الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما وراء هجوم العدل والمساواة على الخرطوم

ما وراء هجوم العدل والمساواة على الخرطوم
12 مايو 2008 23:36
في اليوم التالي لقضاء الحكومة السودانية السريع على الهجوم الذي شنه متمردو دارفور على العاصمة الخرطوم، كان السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع هو: ما الذي كان يهدف إليه المتمردون من وراء شن هذا الهجوم؟· ففي خلال سنوات الصراع الطويلة في دارفور، كان المتمردون يقصرون هجماتهم عادة على المواقع الحكومية في الإقليم، ولكنهم لم يحاولوا أبداً شن هجوم على العاصمة· كان لدى المتمردين العديد من الأسباب التي تمنعهم عن ذلك منها أن العاصمة الخرطوم محصنة جيداً، بحواجز خرسانية منيعة أمام المطار، وبمدافع من عيار 50 ملم في الشوارع· وكانت العاصمة قد نجت من التحول لحلبة للعديد من الصراعات التي كانت مشتعلة في أجزاء مختلفة من السودان، لأن الحكومة المركزية التي تسيطر عليها كوادر متماسكة من العسكريين العرب الذين ارتبطوا في الماضي بحركات إسلامية، استغلوا أرباح البترول والأسلحة الصينية في بناء قوة عسكرية رهيبة· بالإضافة إلى الحيرة بشأن الأسباب التي دعت المهاجمين المنتمين إلى حركة ''العدل والمساواة'' إلى الهجوم على العاصمة أصلاً، فإن أكثر ما أثار الحيرة والدهشة في ذلك الهجوم، هو كيف تمكن المتمردون من الوصول إلى أطراف العاصمة دون أن يتم اكتشاف أمرهم على الرغم من المساحات الشاسعة التي قطعوها في الصحراء على ظهر سيارات متهالكة· ''ما الذي كان يهدف إليه أفراد جماعة العدل والمساواة؟''···هكذا تساءل ''ديفيد موزيرسكي'' المحلل في ''مجموعة الأزمات الدولية'' وهي معهد بحثي يتابع الأحوال في مناطق الصراع في مختلف أنحاء العالم· ويضيف ''موزيرسكي'':''من الصعب تخيل أنهم كانوا يصدقون أنه بإمكانهم احتلال العاصمة بعدد من السيارات يتراوح ما بين 50 إلى 100 سيارة''· أما''جون بريندرجاست'' مؤسس مشروع إناف Enough المهتم بالدفاع عن ضحايا الإبادة الجماعية، فيعتقد أن الهجوم، كان مجرد وسيلة لاكتساب قدرة ضغط، وأن هـــدف المتمردين من ورائه كان هو توجيه ''صفعة'' لحكومة حزب المؤتمر الحاكم ثم'' الانفراد بعقد صفقة لتقاسم السلطة مع الحزب دونا عن بقية فصائل دارفور''· وأضاف''بريندرجاست'': نحن نرى جزئياً استئنافاً للحرب الداخلية التي كانت تدور رحاها بين الفصائل الإسلامية'' مشيراً إلى أن متمردي دارفور، وحركة ''العدل والمساواة''، ومسؤولي الحكومة السودانية، يتشاركون جميعا في تبنيهم لأجندة إسلامية· ولو كان القصد من الهجوم على الخرطوم هو إرسال إشارة إلى الحكومة، فإن تلك الإشارة قد تكلفت عشرات الضحايا بحسب سكان ضواحي الخرطوم الذين يقولون إنهم رأوا جثث المقاتلين المتمردين متناثرة في الشوارع صباح الأحد الماضي· لفترة طويلة ظل السودان يمثل عشاً للدبابير للفصائل المنخرطة في صراعات مريرة· فالحكومة السودانية ذاتها ليست سوى اندماج قلق لحزبين متحاربين هما ''المؤتمر الوطني'' و''الحركة الشعبية لتحرير السودان''· وهذان الحزبان خاضا حرباً أهلية استغرقت 20 عاماً في جنوب السودان أسفرت عن مصرع 2,2 مليون إنسان· بعد اتفاقية سلام تاريخية عام 2005- ساعد الرئيس بوش في التوصل إليها- أصبح حزب ''المؤتمر الوطني'' بموجبها هو الشريك الأكبر ولكنها سمحت لـ''الحركة الشعبية'' التي تمثل المسيحيين والوثنيين في