الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السير الشعبية ملهمة الأجيال ومستودع القيم النبيلة

السير الشعبية ملهمة الأجيال ومستودع القيم النبيلة
15 ابريل 2010 20:51
يمكن التعرف بدقة إلى ملامح الشخصية المصرية والعربية من خلال الأبحاث والدراسات العلمية لمجموعة من السير الشعبية مثل «أبي زيد الهلالي» و«عنترة بن شداد» و «الأميرة ذات الهمة» و «الأمير سيف بن ذي يزن» و «الظاهر بيبرس» وغيرهم من الأبطال الذين عاشوا في وجدان المصريين والعرب. فمازال المصري في القرى والنجوع يحلو له أن يستعيد أمجادهم وحكاياتهم المليئة بالقيم النبيلة والتضحية والدفاع عن الحق والخير والجمال. مع مرور الزمان وتعاقب الأجيال مازالت السير الشعبية مخزناً للقيم والمعاني النبيلة المستلهمة من شخصيات «خضرة الشريفة» و«الجازية» و«ذات الهمة» وكل الأبطال الشعبيين الذين يمثلون القدوة للأجيال. إلى ذلك، أكد الناقد د. شمس الدين الحجاجي أهمية التواصل مع التراث الشعبي الذي يمثل منظومة القيم الإيجابية والسلبية لكل جماعة ولا يمكن فهم ما وصلنا إليه من حال إلا من خلال الدراسات الواعية لتراثنا واستخلاص القيم التي ترسخت في وجدان الشعوب ومازال تأثيرها ينعكس على المستجدات والتحديات التي تتعرض لها الشعوب ويدخل في ذلك تقبل قيم جديدة ومفاهيم مستحدثة أو رفضها. وأوضح أن تأثير الموروث الشعبي ممتد ومتوال وأن السير الشعبية هي اللبنة الأولى للمسرح العربي حيث كانت بكل ما تحمله من أشكال البناء الدرامي والصور الخيالية والقيم والصراع تنطبق على المسرح الغربي الذي استلهم من الملاحم الشعبية كالألياذة والاوديسا. المرأة في الموروث تحدثت الدكتورة دعاء صالح عن صورة المرأة في السير الشعبية من خلال دراسة تحليلية لثلاث سير شعبية هي «السيرة الهلالية وعنترة وذات الهمة»، موضحة أن المرأة في الموروث الشعبي فارسة بمعنى الكلمة فهي مقاتلة ومحفزة للقبيلة وصانعة لبطولة الرجل بأسلوبها وسلوكها في تربية البطل. وأكدت أن التواصل مع التراث ضرورة لنعرف قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع فهي واحدة من الأسباب الرئيسية للوصول للقيم الفلسفية الأساسية كالخير والعدل والجمال في كل المجتمعات البشرية. وقالت إن إعلاء قيمة المرأة واحترامها جزء من موروثنا الشعبي وإن السير الشعبية رصدت ذلك في نماذج رائعة مثل خضرة الشريفة ثم الجازية في سيرة بني هلال والأميرة ذات الهمة. وأضافت:«كانت المرأة في المجتمع القبلي الذي يتهمونه بالتخلف فارسة وصاحبة فكر ولها اهتماماتها الفنية وتقرض الشعر وهي أم البطل وصانعته ولها ثلث المشورة حيث لم تكن القبيلة تتخذ أي قرار خطير إلا بعد موافقتها واستشارتها ومكانة المرأة العربية في موروثنا الشعبي مساوية للرجل»، موضحة أن ما آل إليه حال المرأة العربية بعد ذلك جاء نتيجة لعوامل خارجية مثل الاستعمار الذي فرض قيماً جديدة على مجتمعاتنا حيث أجبرت المجتمعات على سلوكيات جديدة والتزود بقيم غير أصيلة وهي التي تسببت في تسرب البنات من التعليم وحرمان المرأة من المشاركة في المظاهر الثقافية. ورفضت اتهامات الغرب للمجتمعات العربية بأنها ظلمت المرأة وقهرتها منذ عهود بعيدة ففي السير الشعبية نجد المرأة رمزاً وكياناً قوياً في المجتمعات القبلية، ولديها حلول لكل المشاكل وتدرك دورها في صناعة الأبطال وغرس القيم الإيجابية مثل الشجاعة والإيثار وحب الخير والعدل. اختلاف الروايات واستعرض الباحث أحمد بهي الدين الاختلافات التي يتسم بها الموروث الشعبي من منطقة لأخرى وكيف أن كل جماعة تضيف جزءاً من قيمها ومعتقداتها إلى القصص الشعبي ما أدى إلى روايات متعددة للسيرة الواحدة خاصة تلك التي يتناقلها الرواة مثل سير الزير سالم والظاهر بيبرس وعنترة بن شداد. وقال إنه رصد في دراسته للسيرة الهلالية الاختلافات في القيم بين ما حفظه ورواه أبناء شمال الوادي وجنوبه في مصر حيث تدخلت الجماعة الشعبية في النص والرواية بما يلائم قيمها. وأضاف:«نجد قيماً يطلق عليها الزناتنة نسبة إلى الزناتي خليفة وهناك مجتمع أعلى قيم الغبابنة نسبة إلى دياب بن غانم والزيادنة نسبة إلى أبى زيد الهلالي وفي كل حكاية ورواية ينتصر الموروث الشعبي لما يؤمن به ويعتنقه من مبررات لأنه رغم وجود الصراع بين الأبطال في سيرة بني هلال مثلا فإن الجميع أبطال ولكل احترامه وتقديره من الجماعة الشعبية». وخص الدكتور محمد حسن عبدالحافظ سيرة بني هلال في دراسته التي حصل من خلالها على درجة الماجستير، مشيراً إلى أن أهم النتائج التي توصل إليها في بحثه أن السيرة الشعبية ليست مجرد قيم الجماعة الشعبية فقط وإنما الهدف من دراستها والتواصل المستمر معها هو التنبيه لخطورة ظهور قيم ليست من صلب هذه الجماعة وتاريخها، وهذا الخطر يعطي أهمية قصوى لاستمرار السير الشعبية واستلهام الموروث الشعبي في أشكال فنية جديدة ومتطورة وهناك من يتبنون هذه الروائع الشعبية في مجتمعات مختلفة، والعالم كله من خلال سيرهم ويحاولون تأكيد هويتهم وقيمهم الأصيلة بينما في المجتمع العربي هناك ندرة في التواصل كادت تصل إلى قطيعة مع التراث الشعبي. وأكد أن السير الشعبية هي فضاء للقيم وأن الإنتاج الفني والجمالي والأدبي المعروف بالسير الشعبية تخلقه الجماعة الشعبية وتتبناه وتضيف قيمها ولا يجب أن نختزل التعامل مع السير الشعبية في قيم سلبية وإيجابية فقط وإنما لابد أن ننظر لها بالتقدير كعمل إبداعي وجمالي بما فيها البعد الدرامي والتفاعل مع الشخصيات. وقال إنه ثبت من خلال الأبحاث والدراسات العلمية للموروث الشعبي أن هناك تأثيراً كبيراً لما تحويه السير الشعبية من قيم في تقدم الأمم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©