا تقل سوءاً عن الماضي القريب. وهكذا كان قرار عودة الكثير من الشبان التركمان، حتى ولو كانت عودة خاطفة، يتأجل مرة تلو أخرى! لكن ضغط ما تبقى من عائلاتهم، التي أنهكها شظف العيش، زاد معاناتهم. وحتى يبرؤوا من تهمة الجحود جاءت مغامرات البعض منهم، وليكن ما يكون!! بالطائرة بدأوا الرحلة من مطار «أسينبوا» بالعاصمة أنقرة إلى مدينة ماردين في الجنوب، ومن الأخيرة سلكوا طريق البر نحو ما كان عالم طفولتهم، ومع اقتراب الحافلات نحو الحدود العراقية كانت قلوبهم تخفق بشدة من فرط زحام وتضارب الخواطر والذكريات التي زحفت على أذهانهم، وعلى رغم معرفتهم السابقة بما آلت إليه الأوضاع في العراق عامة والموصل خاصة إلا أن ما يتلقونه عبر وسائل الإعلام بكافة أنواعها شيء ورؤية الواقع شيء آخر! ولم تكن الطريق محفوفة بالورود. فقد واجهتهم عشرات نقاط التفتيش، وفي كل واحدة كان عليهم أن يثبتوا أنهم مواطنون عراقيون، وليسوا إرهابيين، هذا بالنسبة للجنود الدوليين! أما بالنسبة للأكراد، فكان لابد من التحدث بحذر وعدم الولوج فيما يضر ولا ينفع، فالأعين هنا مفتوحة متربصة لأي كلمة أو حركة، هنا أو هناك. ولمزيد من الحيطة والحذر كانوا يؤكدون لمن يصادفهم سواء من عناصر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أو «الاتحاد الوطني الكردستاني» أنهم أتراك، ومن أصول لا علاقة لها من بعيد أو قريب بالعراق! وعلى رغم معرفتهم بالإثنيات والعرقيات التي يموج بها وطنهم القديم إلا أن الجديد هو أنهم رأوها متجسدة في سلطة الأمن التي صار رجالها يعكسون ولاءهم لإثنياتهم وليس للدولة الأم، ويظهر ذلك على ملابسهم. إنه عالم فريد وغير معقول، ففي نقطة مرور واحدة، رأى العائدون المجند الكردي بملابسه المميزة وعلمه المزدحم بألوان صارخة، وبجانبه الأميركي بزيه العسكري وما يحمله من عتاد يذكرك برامبو أو الممثل السابق، والحاكم الحالي، أرلوند شوارزينجر. وإلى جانب الاثنين مجند ثالث، عراقي عربي! إنها كركوك الغنية بالنفط والمكتنزة بالمخاطر معاً، ففي شوارعها الرئيسية وكذا أركانها، تلال هائلة من القمامة قد يخرج منها في أي لحظة انتحاريون وعناصر عنف من مختلف الاتجاهات. أضف إلى ذلك معاناة سكانها المعيشية فكم من الساعات يمضونها بدون ماء أو كهرباء. أما ذووهم التركمان فيقولون إن الاضطهاد يحاصرهم من كل صوب وحدب، وإن أعدادهم في نقصان مستمر، فمسعود البرزاني ما زال يتوق شوقاً لجعل كركوك عاصمة لإقليم كردستان! وبطبيعة الحال كان عليهم هم أن يطرحوا السؤال: ما الذي حدث لمدينتهم، وأي مستقبل ينتظرها؟ ففي اليوم التالي لقدومهم مكثوا بعض الوقت في المقاهي المتناثرة يسمعون حكايات وقصصاً عما حدث ليلة البارحة، وما قد يقع بعد قليل، وكله مآسٍ في مآسٍ، والناس على ما يبدو اعتادت على هذا النوع من الحديث. وتمر الساعات. بعدها يترجلون ذاهبين إلى بيوتهم ليستيقظوا في صباح اليوم الثالث على انفجار مروع طال المقهى الذي كانوا يجلسون فيه بالأمس، والفاعل معلوم، ولكن قيل إن يد الأمن لا تريد أن تطاله. ولأن المآسي لها وجوه عديدة فقد وجدوا أن العمل يجري على قدم وساق من أجل تغيير التوازن الديموغرافي للمدينة، بحيث يصبح الكرد هم الفئة الغالبة والمسيطرة، وفي حال إجراء الاستفتاء حول مستقبل المدينة كما هو مقرر في المادة 140 من الدستور العراقي (المؤجل تنفيذها منذ نهاية العام قبل الماضي) تصبح كركوك عاصمة محتملة لشمال العراق. وليس هذا كل شيء. فقد سمع العائدون أيضاً أن أصحاب حملات التطهير العرقي يلقون الدعم الأجنبي، وكأنه لا يهم ما يفعلونه في التركمان والآشوريين والكلدانيين وغيرهم من العرقيات الثانوية والرئيسية على حد سواء. ويعود شباب التركمان العائدون بأبصارهم إلى تركيا التي احتضنتهم، ماذا عساها تفعل؟ لقد أوقفت منح الجنسية للتركمان لوقف زحفهم من جانب، وللحفاظ على وزنهم السكاني في كركوك من جانب ثانٍ، لكن الحاصل على أرض الواقع بدا عكس ذلك، فهجرة التركمان لا تتوقف سواء داخل العراق أو خارجه، بل إن أنقرة من جانبها باتت هي أيضاً تغض الطرف عن تسلل التركمان عبر الحدود إلى أراضيها، والمشكلة السكانية بذلك في تفاقم. أما الحكومة العراقية فقد أكدت، على لسان رئيس الوزراء نوري المالكي، أن الوقت حان كي يحصل التركمان المغبونون على حقوقهم، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هنا لا يتطوع أحد بالإجابة! لمثير أنه في الوقت الذي كان المالكي يبدي تعاطفه مع حقوق التركمان كان دستور كردستان يدشن من جديد ويكرس كابوس أن تصبح كركوك للأكراد من دون غيرهم! وإمعاناً في الإصرار ها هو «الاسايش» جهاز الأمن الداخلي بمنطقة شمال العراق يجبر السكان على التوقيع في استمارة معدة لذلك يوافقون فيها على أن كركوك يجب أن تعود إلى «موطنها الأصلي» ألا وهو «كردستان»، وعلى التركمان ومعهم العرب وبقية الإثنيات السلام!! أنقـرة: سـيد عـبدالمجـيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©