الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملتقى للفنانين وسوق رائجة للصناعات التقليدية

ملتقى للفنانين وسوق رائجة للصناعات التقليدية
28 يونيو 2009 00:13
قد تمر عليها مرور الكرام دون أن تثير انتباهك منذ الوهلة الأولى؛ إذ قد تبدو لك مجرد حديقةٍ عامة كباقي الحدائق التي تزخر بها الجزائر العاصمة وشتى المدن، ولكنك إذا قررت الاستراحة فيها بعض الوقت، فستكتشف بمرور الدقائق أنها حديقة مميزة، تنفرد بالعديد من الخصوصيات التي لا تجدها في حديقةٍ أخرى. أطلقت عليها فرنسا اسم «حديقة السَّكْوار» حينما أنشأتها في الخمسينيات من القرن التاسع عشر، لكن الجزائر غيرت اسمها بعد الاستقلال عن فرنسا في 5 يوليو 1962 إلى «بور سعيد» نسبة إلى المدينة المصرية الشهيرة، لاسيما أن العلاقة بين جزائر أحمد بن بلا ومصر عبد الناصر كانت قوية آنذاك، لكن المفارقة أن الجزائريين لا يزالون يسمونها «السَّكوار» إلى حدَّ الساعة، ونادراً جداً ما تجد جزائرياً يطلق عليها اسمها الرسمي «بور سعيد»، تماماً مثلما يطلقون على الكثير من الأماكن والشوارع أسماءَها الفرنسية الأصلية، وهي ظاهرة عصيَّة على الفهم بالنظر إلى التضحيات الجسيمة التي قدَّمتها ثورة المليون شهيد لدحر الاستعمار الفرنسي (5 يوليو 1930- 5 يوليو 1962). مأوى العابرين مساحتُها نحو هكتارٍ واحد، ولكنها جميلة ٌ مزينة بأشجار متناسقة ومقلَّمة ومستطيلات صغيرة من العشب الأخضر التي ترتفع بنحو متر عن سطح الأرض لتجنُّب إتلافها بالنعال، وتحتوي على العديد من أماكن الراحة وجلوس الناس، خاصة المسافرين وعابري السبيل، وعادة ما يتخذها البطالون وكذا الشيوخ المتقاعدون مكاناً لقضاء أوقات فراغهم الطويلة، وبعضهم يتحلق حول ألعابٍ شعبية جماعية ومنها «الدومينو» و»الظامة». تقع هذه الحديقة على بعد حوالي 200 متر عن البحر المتوسط، وتطل مباشرة على ميناء الجزائر ببلدية «الجزائر الوسطى» حيث ترسو بواخر عملاقة، وتقوم الرافعات باستخراج حاويات السلع، بينما يجلس مجموعة من الشبان يتأملون المنظر. وفي جنباتها 3 نافورات مياهٍ صغيرة تزين الحديقة، كما توجد في أطرافها أكشاكٌ صغيرة لبيع الصحف، إلا أن السلطات أجَّرت في السنوات الأخيرة مساحاتٍ صغيرة قرب هذه الأكشاك لمجموعة من باعة المصنوعات التقليدية، وفي مقدمتها التحف النحاسية والملابس الأمازيغية والجلود والحلي التقليدية لتشكل معرضاً في الهواء الطلق» لنماذج من الصناعات التقليدية الجزائرية. العودة إلى الشرق تُعرض الملابس الأمازيغية بطريقة جذابة تستوقف الكثير من الفتيات والنساء، لا سيما أن ألوانها التي يطغى عليها الأحمر والأبيض اللامع والأصفر تجذب عين الرائي من بعيد، ويقول بائع هذه الملابس لـ»دنيا الاتحاد» إن هذه التجارة كانت مزدهرة أكثر في «منطقة القبائل» الأمازيغية، إلا أن باقي الجزائريين بدأوا يقبلون عليها في السنوات الأخيرة، وتزدهر تجارتُه في الصيف أكثر من الشتاء لأن هذه الملابس عادة تُرتدى في الأعراس. وبجانبه، ينشغل «الفُضيل سمير»، 40 سنة، بعرض أوانٍ نحاسية على طاولة صغيرة؛ أباريق، أوان، كؤوس نحاسية وأشكال أخرى موجهة لهواة زخرفة مكتباتهم المنزلية بالتحف التقليدية، ويقول الفضيل إنه حِرفيٌ يمتهن صناعة النحاس منذ 17 سنة، ويعرض سلعه بحديقة «بور سعيد» منذ 6 سنوات، وأكثر ما يثير سرورَه هو عودة الجزائريين إلى اقتناء الصناعات التقليدية لبلدهم بعد عقودٍ من الانبهار بمنتجات الغرب. للفنانين حصتهم تحيط بالحديقة مجموعة ٌ من المؤسسات العمومية والمتاجر الشعبية والمقاهي، وأشهرها «مقهى طانطفيل» أو مقهى الفنانين، وقد أطلق عليها جنرال فرنسي هذه التسمية أثناء فترة الاحتلال، وتعني «خالة المدينة». ويتميز هذا المقهى بأنه يُعدُّ بمثابة نادٍ يلتقي فيه الفنانون الجزائريون، وفي مقدمتهم فنانو المسرح لأن هذا المقهى يقع بمحاذاة مقر المسرح الوطني الجزائري الذي بنته فرنسا سنة 1853 وسمته «دار الأوبرا»، وكان ملكاً لعائلة من المعمرين الفرنسيين، وغداة استقلال الجزائر عن فرنسا في 5 يوليو 1962 ورثته عائلة «شاوشي» الجزائرية، وكان يزوره جان بول سارتر وألبير كامو لاحتساء القهوة، وبعدهما مر مئات الفنانين الجزائريين والعرب بالمقهى ومنهم سعد أردش وكرم مطاوع وعبد الحليم حافظ وشارل أزنافور... وبقرب الحديقة يقف عشرات الشبان يعرضون بأيديهم أوراقاً نقدية من فئة الدينار الجزائري والدولار واليورو، ويمتهن هؤلاء منذ سنواتٍ المتاجرة بالعملات في السوق الموازية دون أي اعتراض من السلطات، ويتفق الاقتصاديون على أن القيمة الحقيقية للدينار الجزائري وباقي العملات الصعبة تجدها في ساحة «بور سعيد» وليس في البنوك الرسمية حيث تفرض الدولة عادة سعراً آخر لا يخضع لقاعدة العرض والطلب.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©