الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين طغيان أسماء الأعلام وذيوع الأعمال باللغة الفرنسية

بين طغيان أسماء الأعلام وذيوع الأعمال باللغة الفرنسية
25 يونيو 2009 01:10
من يكتب الرواية المغربية الآن؟ ربما لا يعرف المشارقة الكثير عن الرواية المغربية التي قلما يصل صداها إلى المشرق العربي باستثناء أعمال محمد شكري ومحمد برادة وبنسالم حميش وعبد الكريم غلاب وغيرهم. وقد ساهم في عدم وصول «المنتوج الروائي المغربي» إلى المشرق سوء التوزيع وقصور الناشر العربي وطغيان النص الروائي المكتوب باللغة الفرنسية بأقلام كتّاب وصلوا إلى العالمية منهم: الطاهر بن جلون وإدريس الشرايبي ومحمد خير الدين وفاطمة المرنيسي وعبد الحق سرحان وغير هؤلاء من أصوات روائية شابة تعيش في المهاجر الأوروبية، وتكتب الرواية المغربية بطاقة تعبيرية شديدة وجريئة أيضاً. هذه الأصوات تكتب بلغات أوروبية مثل الهولندية والبرتغالية والإسبانية والإيطالية والألمانية وغيرها. محمد نجيم في هذا التحقيق نتعرف إلى واقع الرواية المغربية وآراء العارفين بخبايا شعابها. يقول الروائي والقاص العراقي المقيم في المغرب الدكتور علي القاسمي: «ظاهرتان تستلفتان الانتباه والإعجاب في الرواية المغربيّة الجديدة. تتعلّق الظاهرة الأولى بهويّة السارد، أما الثانية فتنصبّ على مضامينها وغاياتها. لم تعد كتابة الرواية في المغرب تقتصر على الأدباء المحترفين أو شبه المحترفين، وإنّما أخذ يتعاطاها الآن أصناف متنوّعة من الناس، من ذوي المشارب الفكريّة المختلفة، والمهن المتباينة، والتخصّصات المتعدّدة. فقد تصدّى لكتابة الرواية في المغرب الفيلسوف، والحلاق، والمؤرِّخ، والطبيب، وسائق التاكسي، وضابط الشرطة، والمحاميّ، وغيرهم كثير. ومن ناحية أخرى، أصبحت الرواية المغربيّة «رواية معرفيّة» ترمي إلى غاية مرسومة، وتعمل على إمداد القارئ بزاد معرفيّ دسم، تدسّه إليه بطريقة ذكيّة محبّبة كمن يدسّ نقوداً في جيبك من دون أن تعلم وأنتَ في أمسِّ الحاجة إليها، فتعجب لوجودها وتُسَرّ بها؛ أو كمن يبيّت لك الدواء في قطعة حلوى لذيذة. فليست الموهبة الأدبيّة وحدها كافية لنشر رواية ناجحة في المغرب، لأن الرواية المغربيّة صارت تتطلب حشداً من المعلومات التاريخيّة والفلسفيّة والفنيّة، وتستلزم بحثاً علمياً في رفوف المكتبة أو إبحاراً موفّقاً في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وتتطلّب من الكاتب مهارات سرديّة وأسلوبيّة عالية تُعِينه على نثر تلك المعلومات بخفّة ورشاقة في ثنايا روايته، من غير أن يقع في التقريرية والمباشرة ومن دون أن يضحّي بعناصر التلقائيّة والتشويق والإثارة. ومَثَله في ذلك مَثَل مَن ينثر الزهور والدراهم على رأس العروس من دون أن يضرّ بها أو يفقأ إحدى عينيها. وإضافة إلى ذلك، فإن الرواية اليوم أصبحت جنس الأجناس الأدبيّة، يتعانق في فضائها وعلى صفحاتها إيقاعُ الشعر