الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإصلاح العربي: ضغوط الحاضر ونداء المستقبل!

14 ابريل 2010 21:20
سيطر تعبير الديمقراطية على الخطاب العربي في السنوات القليلة الماضية. ولو عدنا قليلا إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لوجدنا أن هذا التعبير لم يكن حاضراً بقوة، بل لقد سيطر التشاؤم على آفاق وفرص قيام ديمقراطية في بلاد العرب. واليوم يعود التعبير إلينا بقوة في ظل تطورات إقليمية وعربية كبيرة. ففي العراق تجربة جديرة بالمتابعة لقيمتها السياسية والإنسانية. وفي الكويت تجربة جديرة بالتقدير وبنكهة عائلية قبلية دينية. وفي لبنان ديمقراطية بنكهة طائفية لكنها جديرة بالتقدير أيضاً. وفي مصر إرهاصات كبرى مع عودة البرادعي. وفي المغرب تحولات، وفي الأردن تساؤلات، كما في سوريا ربيع هادئ. وفي السعودية ملك مصلح، ولكن الأهم: المجتمع السعودي يخوض تجربة تساؤل ربما تكون الأجرأ في تاريخه وفي العالم العربي في هذه المرحلة. إننا في الطريق لشيء جديد سيأخذ وقتاً لينمو ويزدهر ويكشف عن وجهه. إن العالم العربي من أكثر الأماكن التي كانت تعاني من الجمود السياسي. لقد سيطر في البلاد العربية حكم الجهات النافذة قبل حكم المعلومات والعلم، وحكم القوة قبل حكم الحكمة، وحكم العشائر قبل حكم المؤسسة والدولة بصفتها مساحة للجميع. وفي النهاية اصطدم النظام العربي برمته بعرض الحائط وعتباته وهو لا زال يقف عند الحائط ذاته غير قادر على التحرك خطوة واحدة إلى الأمام. والراهن أن عصر الإصلاح سوف يبرز من هذه الظروف الصعبة. ولكن مراحل التحول الإصلاحي والديمقراطي لن تكون ممكنة بلا مجتمع يحمل رؤى متنوعة. والأساس الذي نحتاجه في هذه المرحلة هو فتح المساحة للجميع، وفتح المجال للكلمة المضادة. ويجب التخلص من عقد الخوف من الكلمة الحرة والرأي الصريح والنقد. فمنذ متى يساعد هذا الخوف الأمم على التطور؟ بل إن التجربة الإنسانية برمتها تؤكد أن التطور ارتبط بحرية الكلمة أولا. صحيح أن البعض قد يسيء فهم الحرية واستخداماتها، وهذه حجة قد تُستخدم لمصادرة الحرية. ولكن توفر الحرية يطور المجتمع برمته، فكيف نمنع الهواء وهو أساسي لحياتنا. إن منع شيء لأنه يستخدم بصورة سلبية من قبل أقلية صغيرة يساوي منع السيارات لأن البعض يستخدمها أيضاً بصورة سيئة مما يسبب الحوادث لألوف الناس. إن الإصلاح القادم ينبغي أن يأتي بصورة مبادرات من قيادات بعض الدول العربية. فهذا هو أفضل أنواع الإصلاح لأنه يأتي من القمة ويساهم في إحداث تغيير هادئ وسلمي. وقد حصل هذا النوع من الإصلاح في كل من إسبانيا والبرازيل في السابق. ولكن في ظـل غياب هذا النوع من الإصلاح قد تكون هناك مرحلة من التذمر في الشارع قد تؤدي للبدء في الإصلاح في ظل تحديات تأتي من الشارع كما حصل في كوريا الجنوبية وبولندا، وإن لم يقع هذا يخشى أن يكون هناك عنف وربما ثورات في بعض الدول كما حصل في تشيكوسلوفاكيا والبرتغال. ولو لم يقع أي من هذا قد تتراجع دول وتنفرط كما ينفرط عِقد مودياً بحقوق الناس ومصالحها واستقرارها، وقد رأينا هذا في يوغوسلافيا وفي الصومال حيث تفشت الحرب الأهلية لسنوات. إن علينا أن نحاول تفادي التجاذبات في المرحلة القادمة لأنها مؤلمة ونتائجها سلبية على المجتمع كما حصل في جميع الثورات التي عرفها التاريخ. ولكن بنفس الوقت علينا تفادي الجمود لأنه يوصلنا إلى حالة الدول الفاشلة. إن الإصلاح الذي تبادر به قيادات في الأنظمة أو تبادر به قيادات من خلال احتجاج سلمـي ويتم بنـاؤه خطـوة خطـوة قد يمثل الخيار الأفضل في ظل الواقع العربي الراهن. فهناك جيل عربي جديد يتشكل في ظل التكنولوجيا الجديدة وفي ظل الإنترنت و"اليوتيوب" و"الفيس بوك"، وهو نفس الجيل الذي يكتشف أن وطنه قد صودر، بل قد يكتشف الجيل الجديد أنه يفتقد المكان ويفتقد المستقبل والعمل. إنه جيل متفاعل لا يمكن استبعاده بأنظمة مركزية وأساليب عمل تحتكر السياسة هو جيل التغيير ووسيلة الإصلاح. وهو ذات الجيل الذي يخشى أن يتحول نحو التطرف عندما يحبط ويجد أن فرص الإصلاح ابتعدت. وحتى اللحظة فالعالم العربي يعيش مأزق السياسة، والسلطة واحتكارها ورفض تداولها، والرأي والحد منه. وأخطر من ذلك أن العالم العربي يمعن في الطائفية والقبلية ومصادرة مستقبل أجياله الصاعدة إلى الحد الذي يخرجه من العصر والزمن. هذا بينما صراع العصر هو صراع التجديد، وسيتعمق بين من يسعون لبناء دولة القانون والمساءلة والتداول للجميع. شفيق الغبرا - أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©