الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

من «الأقصى» إلى المسجد الحرام

20 مايو 2016 03:10
يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال شهر كريم هو شعبان، الذي يقع بين شهرين عظيمين، هما: رجب ورمضان، فقد ودعنا رجب الذي شهد حادثة الإسراء والمعراج، ونعيش أياماً مباركة في ظلال شعبان الذي شهد تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. ومن المعلوم أن شعبان حافل بالذكريات الإسلامية العظيمة، ومنها: * انتصر فيه المسلمون بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق. * تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما-. * وفيه فُرِض صيام شهر رمضان. ولكن أبرز حدث، تحويل القبلة. إن لربنا في دهرنا نفحات، تُذكرنا كلما نسينا، وَتُنبهنا كلما غفلنا، فهي مواسم للخيرات والطاعات، يتزود منها المسلمون بما يُعينهم على طاعة الله سبحانه وتعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)، «سورة البقرة، الآية 197». إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة، فإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة، تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه، ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات مفتوحة طيلة العام، ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسّرٌ طيلة العام، ولئن أدينا فريضة الصيام فإن صيام النوافل موجود طيلة العام، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة. لذلك يجب علينا أن نواظب على الطاعة في كل وقت، وأن نحرص على التزود بالتقوى، فنحن مخلوقون لعبادته وطاعته سبحانه وتعالي، امتثالاً لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، «سورة الذاريات الآيات 56 - 58». تحويل القبلة ففي شهر شعبان يتذكر المسلمون تحويل قبلتهم، ويتدبرون فلسفة الإسلام تجاه توحيد القبلة والوحدة الإسلامية، كما يُدرك المسلمون أن تحويل القبلة لم يكن حدثاً عابراً، إنما كان معلماً تاريخياً عظيماً وتوجيهاً دينياً بليغاً، يحمل ذكرى الماضي ويوضح منهج الحاضر والمستقبل للرسالة الخاتمة ويفيض مؤكداً صدق الرسالة والرسول، ومن عِبر هذه الذكرى أنها كانت بياناً عملياً عن استقلال شخصية الأمة الإسلامية وأنها أمة متبوعة لا تابعة، وهي دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يتبع إلا ما يُوحى إليه، فقد كان تطلعه أن توجه القبلة إلى الكعبة حتى وجهه الله إليها لتكون وجهة المسلمين حتى قيام الساعة. ومن المعلوم أن المسلمين ظلوا يستقبلون بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً منذ هاجر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، لما ورد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «صَلَّيْنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نحوَ بيتِ المقدس ستةَ عشرَ شَهْراً أو سبعةَ عشر شهراً ثم صُرِفْنَا نحْوَ الكعبة»، (أخرجه البخاري)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أن يُحَوّل نحو الكعبة، فنزلت: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء)، «سورة البقرة، الآية 144»، فَصُرف إلى الكعبة. ومن الجدير بالذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل ذلك يُصَلِّي إلى بيت المقدس، كما كان الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبله يُصلّون، وكان وهو في مكة يُحاول أن يجمع بين الأمرين، فكان يُصلّي بين الركنين: بين الحجر الأسود والركن اليماني، فتكون الكعبة أمامه ويكون أيضاً بيت المقدس أمامه، ولكنه تعذَّر عليه ذلك حينما هاجر إلى المدينة المنورة، فكان يتمنى من قلبه أن يُوَجَّهَ إلى قبلة أبيه إبراهيم - عليه الصلاة والسلام-، لأنه - صلى الله عليه وسلم - «كان يُحِبُّ أن يُحوَّل نحو الكعبة، وينظر إلى السماء من دون أن ينطق لسانه بشيء، حتى هيّأ الله له ما أحبَّ ورضي، ونزل في ذلك قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ...)، «تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/‏264». إن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة يشتمل على درس مهم، وهو الصلة الوثيقة بين المسجدين الشريفين، حيث ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الأولى التي افْتُتِحَتْ بها سورة الإسراء كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، «سورة الإسراء، الآية 1»، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض، كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: «قلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَيُّ مَسْجد وُضعَ في الأرْضِ أوَّل؟ قَالَ: «اَلْمسجِدُ الْحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «اَلْمَسجِدُ الأقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً»، (أخرجه البخاري). النصف من شعبان لقد بين لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل أوقات معينة، منها شهر شعبان عموماً وليلة النصف منه بخصوصها، لأسباب صرَّح بها ومنافع دعا إلى اكتسابها، فليلة النصف من شعبان ليلة مباركة جليلة، يتجلى الله سبحانه وتعالى فيها على عباده بالرحمة والمغفرة. ففي هذه الليلة يُستجاب الدعاء، وَتَعُمّ المغفرة، وتهبط الملائكة على أهل الأرض بالرحمة، ولله فيها عتقاء كثيرون من النار، حيث ينظر الله سبحانه وتعالى إلى عباده، فيغفر للمستغفرين، ويتجاوز عن سيئات التائبين، ويجيب دعوة المضطرين الصادقين المخلصين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©