ورمزيته، وحواراتُ المسرح وحركيته، وغرائبُ الحكاية وطرائفها، وخيال القصة وصدقها الفنيّ. ولهذا كلِّه لا بدّ أن يتوافّر في مَن يتصدّى لكتابة الرواية موهبة فذّة وخيال خصب، تصقلهما تجربة حياتيّة غنيّة، وتدعمهما ثقافة ثرّة عميقة متشعّبة». أقل من الطموح وللناقد المغربي عمر العسري رأيه المغاير، وهو يقول: «للأسف الشديد لم يحقق التراكم النصي طموحاتنا ولم يتطلع إلى المنتظر والمأمول، وهذا راجع إلى طبيعة المشاريع المنجزة في المجال؛ فغالبية المواضيع قد تم استنفادها أو إثارتها في نصوص سابقة، ولكن حالما نتحدث عن التميز الحاصل هو في ما تم إنجازه من قبيل القلة من الكتاب ذوي الخبرات الحقيقية ليس بجنس الرواية ولكن بموضوعاتها، فبدأنا نقرأ نصوصاً ذات ملامح محلية تثير فضاءات جديدة ومواضيع ذات صلة باليومي، ولكن لا يزال الطابع السيري غالباً على الكتابة؛ فالنصوص هي أشبه بتخييل ذاتي؛ بحيث لا تنفك شخصية الكاتب عن طبيعة الشخوص المستدعاة. نتطلع، على الرغم من التراكم غير المحقق للتفاعل، إلى رواية مغربية ذات ملامح كونية تثير قضايا كلية وتستدعي ما يخدم الجنس تقنوياً وبنائياً، ومؤخراً قرأت رواية «البوار» للكاتبة زهرة المنصوري التي حازت جائزة المغرب للكتاب. وجدت فيها ملامح أخرى للكتابة الروائية بالمغرب سواء من خلال الموضوع زراعة الحشيش، أو من خلال بناء شخصية ذات ملامح أسطورية؛ وقد تم التبئير على شخصية بسيطة ولكن بمشروع عظيم. من خلال أسماء روائية قليلة جداً، بدأنا نتلمس أعمالاً سردية ذات بناء محكم يضمن للمكونات السردية اتساقاً مع بروز بنيات معرفية تعضد العمل وتميزه، ولنا في ذلك نصوص شغموم، والتازي، والتوفيق، وبرادة، وزفزاف، والمديني». التراكم المفيد ويرى الكاتب والروائي المغربي نور الدين محقق أن الرواية المغربية الجديدة تعرف اليوم تراكماً مهماً خصوصاً وأن الجيل الروائي المغربي الحالي من كتابها قد أصبح الآن يمتلك في رصيده مجموعة من الروايات الجيدة، لكن في مقابل هذا الإنجاز الروائي القوي نجد أن النقد الروائي المغربي لا يواكب هذا التراكم الجديد، باستثناء تركيزه على بعض الأسماء دون سواها، مما يجعل الرؤية مهما كانت صادقة وغير منحازة، تبقى رؤية غير مكتملة الوضوح. إن الرواية المغربية الجديدة التي يمكن لنا ذكر بعض الأسماء التي تكتبها بكثير من الشغف الفني مثل شعيب حليفي، الحبيب الدايم ربي، زهور كرام، عبد الكريم الجويطي، محمد أمنصور، محمد المعزوز، مصطفى غزلاني، نور الدين محقق، البشير الدامون، أحمد الكبيري، نور الدين وحيد، مصطفى الغتيري، سعيد بوكرامي، بوشعيب الساوري، وفاء مليح، فاتحة مرشيد، وغيرهم، هي رواية قد استطاعت أن تفرض حضورها في المشهد الأدبي المغربي، على الرغم من غياب المتابعة النقدية المستمرة لها، والنقاش الدائم حولها، بل امتد صداها إلى المشرق خصوصاً مع التطور الهائل الذي عرفه مجال الإعلام الإلكتروني الذي قرب مغارب الأرض من