السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مبيكي··· تحالف غير مشرف مع موجابي

مبيكي··· تحالف غير مشرف مع موجابي
14 مايو 2008 01:22
الميل إلى مقارنة بين أحداث سياسية معاصرة وأحداث وقعت في عهد النازي يعيد إلى الأذهان تلك الفرضية التي يعتنقها الكثيرون ومؤداها أن كل من كان صديقاً للنازيين، هو نازي مثلهم· وعلى الرغم من أنني لست من المؤمنين بتلك الفرضية، فإنني عندما رأيت صورة الرئيس الجنوب أفريقي ''تابو مبيكي'' وقد تقلد طوقاً من الزهور، وراح يبتسم ابتسامة عريضة، وهو يصافح ديكتاتور زيمبابوي ''روبرت موجابي''، فإنني لم أستطع منع نفسي من عقد مقارنة ذهنية بين هذه الصورة وصورة رئيس الوزراء البريطاني ''نيفيل شمبرلين'' وهو يلوح بنسخة من اتفاقية ''ميونيخ'' التي وقعها مع هتلر عام 1938 أمام آلاف الأشخاص، متباهياً بأنه قد حقق'' اتفاقية سلام العصر''· واستمرار الرئيس الجنوب أفريقي، الذي قال الشهر الماضي إنه لا توجد أزمة في زيمبابوي في مصافحة موجابي، بمثل تلك السعادة الغامرة، يبدو من وجهة نظري، كأنه تخلى عن مسؤوليته الأخلاقية باعتباره رئيساً لدولة ديمقراطية· وفي الوقت الذي يقدم فيه ''مبيكي'' غطاء دبلوماسياً لديكتاتور زيمبابوي، فإن بلطجية الأخير المسلحين يجوبون المناطق الريفية في هذا البلد وهم يهددون ويعذبون ويقتلون الأشخاص الذين يعتقدون أنهم قد صوتوا للحزب المعارض ''الحركة من أجل التغيير الديمقراطي'' في الانتخابات· وهذه الحركة تزعم في الوقت الراهن أن هناك 25 من أنصارها، قد تعرضوا للتصفية، وأن 40 ألفا غيرهم أجبروا على الخروج من ديارهم منذ الانتخابات البرلمانية في التاسع والعشرين من مارس الماضي، وأن النظام قد أقدم على اعتقال الصحفيين، وزعماء نقابات العمال، وأعضاء اللجنة الانتخابية الوطنية المنوط بها التحقق من نتائج الانتخابات· ليس هذا فحسب، بل إن عضواً في المكتب السياسي الحاكم هدد بشن الحرب ضد شعب زيمبابوي بشكل مبطن حينما قال في تصريح لصحيفة ''نيويورك تايمز'' الأسبوع الماضي: ''لقد قررنا منح الزيمبابويين فرصة ثانية لإصلاح أمورهم، والتصويت بصورة سليمة، وهذه هي الفرصة الأخيرة التي سنمنحها لهم''· وفي الوقت الذي ينظر فيه العالم إلى جنوب أفريقيا باعتبارها أقوى دول المنطقة نفوذاً من الناحية الاقتصادية، فإننا نرى ''مبيكي'' يقف متفرجاً لا يُحرك ساكناً ضد ''موجابي''، لا بل يمده بالكهرباء بأسعار مخفضة، ويتجنب توجيه كلمة نقد إليه، ويقف إلى جانب روسيا والصين في موقفهما الرافض لإرسال مبعوث تابع للأمم المتحدة لتقصى الحقائق، وتقديم تقرير عن أحداث العنف التي تلت إعلان نتيجة الانتخابات، وهو ما ساهم كله في مفاقمة الأزمة السياسية والإنسانية في هذه الدولة· ولكن ما الذي يدعو ''مبيكي'' إلى التصرف بهذه الطريقة؟ من المعروف أن الأحزاب التي انبثقت من حركات التحرر الوطني هي التي تحكم حالياً في معظم الدول الواقعة في جنوب القارة الأفريقية مثل موزمبيق، وناميبيا، وزيمبابوي، وجنوب أفريقيا· وغالباً ما يرتبط قادة هذه الأحزاب والحركات التي قادت حركة المقاومة ضد الاستعمار ومنهم مبيكي وموجابي ببعضهم بعضاً برباط وثيق، وغالباً ما يتحالفون مع بعضهم عندما يتعرضون للتهديد· وزعماء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا يخشون ما يطلق عليه ''تأثير الدومينو''، أي أن يؤدي سقوط حركة تحرر وطني شقيقة إلى سقوط جميع النظم المماثلة· ''إذا ما سقطت حكومة تلك الحركة في زيمبابوي، فإن جنوب أفريقيا ستكون هي التالية''، كما يقول المؤرخ الجنوب أفريقي ''آر دبليو جونسون'' في مقال نشرته مجلة ''لندن ريفيو أوف بووكس''· وهناك كاتب آخر هو ''بليسنج مايلز تيندي'' الذي يكتب في ''الجارديان'' البريطانية، قدم تبريراً مختلفاً لتقاعس ''مبيكي'' عن اتخاذ إي إجراء قد يغضب ''موجابي''، وهو أن الأول يدين للثاني بدين سياسي، وذلك عندما امتنع ''موجابي'' عن الاستيلاء على المزارع التي يمتلكها المزارعون البيض في موزمبيق في تسعينيات القرن الماضي بسبب الضغط الذي مارسته عليه جنوب أفريقيا، التي كانت تحاول إقناع الأقلية البيضاء في ذلك البلد بأنهم لن يفقدوا أراضيهم في أي ترتيبات يتم اتخاذها في عهد ما بعد حكومة الفصل العنصري· وهناك إلى جانب ذلك تعاون عسكري وثيق بين القوات المسلحة في البلدين إضافة إلى عضويتهما في كل من ''الاتحاد الأفريقي''، وما يطلق عليه ''تجمع التنمية الجنوب أفريقي وهو تجمع اقتصادي· كان أمام ''مبيكي'' الفرصة في أعقاب انتخابات 29 مارس الماضي، كي يدعو لانتقال سلمي للسلطة في زيمبابوي، ولكن علاقته الوثيقة بنظام ''موجابي'' ونفوره من حزب''الحركة من أجل التغيير الديمقراطي'' المعارض بسبب التأييد الذي تحظى به من الدول الغربية الاستعمارية السابقة، كان هو الذي دفعه إلى تأييد ترشيح وزير المالية السابق المنشق عن موجابي''سيمبا ماكوني'' كخيار ثالث بديل عن ''الحركة من أجل التغيير الديمقراطي''· وهناك عامل آخر يعقد وضع ''مبيكي''، وهو أنه يواجه معارضة شديدة من نقابات العمال في بلاده التي تعارض إصلاحاته الاقتصادية، والتي تصطف مع الاتحاد الشقيق لها في زيمبابوي الذي يعارض ''موجابي'' وانتصار المعارضة في زيمبابوي سوف يشجع نقابات العمال في جنوب أفريقيا على المزيد من التصدي لسياسات مبيكي· على الرغم من سوء السمعة الذي لحق بدوره كوسيط ، لا يزال بمقدور مبيكي عمل بعض الخير· فهو يستطيع -على أقل تقدير- مطالبة ''موجابي'' بإيقاف العنف المستمر الذي يمارسه نظامه ضد شعبه كما يمكنه تهديد هذا النظام بقطع إمدادات الكهرباء عنه إذا لم يلتزم بذلك· يمكنه أيضاً مطالبة ''موجابي'' علناً بالتنحي عن الحكم· وإذا ما كان يرى في ذلك نوعاً من المبالغة من جانبه، فيمكنه على الأقل أن يضغط على ''موجابي'' كي يسمح للصحافيين ومراقبي الانتخابات من الدول الحرة (وليس فقط هؤلاء القادمون من الصين وإيران وفنزويلا) بمراقبة انتخابات الإعادة· أما في حالة رفضه إنجاز هذه المهام السهلة للغاية، فإن ''مبيكي'' سيفضح نفسه باعتباره زعيماً لا يبالي بالآخرين وهو ما يجعله بالتالي يتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية الأخلاقية -على الأقل- عن مأساة زيمبابوي· جيمس كيرتشيك مساعد رئيس تحرير مجلة نيوريبابليك الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©