الجنوب بالحصول على بعض الحقائب الوزارية والمناصب المهمة مثل وزارة الخارجية ومنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بالإضافة إلى حقها في الاحتفاظ بقوات مسلحة خاصة· و''الحركة الشعبية لتحرير السودان'' ومتمردو دارفور يتشاركان في العديد من الأهداف مثل ضرورة وضع حد للتهميش التاريخي الذي تعرضت له منطقتيهما· وفي العديد من النواحي يبدو الجنوبيون الساخطون وأهل دارفور الغاضبون وكأنهم حلفاء طبيعيين· بيد أن الذي حدث يوم الأحد الماضي، هو أن قيادة ''الحركة الشعبية لتحرير السودان'' أظهرت بشكل واضح إلى أي جانب تقف· فقد لوحظ أن ''سيلفا كير'' رئيس جنوب السودان والنائب الأول لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، أدان الهجوم وقال إنه لا يساعد على حل أزمة دارفور كما أصدر قادته العسكريون بياناً قالوا فيه إنهم على استعداد لدعم حكومة الوحدة الوطنية· والهجوم إلى جانب كونه لا يساعد متمردي دارفور، فإنه قد يؤدي في النهاية إلى تقويض قضيتهم· فهذا الهجوم لم يؤد فقط إلى تقريب حزب ''المؤتمر الوطني'' و''حركة تحرير شعب السودان'' من بعضهما بعضاً، ولكنه قد يكون أدى أيضاً إلى خسارة المتمردين للدعم الشعبي· يعبر ''إسحاق آدم بشير'' عضو البرلمان المؤيد لحكومة الوحدة الوطنية عن ذلك بقوله:''أنا دارفوري، وأعرف تماماً ما الذي يدور في دارفور التي يعاني سكانها وأعرف أن الهجوم على الخرطوم لن يؤدي إلى مساعدتهم''· وقال ''إسحاق'' أيضا إن الهجوم قد أظهر الميول الحقيقية لـ''حركة العدل والمساواة''، ويثبت أن تلك الحركة ''لم تعد مهتمة بمصالح دارفور وإنما تستخدم أزمة الإقليم كوسيلة لتحدي الحكومة هنا''،أما زعماء ''العدل والمساواة''، فيقولون إنهم هاجموا الخرطوم، لأنهم يريدون نقل معركتهم مباشرة لملعب الحكومة· ليس هناك من شك أنه سيكون هناك نوع من حملات القمع الحكومية، بل يمكن القول إن تلك الحملات قد بدأت بالفعل حيث يقول سكان الخرطوم إن حواجز الطرق قد ظهرت فجأة في جميع أنحاء الخرطوم يوم الأحد الماضي، ومعها حافلات مكتظة بالجنود الذين يدققون في الهويات، ويقودون الدارفوريين الذكور إلى السجون· أما المتمردون الذين لم يتم قتلهم أو القبض عليهم فقد اختفوا على ما يبدو، إما بالذوبـــان وسط سكـــان العاصمة أو العـــودة إلى دارفـــور· إلى ذلك كانت هناك تقارير بعضها جاء على لسان مسؤولين أميركيين في المنطقة مؤداها أنه قد تم القبض على ضباط من رتب متوسطة في الجيش السوداني، بتهمة تقديم مساعدات للمتمردين وهو ما يعني حدوث شرخ في المنظومة الأمنية للدولة· أما الحكومة السودانية، فكانت لها نظريتها الخاصة للهجوم الذي يحمل شبهاً غريباً بهجوم حديث وقع على تشاد جار السودان الذي لا يقل عنه اضطراباً· ففي شهر فبراير الماضي، أوشك المتمردون التشاديون، الذين كانوا يستخدمون السودان كقاعدة، على اجتياح القصر الرئاسي في نجامينا عاصمة تشاد قبل أن يتمكن مقاتلو ''حركة العدل والمساواة'' التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع تشاد من حمايته من السقوط· لذلك لم يكن من المستغرب أن يكون أول شيء تقوم به الحكومة السودانية عقب الهجوم الذي وقع الأحد الماضي، هو قطع علاقاتها مع تشاد، التي اتهمها المسؤولون السودانيون صراحة بمساندة المتمردين في الانقلاب على الحكومة· جيفري جيتلمان- نيروبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©