الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القماش والبعد الدرامي

القماش والبعد الدرامي
14 ابريل 2010 19:46
من هو مصمم الأزياء في الدراما؟ إنه ذلك الشخص الذي يصنع الأزياء أو الملابس المسرحية، وهذا تعريف في غاية البساطة، فهو يفعل ذلك وأكثر منه، فهو خياط ومصمم وفنان أيضا يخطط للعرض المسرحي من خلال الألوان والخطوط والتصاميم المرتبطة بالأحداث وبشرة الممثل وموقع الإضاءة على الخشبة، وبشكل مثالي يجب دائما اعتبار تصميم الأزياء ضمن وحدة الإنتاج بمعنى أن الزي المسرحي لا يتواجد وحده في مفردات المهمات المسرحية أو لواحق العرض، بل هو جزء هام من شكل فني معقد. يقول جيمس لافر: إن مصمم الأزياء طالب يحدق في الرسم الزيتي المعبر عن الفترات التاريخية المتسلسلة وهو أيضا معلم يشرح أساليب ومهارات مهنة صناعة الملابس، ويمكننا القول إنه أيضا ممثل، فعليه أن يندمج خياليا بدور كل شخصية في محاولة منه لفهم حاجات الأفراد والرغبات التي تدفعهم، وما هو نوع الملابس التي يميلون إلى ارتدائها، وأخيرا فصانع الملابس محب للمسرح ورسالته وكل ما يرتبط فيه من عناصر، وليس فقط رائحة الدهان الزيتي، بل أيضا التوتر المثير الذي يشعر به ليلة افتتاح العرض المسرحي والصمت الكامل خلف الكواليس عند بدء العرض، وارتفاع رنة الضحك المنبعثة من صالة المتفرجين والتعب المصاحب للنصر عند الانتهاء من كل عمل تم إنجازه بشكل مثالي، فصانع الملابس يستخدم القلم والإبرة والخيط والمكواة والخيال والذوق والحب لإنجاز مفردة من لواحق العرض تسهم في إنجاحه بصورة مذهلة. في حين يقول الناقد المصري الدكتور إبراهيم حمادة: أما في العصر الحديث فإن الرغبة في تحقيق واقعية الزي التاريخي والجغرافي والاجتماعي للشخصيات لم تمنع مصممي الأزياء من إيجاد مفاهيم جديدة لوظيفة الزي المسرحي والاتجاه نحو الخيالية أو الرمزية أو التعبيرية أو إلى أي مدرسة من مدارس المسرح الجديدة. الزي والجمهور الزي يستطيع أن يتكلم مع الجمهور بكلمات صامتة وهو أيضا يستطيع أن يبعث بعدة أفكار، كما أنه يستطيع أن ينشئ الزمان والمكان لغايات خلق الإيهام المسرحي، أو إيهام العمر، أو يعبر عن انفعال الشباب، كما إن لديه قدره على إقناع الجمهور بان هذا الممثل مفكر منتظم، أو أن تلك الممثلة مشتتة الأفكار، وبقميص كتاني وحذاء حريري وربطة عنق أنيقة وبعض الريش الملون والزخارف للزي طاقة على أن يظهر مكانة الشخصية وتأثيرها في سير الأحداث في المسرحية. ولكي يكون الزي حقيقيا يجب أن يعبر عن النفسية الداخلية لتلك الشخصية، ولكن مع هذا يجب أن نعتمد على الإطار الخارجي أو الجسدي (المادي) للممثل فمن خلال الزي يساعد مصمم الأزياء الممثل على الاندماج في روح الشخصية التي يلعبها على المسرح، ويحقق ذلك عادة عنصر (إدماج) المتفرجين في داخلية وفكر العرض، وهنا قد ينجح التمثيل الذي يؤديه اللاعبون فوق الخشبة إلى درجة تجذب المتفرجين جذبا عاطفيا متكاملا، حتى ليدفعهم هذا الإدماج إلى الرغبة في التدخل في ما يعرض من أحداث، وقد حدث أكثر من مرة في مسرح يعقوب صنوع أن اندمج النظارة (الجمهور) في ما كان يعرض عليهم، وطالبوا بتعديل نص المؤلف بما يوائم عواطفهم. لكن مصمم الأزياء لا يستطيع أن يفعل كل ذلك وحده، فالمنتج بالإضافة إلى طاقمه لا يستطيعون كذلك تحقيق المطلوب بدون الممثل، فهو الذي يتحمل مسؤولية إحياء الزي من خلال استخدام الصوت والحركة، فخلال عملية الإنتاج من الضروري أن يتم تنسيق العمل ليس فقط مع المساهمات الدقيقة للأداء، بل أيضا مع الطاقم التقني، فالمجموعة التي تتطور وتزدهر نتيجة للتبادل المستمر للأفكار وتشجع على التشاور والحوار، سوف تعطي إنتاجا أفضل من مجموعة أفراد يعملون مستقلين. فالمسرح كما هو معلوم عبارة عن مجموعة فنية وقيمة تعابيره تأتي من خلال الجهود المتلاحمة للطاقم الإبداعي، وبالنظر إلى مسرح اليوم نجد الاتجاه نحو (مسرح الجماعة) قويا لاحلال فكرة العمل المشترك بدءا من النص وانتهاء بخطة الإخراج. امتيازات المصمم أين يندمج صانع الأزياء ضمن الطاقم الفني؟ هذه العلاقة من الناحية المهنية مهمة جدا، مثل ما مهم إحضار أفكار جديدة لمشاكل التصميم في مسرحية معينة، فمن الطبيعي أننا سوف نجعل أنفسنا مألوفين للنص المسرحي قبل أن نأخذ مكانا في أي مشاورات مشتركة، ولكن ربما إلقاء نظرة على تنظيم المسرح العادي يجب أن يسبق المناقشة وكيف يمكن أن ندقق وبشكل مكثف في النص من خلال وجهة نظرنا الخاصة، وهنا على مصمم الأزياء العمل على توفير الملابس والإشراف عليها قبل وخلال وبعد العرض، وتوجيه الطاقم أو مساعدي الإخراج نحو طريقة استخدامها وتقنيتها، ولكن بالإضافة إلى ذلك فهو بحاجة لمعرفة مستوى المجموعة التي سيتعامل معها، فتسلسل طاقم الإنتاج في مجموعة المسرح الهاوي أو التعليمي قد لا تكون معرفة بشكل صحيح بالمقارنة مع مكانة نظرائهم في المسرح المحترف، ففي المجموعة الصغيرة فان المسؤولية الوليدة تقع على عاتق المخرج الذي قد يكون في ذات الوقت هو المنتج والمخرج التقني لعرضه. بعد امتيازات المخرج ومصمم المشاهد في تجهيزات العرض تأتي امتيازات مصمم الأزياء في تحقيق العناصر المؤثرة في طريقة اندماج الزي في الهيكل الكلي للعرض، لكن هناك بضع خطوات أولية مثل ترتيب الأفكار والمعلومات حول نوع الزي وذلك بعد قراءة فنية للنص المقترح، فإذا كانت الملابس رثة لامرأة من طبقة متوسطة على سبيل المثال، فعلينا وضع المقترحات اللازمة مثل كيفية خلق تأثير عام، مثل أكمام ممزقة وحاشية متدلية وغطاء رأس منحرف، وقد يساعد إحضار بعض النسخ طبق الأصل أو (اسكتشات) لهذا النوع من الملابس لتحيق عنصر المطابقة. وهنا فان دراسة دقيقة للفترة العامة ومغزى المسرحية وبناء شخصية الممثلين الرئيسيين قد يسهم في وضع الرؤية لدى الصانع قد يؤمن المخرج أنه من خلال الملابس قد يبدو هناك احتقار أو إهانة أقوى للشخصية، فهو ربما يريد بذلك تأكيد صراع الطبقات الاجتماعية أو يود إظهار فرق العمر والمكانة الاجتماعية لدى الشخصية، فالأزياء المؤثرة قد تظهر تلك الاختلافات. إن اختلافا بسيطا في قماش الحاشية قد يظهر أن الممثل اكبر من غيره، وقد يرى مخرج العرض أن أحد الممثلين الثانويين مهم في المسرحية، حتى لو ظهر على الخشبة لفترة قصيرة، وهذا يعني أن زي هذا الممثل يجب أن يتلائم مع تلك اللحظة الدرامية المعنية بتطور الحبكة أو العقدة والموصلة الأحداث بلا شك إلى ذروة التأزم. إن حالة المسرحية متداخلة مع تفسيرات المخرج فهي تمثل محاولة لخلق جو إبداعي عاطفي مناسب لكشف المغزى والتطور الحدثي، وربما لا يكون ذلك ملموسا في المعنى التقني، لذا يجب استخدام عوامل إنتاج حقيقية وملموسة تعكس تلك الأجواء.. هل هي ألوان غامقة؟ أو فاتحة؟ ألوان قوية.. رقيقة.. درجات معتمة تعكس أمزجة معينة أو حالات نفسية للممثلين.. فعلى سبيل المثال أن المزاج في مسرحية مكسيم جوركي “الأعماق الدفينة” هو مزاج اليأس والتعب، وعن الوحدة الحقيقية لفرد في المجتمع، الألوان الغنية قد لا تكون مناسبة، بل يجب أن يستعمل الصانع الألوان الداكنة والدرجات الرمادية، فمن السهل أن نفهم أهمية المزاج في اللبس إذا تخيلت أثر التنافر للمأساة ممثلة في ألوان خفيفة زاهية مثل الأصفر والبرتقالي والأخضر الزاهي بدلا من ألوان قوية أقل درجة مثل البنفسجي والبني والأسود. قد يتغير المزاج بكثرة في إنتاجات مختلفة معتمدا على عناصر المسرحية التي يختار المخرج التركيز عليها فقد يقرر إظهار الدرجات