الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القهوة الإماراتية.. سلوك ومزاج ثقافي خاص

القهوة الإماراتية.. سلوك ومزاج ثقافي خاص
9 مارس 2014 23:56
جهاد هديب (أبوظبي) - شكلت القهوة العربية، وما زالت، عادة وسلوكاً ثقافياً يومياً في حياة الإنسان العربي وخاصة البدوي، وذلك لما لها من تداخل في السلوك والثقافة والأعراف، في العادات والتقاليد الاجتماعية، حيث لتقديمها فن، ولقبولها فن، وفي حضورها تتخذ قرارات ومواقف. في مهرجان قصر الحصن الذي اختتم مؤخراً بأبوظبي، تواصلت يومياً ورشة عمل حول صناعة القهوة التقليدية العربية الإماراتية بأنواعها المختلفة وفن تقديمها مصحوبة بعزف على الربابة، لتشير إلى أي مدى تتدخل البيئة المحيطة بالإنسان بمختلف عناصرها في تشكيل وعيه لذاته وعلاقته بمحيطه الذي تتعين فيه الأشياء الحيّة والجامدة وتداخلاتها مع السياقات الاجتماعية وتفاصيل الحياة اليومية المرتبطة هنا بحياة البدوي كثير التنقل، ليس في الإمارات وحدها بل في مختلف بقاع شبه الجزيرة العربية. «الاتحاد» تواجدت في تلك الورشة والتقت مع ريم المنصوري، المتحدث الرسمي لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ومعدة في البرامج الاجتماعية – قطاع الثقافة، لتحاورها حول المفهوم الثقافي للقهوة، وحضورها في المجتمع الإماراتي، حيث قالت: «لم تأخذ القهوة العربية في المجتمع البدوي قيمتها الرمزية فقط لأنها تُصنع من مجموعة من الحبوب والمواد التي يمكن جلبها من خارج هذه البيئة، البن، وإضافة ما أمكن من الحبوب الأخرى التي تتم معالجتها بطريقة معينة من البيئة المحيطة، بل أضف إلى ذلك أن القهوة بحكم التداخلات الثقافية والاجتماعية أصبحت سلوكاً يومياً يتداخل مع علاقة الإماراتي بنفسه وبمجتمعه». عادات وأضافت: «لقد انتقل هذا السلوك الثقافي من المجتمع البدوي ليطال المجتمعات الأخرى، إذ تقريباً باتت تسود العادات نفسها المرتبطة بالسلوك الاجتماعي مثل الطلب للزواج أو سواه، وهي عادات ما زالت مستمرة حتى اللحظة بشكل أو بآخر مع البعض من الاختلافات التي أملتها الظروف التي أحدثت تغيراً في مجمل السياقات الاجتماعية في دولة الإمارات». وأكدت أن القهوة اتخذت مكانتها هذه منذ القدم «لأن الناس في ما مضى لم تكن لديهم الإمكانيات الكافية للتعبير عن كرمهم الفطري ومحبتهم للضيف سوى القهوة، فكان على الأقل يجري تقديم القهوة لهذا الضيف، ومن هنا جاءت بعض العادات المصاحبة لتقديم القهوة ذات المغزى الاجتماعي من قبيل تقديمها للضيف باليد اليمنى وهزّ الفنجان في حال اكتفى الضيف بفنجان واحد». واستطردت ريم المنصوري في هذا السياق: «لا يُسأل الضيف عن مَنْ هو ولا عن سبب زيارته ولا عن وجهته أو الجهة التي جاء منها إلا بعد أن ينتهي من شرب القهوة التي ينبغي أن تكون دائماً متوافرة في مجلس البيت ويكون متوافراً لها رجل يعمل على خدمتها فلا تخمد نارها أو ينطفئ جمرها لأن القهوة ينبغي أن يتم تقديمها دائماً ساخنة وطازجة وعسيرة على الشرب دفعة واحدة». وعزت ذلك لأن «طبيعة الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، وخاصة لجهة العلاقة بين القبائل البدوية بعضها ببعض، قد حتّمت هذا النوع من السلوك الثقافي، ما يعني أننا نتحدث الآن عن شيء ما ارتبط بالسياق التاريخي للتطور الاجتماعي في الإمارات، وفي الخليج العربي إجمالا». ومن بين العادات الأخرى التي ارتبطت بالسلوك الاجتماعي