مشارقها. كما أنها، أي هذه الرواية الجديدة، قد تفاعلت سواء مع تاريخها الروائي المغربي الذي ساهمت في بلورته وما زالت تحضر في مساره الكبير الممتد إلى الآن بقوة، أسماء روائية كبيرة مثل عبد الكريم غلاب، محمد زفزاف، مبارك ربيع، محمد برادة، أحمد المديني، محمد عز الدين التازي، محمد الدغمومي، سالم حميش، يوسف فاضل، عبد الحميد الغرباوي، محمد صوف، محمد غرناط، كمال الخمليشي، عمر ولقاضي وكثير غيرهم. أما ما يجعل هذه الرواية على الرغم من قوتها الإبداعية لا تحظى بالإشعاع العربي الجماهيري القوي، كما هو الشأن مثلاً مع الرواية المشرقية، فاٍن هذا الحكم يبقى نسبياً، فهناك روايات مغربية قد استطاعت أن تفرض هذا الحضور البهي لا سيما داخل إطار النخبة المثقفة، مثل روايات محمد برادة وأحمد المديني وسالم حميش، ومحمد عز الدين التازي، ومن الجيل الحالي شعيب حليفي والبشير الدمون وعبد الكريم الجويطي وسواهم، كما أن روايات الكاتب الراحل محمد زفزاف خصوصاً بعد إعادة طبعها في حلة جديدة، قد استطاعت أن تحتل مكانها ضمن خريطة الروايات العربية المقروءة بشكل واضح، على المستوى العربي، من دون أن نشير إلى روايات الكاتب الراحل محمد شكري الذائعة الصيت. لكن مع ذلك فالرواية المغربية بمختلف أجيالها لم تحظ بعد بما تستحقه من متابعة نقدية ومن إشعاع جماهيري عربي، هي أهل له، خصوصاً وأن النقد الأدبي سواء المشرقي منه أو حتى المغربي لم يفها حقها، بل ظل ولا يزال يتابع الرواية المشرقية، وهو ما جعل من هذه الرواية المشرقية تعرف امتداداً كبيراً، في العالم العربي، من دون أن نغمطها حقها من الإبداعية القوية التي تتميز بها، باعتبارها رواية قوية من حيث الخيال الخلاق الذي تمتاز به أو من حيث قوتها التعبيرية النافذة، التي ساهم النقد المغربي المعروف بجديته وبقوة حضوره على مستوى العالم العربي في توضيحها وتسليط الضوء الباهر عليها». الماضي والحاضر أما الناقد المغربي الدكتور حسن المودن فما يراه هو «تعدد وتنوع المساهمين في الإنتاج الروائي، بشكل يبدو معه الأمر كأن الرواية في الوقت الراهن تختزل ماضيها أو تاريخها كله، فبعض مؤسسي الرواية في الستينات (عبد الكريم غلاب مثلا)، وبعض مؤسسي حركة التجديد أو التجريب في السبعينات والثمانينات (عبد الله العروي ومبارك ربيع وأحمد المديني ومحمد عز الدين التازي ومحمد برادة والميلودي شغموم ومحمد الهرادي..)، أغلبهم إن لم يكن كلهم يواصلون الإنتاج والإبداع إلى اليوم. وقد يكون بعض هذا الإبداع قد سقط، ربما، في نوع من النمطية والتكرار، إلا أن أغلب الأعمال، على الأقل تلك التي سمحت الظروف بقراءتها، تتطور وتتقدم جمالياً، كما تتفاعل مع التحولات التي يعرفها العالم من حولها. وبرأي الدكتور المودن فالملاحظ اليوم هو تكاثر وتزايد عدد الروايات في السنوات الأخيرة، خلافاً للعقود السابقة، بشكل لافت للنظر. نستحضر منهن خديجة مروازي والمرحومة مليكة