الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمى السياسي في حروب لا تنتهي

العمى السياسي في حروب لا تنتهي
25 يونيو 2009 01:09
يروي الصحفي والكاتب جان دانيال (89 عاما) ـ وهو يهودي فرنسي ومؤسّس ومدير المجلة الفرنسيّة الشهيرة «لنوفال أوبسارفاتور» ـ الحادثة التالية: «منذ سنوات عشت تجربة شخصيّة تيقنت من خلالها مدى تأثير الأخبار المتتاليّة والمتواترة عن مقتل الفلسطينيين على نفسي، فقد كنت برفقة زوجتي في السيّارة، وكان المذياع مفتوحا، وكنا نغيّر المحطات، وانتبهنا إلى أنّ المحطة الإذاعيّة تتغيّر، ولكن الخبر كان يتكرّر عن مقتل فلسطيني في هذا المكان أو ذاك بالأراضي الفلسطينية المحتلة. كان المذيعون يقرأون الخبر بشكل سريع، وكانت صياغة النبأ دائما مختصرة، فلا حديث عن التفاصيل، أو عن ظروف الحدث والقتل، وبهذا الأسلوب فانّ المتلقي يشعر أن قتل فلسطيني هو حدث عادي في الحياة اليومية، وأذكر أني أوقفت محرّك سيارتي وقلت لزوجتي التي كانت برفقتي: لو كنت مسلما (هنا في فرنسا) واستمعت إلى مثل هذه الأخبار المتكرّرة لخرجت من سيارتي وقتلت أيّ شخص يعترضني». الفرص الضائعة إن هذه الحادثة، كما رواها جان دانيال، تعكس تعاطفه وموضوعيّته ـ وهو اليهودي الفرنسي ـ مع الفلسطينيين، والرجل، وهو اليوم في خريف العمر، هو من الصحفيين الفرنسيين القلائل الذين واكبوا القضية الشائكة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي منذ أكثر من 50 عاما، وقد جمع في كتاب كل مقالاته التي كتبها تلك الفترة عن هذه المسألة منذ مقاله الأول الذي نشر عام 1956 بمجلة «الاكسبرس» وضمّنه انطباعاته وتحليله للقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك دافيد بن غريون، وعنوان الكتاب هو: «إسرائيل، العرب، فلسطين» ISRAEL ، LES ARABES، LA PALESTINE وهو كتاب ضخم (800 صفحة)، حلل فيه المؤلف حرب 67، وحرب 73، وحرب لبنان، وحرب الخليج، كما حلل مواقف أريال شارون وانتقدها، وشرح خلفيات وأسباب وانعكاسات اغتيال إسحاق رابين، كما تعرض بإطناب إلى ما بعد11 سبتمبر، وهو في كل فصول الكتاب يعدد الفرص الكثيرة الضائعة لتحقيق السلام في المنطقة. والكتاب تضمن تعليقات المؤلف على أحداث كثيرة كانت ولا تزال ساخنة، وبسبب مواقفه المتوازنة فقد رماه اليهود الصهاينة بـ»الخيانة» وطالبوه دائما بأن يكون ـ وهو اليهودي ـ مناصرا لإسرائيل مناصرة عمياء، ولكن دانيال كان في كل مقالاته ومواقفه ينصح إسرائيل منذ 1960 بالتخلي عن حلم إسرائيل الكبرى، كما دعاهم إلى الأخذ في اعتبارهم آلام الفلسطينيين ومعاناتهم، ولم يتأخر في نقد إسرائيل وجيشها منددا بكل ما يراه تجاوزا وغطرسة وظلما، كما أدان بشدة دور الجيش الإسرائيلي في مجزرة صبرا وشاتيلا، وفي المقابل فإن جان دانيال تعرض بأسلوب لاذع لما يسميه النفاق العربي إزاء القضية الفلسطينية وحلل بعض الأحداث التي تظهر أن الأخوة العربية إزاء فلسطين كانت مجرد شعار يرفع لمصالح الأنظمة. الحرب على العراق: كارثة وجان دانيال من أوائل المثقفين الفرنسيين الذين انتقدوا انتقادا لاذعا الاحتلال الاميركي للعراق، وهو يرى ـ اليوم ـ ان الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا على العراق تمثل كارثة، وأن العالم اليوم وغدا سيجني انعكاساتها السلبية وهو في تحليلاته الصحفية يجزم بأن تلك الحرب قد زعزعت العالم الاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط. ويفسر جان دانيال في مقالاته ضرورة ضمان وجود اسرائيل، وهو يشرح أسباب ذلك لأصدقائه العرب ـ وهم كثر ـ ويشرح ويجزم ويطالب أصدقاءه الإسرائيليين ـ وهم كثر ايضا ـ بضرورة الاستجابة للمطالب الشرعية للفلسطينيين. بعد الاعتداء الأخير على غزة كتب جان دانيال معلقا ومحللا: «ان الفكرة القائلة بأن البلدان الأوروبية أين يتواجد جاليات يهودية من جهة، وجاليات مسلمة من جهة اخرى، يمكن ان تبقى في منأى عن انعكاسات النزاع في الشرق الأوسط هي فكرة عبثية، والمفاجآت ليست في خروج المظاهرات ضد القصف الإسرائيلي لغزة لتعبر عن استنكارها، ولكن المفاجئة ان تلك المظاهرات لم تكن أشد عنفا». مضيفا: «وفي أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة فإني أتخيل شابا فرنسيا مسلما، وما قد يمتلكه من مشاعر بالإهانة والثورة بعد مشاهدته لفيض الأخبار المصورة التي تبثها مختلف الفضائيات، كما أتخيل مشاعره بعد استماعه الى تعليق والديه على ماكان يحدث بغزة، ونفس الشيء طبعا في الاتجاه المعاكس بالنسبة لشاب فرنسي يهودي عندما يستمع، وبنفس الوتيرة، الى ملخص الأحداث التي تدين دولة اسرائيل وهي الدولة التي تريد وتعلن أنها يهودية والتي يشعر أنه متضامن معها». ملاحظات ومواقف لقد تم في الربيع الماضي إقامة احتفالات ضخمة في فرنسا بمناسبة مرور 60 عاما على إنشاء دولة لليهود، ويقول جان دانيال معلقا على ذلك ومنتقدا المسؤولين الفرنسيين الذين شاركوا في هذه الاحتفالات: «لم يشر أي مسؤول فرنسي حضر وخطب واحتفل، أو أي مسؤول عن اليهود الفرنسيين إلى الثمن الذي دفعه الفلسطينيون والعرب مقابل كل هذا التمجيد لإسرائيل. ولا صوتا واحدا ارتفع مشيرا إلى ذلك حتى ولو مراعاة لحساسية المسلمين في فرنسا» وهو يجزم بأنه كان من الضروري على مجلس ممثلي المؤسسات اليهودية في فرنسا أن يراعي مشاعر الفلسطينيين وان يعطي مكانا لمطالبهم في إقامة دولة مستقلة. وانتقد جان دانيال تصريح هيلاري كلنتن الوزيرة الجديدة للخارجية الاميركية والتي سارعت، حال تسميتها، بالإعلان عن التزام الولايات المتحدة الاميركية تجاه إسرائيل وبأن تكون القدس بأكملها عاصمة لإسرائيل، ووصف تصريحاتها بأنها «مزايدات غير حذرة» بل يذهب إلى حد القول» بان اختيارها لهذا المنصب لم يكن صائبا». رسائل إلى الأوروبيين وأوباما ومن جهة أخرى يحمّل جان دانيال وسائل الإعلام الفرنسية مسؤولية ثقيلة، وهو يطالبها بأن تكون أكثر موضوعية وتوازنا، ويرى انه من واجبها إظهار النزاع في كل تعقيداته مضيفا: «وعلى المثقفين الاضطلاع بدورهم الهام والمتمثل في أن يظهروا للرأي العام الفرنسي أنّ هناك الكثير من اليهود الفرنسيين معادين للحرب الإسرائيلية التي تمت على غزة، وان يبينوا للفرنسيين أيضا أن هناك الكثير من الفرنسيين المسلمين ليسوا من أنصار حماس». ويستشهد جان دانيال بما ورد في كتاب جديد صدر هذه الأيام وعنوانه: «اميركا امام العالم»، وهو من تأليف برانتسكاوكوف والذي سبق أن عمل مستشارا لبوش الأب وببرجينسكي مستشار الأمن القومي الاميركي سابقا، وهما من الذين يدعوان الى مناصرة محمود عباس أو من سيخلفه بقوة، لأن جان دانيال يرى مثلهما أن حماس استمدت قوتها من ضعف السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على حل مشاكل الفلسطينيين. وفي هذا السياق فإن جان دانيال يحمل أوروبا وخاصة الولايات المتحدة الاميركية مسؤولية كبرى إذا لم يقع منح سكان الضفة الغربية فرصة للعيش الكريم تحت إشراف سلطة صديقة للغربيين ـ حسب تعبيره. ووفق تحليل جان دانيال فإن باراك أوباما له حساسية كبيرة إزاء العداء المتنامي والمقلق نتيجة سياسة أميركا المتحالفة والموالية بشكل واضح لإسرائيل، ومن وجهة نظر المؤلف المؤلف جان دانيال فهناك مدرستان على الأقل: الأولى تؤكد بأن عددا من المشاكل في العالم لا يمكن حلها أبدا طالما لم يتم فرض حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهناك رأي ثان ينتمي الى مدرسة ثانية، ويصفه المؤلف بأنه رأي مشبوه، والذي ركب موجة محاربة الإرهاب لشن حروب، ويعيب جان دانيال على الأوروبيين وعلى الاميركيين عدم سعيهم بجدية لدعم السلطة الفلسطينية، وهي صديقة للغرب، حتى يشعر سكان الضفة بأن هناك من يهتم بهم ويدعمهم ويساعدهم، ويرى انه على اوباما أن يتبنى المبادرة العربية للسلام، وهي التي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز عام 2002 والتي تقدم بها باسم كل الدول العربية باستثناء ليبيا، ويرى المؤلف انه بالنسبة لأوباما فإن هذه المبادرة هي فرصته ليمرّ من مرحلة الفوز بالحكم إلى مرحلة ممارسته فعليّا. ? الكتاب: إسرائيل، العرب، فلسطين Israël, les Arabes, la Palestine ? المؤلف: جان دانيال Jean Daniel ? الناشر : دار غالياد Edition Galaade
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©