الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب وقمة الأميركيتين

21 مارس 2018 21:34
أكد البيت الأبيض الأسبوع الماضي أن الرئيس دونالد ترامب سوف يشارك في قمة دول الأميركيتين الشهر المقبل في البيرو. وبقراره هذا يكون قد اختار السير على درب كل رؤساء الولايات المتحدة الذين سبقوه منذ عهد بيل كلينتون الذي استضاف أول اجتماع لهذه القمة في مدينة ميامي عام 1994. وتعتبر قمة الأميركيتين (أو قمة الدول الأميركية) الاجتماع الوحيد الذي يضم رؤساء الدول في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وكان الرؤساء الذين سبقوا ترامب يتعاملون مع هذه القمة باعتبارها تشكل فرصة مهمة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الدول المجاورة لها. وخلافاً لما كانت عليه حال الرؤساء كلينتون وبوش الابن وأوباما، فإن ترامب سيأتي إلى الاجتماع، وهو يحمل ملفات ثقيلة، وبما يجعل مخاطر الفشل أكبر. وربما تؤدي هذه المشاركة إلى إنهاء حالة الفشل التي واجهت الاجتماعات السابقة عندما كانت الولايات المتحدة تصرّ على تقييده بملفات شائكة مثل الدفاع عن حقوق الإنسان ونشر القيم الديمقراطية وتنشيط العلاقات الدبلوماسية بين الدول المشاركة فيه. ولا شك في أن البيت الأبيض يعلم ذلك، وربما يكون هذا هو السبب الذي يفسّر تأخر الإعلان عن تأكيد مشاركة الرئيس ترامب في القمة. وحتى تستحق رحلة ترامب الجهد المبذول من أجلها، أو على أقل تقدير حتى يتجنّب التسبب بالمزيد من الضرر، فإن على الإدارة الأميركية أن تمعن النظر في الأسباب التي خفّضت من سقف توقعات الخبراء والمحللين في المنطقة بنجاح القمة المقبلة. ولا يمكن أن نعتبر التوقعات المتشائمة المتعلقة بالقمة على أنها ناتجة عن أخطاء ترامب. وكانت كل القمم التي انعقدت خلال السنوات الماضية، قد وصلت إلى طريق مسدود، وللدرجة التي عجزت معها عن الخروج ببيان جماعي حتى ولو لمرة واحدة. ويضاف إلى ذلك أن الدولة المضيفة للقمة المقبلة (البيرو) ضعيفة، وليس لها وزنها السياسي المؤثر، خاصة في عهد رئيسها «بيدرو بابلو كوتزينسكي» الذي يركّز كل جهوده الآن على محاولة تبرئة نفسه من تهم متعددة في قضايا فساد. ويُضاف إلى كل ذلك أن إدارة ترامب بحاجة ماسة لأن تفهم جيداً أن صدقية الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية منخفضة للغاية بسبب شعارات تُفرط واشنطن في ترديدها مثل «مروّجي المخدرات» و«مغتصبي النساء» و«الجدار العازل»، وهي التعابير التي أثارت الكثير من الغضب لدى شعوب أميركا الجنوبية كلها. وبناء على نتائج استطلاعات رأي نظمتها مؤسسة «جالوب»، فإن مؤشر الرضا الشعبي في دول أميركا اللاتينية على سياسة الولايات المتحدة انخفض بشكل كبير منذ نهاية عهد إدارة أوباما. واقتصر عدد الأميركيين اللاتينيين الذين عبروا عن رضاهم عن سياسة ترامب وإنجازاته إلى 16 بالمئة فقط، وهو معدل أقلّ من نسبة رضا اللاتينيين المقيمين في الولايات المتحدة. ووصلت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمكسيك إلى أسوأ حالاتها عندما خرجت المكالمة الهاتفية التي جرت الشهر الماضي بين ترامب والرئيس المكسيكي «إنريكو بينيا نييتو» عن إطارها الدبلوماسي. وفيما يتعلق بالبرازيل، فهي تُعد الدولة الأكثر تأثراً بقرار إدارة ترامب بفرض الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من الفولاذ. وبالتأكيد هناك الكثير من الدول المتخوفة من إمكانية تصعيد ترامب للحروب التجارية في المنطقة. وبالرغم من أن العديد من قادة دول أميركا اللاتينية آثروا الإبقاء على مسافة تفصلهم عن الرئيس ترامب، فإن من المحتمل أن تشهد القمة مفاجأة كبيرة تتمثل بلقاء قمة بينه وبين الرئيس الكوبي راؤول كاسترو على هامش الاجتماع. والمكسب المثالي الذي يمكن للولايات المتحدة أن تخرج به من الاجتماع يكمن في اتباع سلوك هادئ يمكن أن يُسجّل لها. وفي الحقيقة، هذه هي الفرصة المناسبة للرئيس ترامب لأن يغلّب رغبته في السكوت على رغبته في الإفراط بالكلام حول أي من المواضيع والملفات التي سيتناولها الاجتماع. ويجب الانتباه أيضاً إلى أن شعار «أميركا أولاً» الذي يطرحه ترامب يحمل في طياته معنى التدخل في شؤون الآخرين، وهو التوجّه الذي يرى فيه الأميركيون اللاتينيون وكأنه دبلوماسية مسمومة على شاكلة تلك التي طرحت في عهد الرئيس جيمس مونرو أو ما يعرف باسم «نظام مونرو». ولن يتمكن ترامب من الحصول على تنازلات حقيقية من خلال التمسك بالصوت العالي والتشدد في الخطاب فيما يتعلق بالملفات التجارية أو التعاون الأمني أو الهجرة أو بالأزمة التي تعصف بفنزويلا. وتتطلب معالجة الوضع المتأزّم في فنزويلا جرعة مكثفة من الدبلوماسية الهادئة، خاصة من طرف رؤساء أميركا اللاتينية. وإذا أراد الرئيس ترامب فرض المزيد من العقوبات ضد نظام الرئيس نيكولاس مادورو، فإن من الأفضل له أن يترك الفرصة للدول الأخرى في المنطقة لتدير الحوار، وأن يستمع لما يقوله قادتها بعناية. وذلك لأن تلك الدول هي الأكثر تضرراً من الأزمة، ويجد قادتها الآن أن من الضروري العمل بجدّ لحل هذه المشكلة ولكنهم يخافون أن تفسد الولايات المتحدة عليهم جهودهم. *باحث في العلاقات بين دول الأميركيتين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©