مستظرف، منهن من وصلت إلى العمل الروائي الثاني كزهور كرام التي تجمع بين النقد والإبداع، ومنهن من وصلت إلى العمل الروائي الثالث كزهرة المنصوري، ومنهن من جاءت من القصة إلى الرواية، وأصدرت روايتها الأولى كوفاء مليح، ومنهن من جاءت من الشعر إلى الرواية كفاتحة مرشيد التي أصدرت روايتها الأولى، ومنهن من تمتح من مصادر إبداعية ومرجعيات نقدية مغايرة، كاسمهان الزعيم التي أنجزت رسالتها لنيل الدكتوراه حول الأدب الإسباني في إسبانيا وأميركا اللاتينية، وأصدرت روايتها الأولى. أما كتّاب الرواية الجدد من الرجال، فمنهم من أصدر رواياته الأولى منذ التسعينات أو قبلها بقليل، والبعض لم يبدأ الكتابة إلا مع بداية الألفية الثالثة، وهم كتّاب ينتمون إلى تخصصات معرفية متنوعة ومتباعدة (التاريخ، الاقتصاد، القانون ..)، وقادمون من فضاءات اجتماعية ومهنية وثقافية مختلفة ومتنوعة، ونذكر منهم بنسالم حميش وأحمد التوفيق ومحمد الأشعري وحسن نجمي وشعيب حليفي وعبد الحي المودن وبهاء الدين الطود ومحمد غرناط ومحمد أنقار والحبيب الدايم ربي وعبد الكريم الجويطي وجلول قاسمي ونور الدين وحيد ومحمد أمنصور وجمال بوطيب وأحمد الكبيري ونور الدين محقق وحسن طارق وأحمد اللويزي ومصطفى الغتيري وعبد العزيز الراشدي.. وبالنظر إلى وضعية جنس الرواية بالمغرب في الوقت الراهن، يمكن أن نتقدم بافتراض أن الرواية الآن تشهد عودة الحكاية، وهي عودة تستدعي العودة إلى الذات والمجتمع والتاريخ والذاكرة، وتقتضي ألا تبقى الكتابة منشغلة بذاتها فحسب، بل أن تعيد الاعتبار للمرجع. وهذا افتراض يستدعي أكثر من سؤال: ماذا نعني بالعودة إلى الحكاية؟ أتعني حركة ارتداد وتقهقر؟ أم أنها تعني حركة إلى الوراء من أجل حركتين إلى الأمام؟ هل تعني العودة مثلاً أننا عدنا إلى قول الذات أو المجتمع أو التاريخ بالطرق التقليدية المألوفة؟ أم أن العودة تعني طرقاً جديدة في بناء الحكاية وقولها، كما تعني أننا صرنا ندرك الذات أو العالم أو التاريخ بطريقة مغايرة للمألوفة في الروايات التقليدية؟ ويمكن أن نصوغ ذلك الافتراض بطريقة أخرى: ألا يمكن أن نصف اللحظة الراهنة، بالنسبة إلى الرواية المغربية، بأنها لحظة انتقال وتحول، ربما في اتجاه رواية يبدو أنها منشغلة في الوقت ذاته بسؤال الكتابة كما بسؤال الحكاية. فبفضل مساهمات الكتّاب، من الأجيال السابقة واللاحقة، لم يعد الأدب الروائي اليوم يكتفي بكتابة لا تنشغل إلا بذاتها، ولم يعد يقتصد في الحديث لا عن العالم الاجتماعي والنفسي، ولا عن الشيء السياسي. وبعبارة أوضح، فقد بدأت الرواية تعرف، منذ سنوات لحظة انتقال وتحول، وهي على ما يبدو لحظة في اتجاه البحث عن توازن بين الانشغال بسؤال الكتابة من دون التضحية بالحكاية، أو لنقل في اتجاه تأصيل التجريب من دون التفريط في أصول التخييل التي من دونها لا يمكن الحديث عن شيء اسمه رواية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©