الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ست خصائص لشعراء الحداثة

ست خصائص لشعراء الحداثة
14 ابريل 2010 19:59
يحاول الناقد عصام شرتح أن يطرح إشكالية بغاية الأهمية على الساحة النقدية، ألا وهي دراسة النصوص الحداثية بمصطلحات بلاغية قديمة، حيث يعتبر أن تلك المصطلحات ساهمت بشكل أو بآخر في تجميد فضاءات القصيدة الحداثية، وقتل مظاهر جماليتها، من خلال صرامة المعايير والتأطير المسبق للتجربة الشعرية في قوالب محنطة مصنوعة لها سلفاً، قبل الدخول إلى عوالمها وفضاءاتها الدلالية الممتدة. هذا الطرح جاء في كتابه “مسار التحولات في فضاء القصيدة الحداثية” الصادر حديثاً عن دار الينابيع بدمشق، وهو يتوقع أن تجد آراؤه واستنتاجاته معارضة أو جدلاً صاخباً من قبل جمهرة من النقاد (المتزمتين) الذين يجدون في كل مصطلح جديد محاولة لانتهاك المصطلحات التراثية القديمة، ويستبق المؤلف هذه المعارضة ليؤكد أن همه الشاغل كان إيقاظ روح التجديد والمعاصرة في طرح مصطلحات نقدية جديدة تفي بحجم التغيرات الحادثة في بنية القصيدة الحداثية في الآونة الأخيرة من دون المساس بالمصطلحات القديمة أو الحط من شأنها، فلكل دوره، ولكل أهميته، تبعاً للعين الناقدة التي تتحسس أبعاد التجربة الشعرية وتكشف المسكوت عنه في باطن النص. ويرى المؤلف أن هناك اختلافاً في مسار تحولات القصيدة العربية الحداثية من تجربة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، لأن لكل تجربة شعرية مساراً خاصاً بها لا يحايثه فيها أحد. بمعنى أن لكل تجربة شعرية ناموسها الخاص، ومثيراتها ومقوماتها الجمالية الخاصة بها، والتي قد لا تتوافر في تجربة أخرى. وقد ركز المؤلف في بحثه على التحليل والتطبيق، واستقصاء التجارب والنصوص الشعرية العربية المدروسة من حيث السمات والمقومات والخصائص البنائية أو الجمالية، التي تحكم مسارات النصوص الحداثية على اختلاف أشكالها ومدارسها وطرائقها التعبيرية، حيث عمد إلى مقارنة النصوص الشعرية مقارنة دقيقة تكشف عن التمفصلات الشعرية التي تحكم سيرورتها. شعراء السبعينات في الفصل الأول من الكتاب تناول المؤلف الشعرية عند شعراء السبعينات من القرن الماضي، واختار لدراسته منهم نزيه أبو عفش وعبد القادر الحصني وياسين الأيوبي وعصام ترشحاني. وهو يبدأ فصله باستنتاج مثير يتمثل في أن لغة الحداثة اخترقت حواجز اللغة وحطمت كل القواعد القارة في الذهن البشري من اختراقات غير مألوفة وتجاوزات غير معهودة سواء أكان ذلك على مستوى الشكل أم الفضاء النصي أم على صعيد المضمون والبنية النصية الداخلية، إذ إن النص الشعري الحداثي نص معقد متشابك لا يمنح معناه بسهولة ولا يهب نفسه في يسر، بل لا يستنفد معانيه تفاسير عدة، وهو متمثل في كل تفسير، غير متضمن فيه، بدرجة تحول من دون إعادة القراءة. إن كل قراءة تشكل جزءاً من المعنى اللا نهائي، وتعكس قدرة القارئ على النفاذ إلى عالمه. أبو عفش نموذجاً يستعرض المؤلف تجربة الشاعر السوري نزيه أبو عفش باعتباره صوتاً من أقوى الأصوات السورية الشعرية الناضجة، فيقول: شعر أبو عفش يخترق جدار الزمان بين التميز والإبداع، والتعبير والتجريد، فهو قد يفتح نافذة مواربة على تجارب الواقع الخارجية، لكنه لا يلبث أن يغطيها، لا بزجاج شفاف، وإنما بمرايا عاكسة، تجعلك حيال مجموعة من التقنيات التخييلية الكثيفة مشتتاً متردداً لا تستقر على معنى واحد، ولا تدرك قصد