الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عرائش وعناقيد

عرائش وعناقيد
25 يونيو 2009 01:08
يبدأ ولع الشعراء بوصف ابنة الكرم منذ بزوغ عناقيدها في العرائش الخضراء فترمقها عيونهم وهي في مهدها الطبيعي، وترسمها كلماتهم بألوانها وتشكيلاتها الجمالية. فهي حيناً مثل مجموعة نجوم الثريا العنقودية؛ تبرق حباتها كاللؤلؤ، خاصة وهي على وشك الأفول في رؤية الشاعر «الباذاني» الذي يقول: وعناقيد تراها إذ تمايلن يميلا رُكِّبت فيها لآلٍ لم تُثَقَّبْ فتجولا كالثريا قد أرادت عند الأسفار أفُلا فهي من ناحية مثل عقد غير مثقوب الحبات، مما يجعلها ثابتة تميل كلها دفعة واحدة دون أن تهتز أو تجول كل حبة منها بمفردها، وهي من ناحية أخرى فضية الظلال تبرق بخفوت مثل نجمات الثريا وهي تتأهب لإسفار الصبح في السحر؛ حيث تقع المرئيات في ضباب الغبش الداخل وهنا في ضوء النهار الموشك على السطوع. وفي منظور ابن المعتز تكتسب حبات العنب الأحمر القاتم مظهراً بشرياً طريفاً في قوله: حتى إذا حَرُّ آبٍ فارَ مِرْجَلُهُ بفائرٍ من هجير الشمس مُشتْعِلِ ظلت عناقيدها يخرجن من ورق كما احتبي الزنجُ في خُضْرٍ من الأرزِ فابن الخلفاء المُرفه المحاط دائماً بالعبيد والجواري من البيض والسود، وهم يرفلون في ثياب ملونة مزركشة، يستشعر لذع الحر في وقدة أغسطس وهو يفور كالتنور بهجير الشمس المشتعل، فينضج العناقيد بحبات العنب القاتمة، فتتفتق عنها الأوراق الخضراء كما يتراءى صف العبيد من الزنج وهم يخطرون مسربلين بالأرز الخضراء. وإذا كانت لعبة الألوان هي التي تفنن الشاعر الأمير في إبرازها فإنه لم يحاول النفاذ منها إلى أية دلالة طبيعية أو إنسانية وراء الأشكال والألوان، مكتفياً بالنظر إلى عناقيد العنب باعتبارها معقد الرحيق الذي يستصفى منها بعد ذلك. على أن شعراء آخرين يرون فيها مشابه أخرى، فابن لنك مثلاً يلمح الفتنة الأنثوية في قوله: انظر إلى الكرم العريش على دعائمه المسنَّدْ حباته سبج نظمن بخُضْر أوراق الزبرجدْ بين المبدَد والمُسَرَّد في المرمل والمُجَعَّدْ متهدلات كالثُّدِيّ كواعبٌ منها ونُهَّدْ فحبات الكروم لديه منظومة كالخرز الأسود الضارب إلى الخضرة في الأوراق الزبرجدية لكن نظمها فوضوي تارة كأنه مُبَدَّد أومُجَعَّد، ومُطرد مرة أخرى كأنه مُسرَّد مُرَجّل، فضلاً عن أنها تتهدل بتماسك مثل الثُّدي الكواعب الناهدة لجسد الأرض الأنثوية. ويأتي شاعر آخر وهو الخباز البلدي ليمعن في استقصاء دلالات أبعد من ذلك في قوله: مُعرّش مالت عناقيده من كلل الأوراق تحت الحُجبْ منظومة حبات أعنابه نظما بلا سِلْكٍ جرى في الثقبْ كأنها الماء وقد لفَّ في طحلبه الأخضر تحت الحتبْ فهو يسابق الزمن ليرى الراح تحت حبات العنب المنتظمة في عناقيدها كأنها الماء الملفوف في طحالبه الخضراء، وهي تفور قبل الأوان فيعلوها الحَبَبُ المجسد في الحبات، فالشاعر لا يرى في العناقيد سوى السلافة الملفوقة في دثارها الأخضر البديع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©