ثقافياً أشارت ريم المنصوري إلى ذلك الموقف من صاحب البيت إذا جرى تقديم القهوة في مجلسه باردا إذ ينم ذلك عن عدم احترام للضيف، فيوصف المضيف بأن «خاله مو معدل» أو «خاله مو مسنع» في إشارة إلى أن أمّه لم تُحسن تربيته جيداً لكن تُردّ الصفة للخال لأن المجتمعات البدوية إجمالا تحترم المرأة لذلك من غير الممكن أن تكون مسؤولة عن تصرف غير مسؤول. وقد جرت العادة أن يتم تقديم القهوة بكمية ضئيلة في الفنجان أما إذا تمّ تقديم الفنجان ممتلئاً للضيف فذلك لطيف تعبير عن عدم رغبة المضيف في استقبال الضيف لأمر ما وبالتالي يطلب منه إنهاء زيارته بأسرع ما يمكن. القهوة والتمر وقالت المنصوري: «لقد ارتبط تناول القهوة بالتمر إذ يُقدَّم للضيف سابقاً على القهوة، وهذا نوع من التعبير عن الكرم تجاه الضيف، إذ أن التمر هو من نتاج البيئة المحلية للجزيرة العربية والمتوافر دائماً بالتالي من غير الممكن لكريم طبع ونفس أن لا يقدمه لضيفه، كما أنه لم يكن لدى تلك المجتمعات سوى التمر وليس الفاكهة كما هي الحال في بلاد الشام مثلا، «مخدومكم غير مخدومنا». مواقف اجتماعية أما على المستوى الاجتماعي الأوسع وعندما يحدث هناك تداخل بين القبلي والسياسي في السياق الاجتماعي العام فإن ما هناك يوصف به فنجان القهوة: الفنجان الأول للضيف، وهو الفنجان الذي يعبر عن الضيافة في سياقها الطبيعي من قبل المضيف، فإذا لم يهز الضيف فنجانه معلناً الاكتفاء، فيُدار له فنجان تالي «والفنجان الثاني للكيف»، أي أن الضيف قد استحسن القهوة التي هي تعبير عن محبة أهل البيت له ومدى كرم ضيافتهم، وإن لم يهزّ الضيف فنجانه للمرة الثانية طالباً المزيد، فإن الفنجان هنا «الفنجان الثالث للسيف» أي أن الضيف هنا يتحمل المسؤولية الأخلاقية في حال تعرض قوم المضيف لغزو أو سوى ذلك من الأخطار ولم يهب لمساعدتهم أو نجدتهم فيوصف عندها بأقذع الأوصاف ويذهب تخاذله نكثه لعهده لمضيفه مثلا بين الناس فينبذ ولا يعود يصدقه أحد. أما عن حال القهوة اليوم في المجتمع الإماراتي، فرأت المنصوري أن العادات ما زالت مستمرة، إذ أنها على مستوى العائلة فإن الأب «يتقهوى» أولا من قبل الأبناء، وغالباً ما يكون الأكبر من بينهم أو من إحدى بناته، أيضاً استبدل الكثيرون النار والجمر بالغاز الذي في المطابخ حيث ترك ذلك فرقاً واضحاً في الطعم». وعن الجيل الجديد من الشبان والشابات الإماراتيات تجاه تلك العادات المرتبطة بالقهوة وطرائق تقديمها وإدراك المعنى الاجتماعي لهذا النوع من السلوك الثقافي، قالت ريم المنصوري: «ما يؤكد أن هذا السلوك سوف يستمر، هو أن الشباب والشابات يسعون جميعاً إلى إبراز أنفسهم في مجتمعاتهم المحلية عبر إقامة صلة أكيدة بهذا السلوك وفهمه جيداً، خاصة وأن هذا السلوك لا يمكن تعلمه في مدرسة مثلا، بل يجري اكتسابه اجتماعياً». وختمت ريم المنصوري حديثها لـ«الاتحاد» بالقول: «لقد بدأت معرفتنا، نحن الجيل الشاب من الإماراتيين، بالقهوة وما يرتبط بها مع الأعياد، فكان مثيراً للفضول بالنسبة إلينا التعبير الحركي لساقي القهوة والمضيف فنسأل عن ذلك كبار السن الذين يشرحون لنا ذلك، أيضاً ارتبط شربها بالانتهاء من صلاة العصر عندما تجتمع العائلة. ولا أبالغ إن قلت لك إن العديد من الزملاء يجلبون معهم من بيوتهم «رسلان» القهوة حديث الصنع لممارسة هذه العادة اللطيفة في أماكن عملهم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©