الشاعر، فتعود إلى نفسك تستل منها روح الشعر، وتستصفي دلالته، كأنك تنظر في المرآة، ذلك لأن إشاراته موزعة، عصية على الانتظام السريع في حكاية مفهومة، واختراقاته قاسية صادمة غير مألوفة، لكن حفاظه على الأبنية الإيقاعية وتشكيله لعالم شعري كلي متوازن يفرضان على قارئه أن يأخذه بجدية حقيقية. وبعد أن يستعرض نموذجاً شعرياً له متمثلاً في قصيدة (النفق) يستنتج أن أبرز ما نجده في شعر أبو عفش تراكم الأسئلة، إذ إن صناعة الأسئلة من أهم أدوات الشعر الصافي، فبعده عن التقرير النثري لا يكمن فقط في قدرته على تضفير الصور وتحفيز التخيل، وتنشيط الطاقة الخلاقة لمتعاطيه، وإنما يتمثل هذا البعد أيضاً في طرح الاستفسارات ـ الحقيقية والمجازية ـ عن الذات والآخر، عن الطبيعة والإنسان، عن منظومة الكون الشاملة، فخلف كل ثنية من الوجود يتراءى ألف سؤال عن ماضيها وحاضرها، علاقاتها وغياباتها، وفي ضباب هذه الأسئلة تنبت عروق الشعر، وتبرز عناصر جودته، فالشعر لا يستوطن اليقين المصمت ولا الإجابات المسبقة، بل يعيش دائماً في هذه المنطقة المتراوحة بين الصمت والنطق، بين السؤال والإجابة. ويلفت الناقد شرتح إلى البناء السريالي الذي يعتمده أبو عفش في قصائده، شأنه في ذلك شأن شعراء السبعينات والخمسينات كمحمد عمران وأدونيس وفايز خضور وعبد القادر الحصني ومحمد الماغوط. كما يشير إلى الصور العبثية في شعر أبو عفش والتي تجسد حالة الذات المصدومة في واقعها، مؤكداً أن الشاعر يعمد أن يكون شعره عبثياً ذا بنية تعبيرية وأدائية ترتبط ارتباطاً كلياً بالموقف الشعوري والوجداني الذي يعبر عنه الشاعر. نماذج ونتائج ويتناول الكتاب بالدراسة والتحليل تجارب الشاعر السوري عبد القادر الحصني والشاعر اللبناني ياسين الأيوبي والشاعر الفلسطيني عصام ترشحاني من جيل السبعينات، كما يتناول شعراء الثمانينات فيتطرق إلى تجربة نزار بريك هنيدي ونضال بغدادي والشاعر العراقي ناهض حسن ومحمد صابر عبيد والأردني محمد ضمرة والتونسي منصف الوهايبي. ويخصص المؤلف الفصل الثالث من الكتاب لشعراء التسعينات من القرن الماضي، فيبدأ بالشعرية وإثارة المستوى الدلالي عند الشاعر السوري توفيق أحمد، لينتقل إلى شعرنة الديالكتيك عند السوري عابد إسماعيل، وبلاغة الصورة عند السورية مناة الخير، ثم يتوقف عند شعرية الصورة عند خليل موسى. ويختتم عصام شرتح دراسته القيمة باستخلاص ست حقائق. الأولى: أن أغلب شعراء الحداثة تحتفي قصائدهم بالتلغيز الذي يعتمد إيقاع التشظي والانكسار والتوتر. والثانية أن القصيدة الحداثية حاولت أن تكسر حاجز اللغة من خلال العبث بمدوناتها التشكيلية، وهو ما أكسبها دلالات جديدة وإيحاءات متعددة التوليد الدلالي. أما الحقيقة الثالثة فهي أن القصيدة الحداثية فجرت تقنية التراكم، من خلال تراكم المشاهد والصور بكثافة عالية. والحقيقة الرابعة هي أن من سمات الحداثة الشعرية (فانتازيا العناوين)، بحيث يأتي العنوان ترسيمة نفسية من ترسيمات التخييل الشاعري المغرق في التجريد والفانتازيا التشكيلية. وتتمثل الحقيقة الخامسة في أن القصيدة الحداثية تحتفي بالرموز الصوفية، وتنزلق بها من دلالة إلى أخرى. أما الحقيقة السادسة التي يستخلصها عصام شرتح في خاتمة بحثه فهي أن القصيدة الحداثية استعاضت عن الإيقاع الصوتي بالإيقاع البصري أو المشهدي من خلال قصيدة الومضة أو قصيدة المشهد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©