الكوميدية لمسرحية برنار دشو “الأرملة الطروب” وقد يكون رأيه أن رسالة شو قد تنتقل بشكل أفضل للجمهور عن طريق الخفة والرشاقة مع تركيز أكبر على المرح أكثر من الفلسفة وبهذه الفكرة فانه يريد الأزياء أن تنفذ فكرة المرح والدعابة وستكون مسؤولية صانع الأزياء بلورتها إلى هذا المنطلق عن طريق الأقمشة والخطوط والألوان، وقد يعتقد المخرج أن طريقة الجدل عند الكاتب شو أهم من الدعاية والإيحائية الشكلية، وقد يشعر أن الجمهور سيتجاوب أكثر مع الفطنة وحدة الذهن. إنه يخطط الإنتاج التقني ليتجاوب مع قراره، وتبعا لذلك فان صانع الأزياء يتبع خطاه بتصميم الإنتاج على خطوط واقعية أكثر وبألوان أقل شغبا وبهرجة واندفاعية. مظاهر الشخصية في هذا السياق يذكر الناقد المصري عبد الله العيوطي في مقالة له بعنوان الأزياء المسرحية: إن العلاقة بين الزي والشخصية أكثر عمقا، وأقوى صلة من أي شيء آخر، فالزي مظهر من مظاهر الشخصية، وهو لذلك مرتبط بالماكياج والإضاءة والممثل، والأخير يعتبر من أقدم العناصر الدرامية، وقد كانت الأقنعة والماكياج تجتمع في الاحتفالات والرقصات الإيمائية البدائية وهي جذور الدراما في الواقع حتى أن الإغريق الذين لم يهتموا بالمنظر المسرحي اهتماما كاملا، لم يهملوا الأزياء والأقنعة، بل كانا من أكثر العناصر المسرحية المهمة، فالبطل التراجيدي الإغريقي استعمل أحذية طويلة ومرتفعة الكعوب، ثقيلة مع رداء ضخم وفخم طويل حول جسده، وقناعا مرتفعا فوق وجهه لنقل الانطباع بالشخصية سواء كانت لملك أو فارس، ثم أخذ القناع يفقد قيمته في المسرح حتى اختفى تقريبا في زمن شكسبير. وفي نفس الوقت الذي أخذت فيه قيمة القناع تتضاءل، أخذ الممثلون يهجرون الزي المسرحي التقليدي وبدءوا يقدمون كل ما هو تاريخي في ملابس معاصرة وقد استمرت تلك التجربة طوال معظم القرنين 17 و18 فكانوا يقدمون شخصية الملك لير وغيره بنفس الأسلوب إلى تقدم به الفرق الاوركسترالية مسرحية فاوست ودون جوان بملابس السهرة كاملة... نعرف أن الأسلوب أو طريقة تمثيل مسرحية درامية يرتكز على اقترابه من الواقع أنها تحتوي مبدئيا النواحي النظرية أو الإرشادات المسرحية وهي توجيهات المؤلف في مسرحيته، كذلك الجانب البصري للإنتاج ويخص لواحق العرض المسرحي من إضاءة ومناظر وديكورات وحركات وموسيقا وأزياء وأقنعة وإيقاعات وغيرها. وعلى أحد أطراف الميزان تقع المسرحية الواقعية مقدمة وكأنها مقدار وافر قليل من الواقع الحي الذي يراه الجمهور كمشاهد منفصل، هذا هو الحائط الرابع المشهور الذي ابتكره المسرحي الألماني الكبير برتولد بريخت، حيث سمح للمشاهد أن يرى حياة الآخرين، وفي هذا الأسلوب التمثيلي من المسرح سيتجاهل الممثلون الجمهور نوعا ما، واحيانا يوجهون ملاحظاتهم إلى خلف المسرح. في الأعمال الواقعية المختارة غالبا ما تشبه الأزياء المسرحية ملابس الناس العاديين ولكن يجري اختيار وتصميم تلك الملابس وفقا للتأثير المسرحي المطلوب، مع انتباه أكثر للخطوط وهو ما يعكس بطلا مسرحيا مميزا وبسيطا، أما الانطباعية فان أسلوبها يهتم أكثر بالمظاهر منه بالواقع. ويمكن الحصول على التأثيرات الضاربة في العرض المسرحي باستخدام أقمشة ودهانات مخصصة لتحقيق مؤثرات مسرحية تجريدية عالية، هناك خليط من الدهانات الفلورسنتية ومواد قد تستخدم مع الضوء الأسود (فوق البنفسجية) للحصول على إنتاج مصقول حتى بدون الضوء الأسود، أقمشة مثل شبكة النايلون الساتان مع لمعة عالية، الأقمشة المتألقة مع بعض اللمسات والخيوط الذهبية والفضية تلتقط الضوء والريش والبرق الذي توشى به الثياب، شراريب الأقمشة كلها مفردات لو أحسن استخدامها فستكون مصدرا هاما للمؤثرات الخاصة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©