الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شظايا نازك الملائكة

شظايا نازك الملائكة
25 يونيو 2009 01:07
يستذكر الشعراء العراقيون والعرب وقراء الشعر والمعنيون بالحداثة والتجديد في الذكرى الثانية لرحيل الشاعرة الرائدة نازك الملائكة دورها المميز في تجديد دم القصيدة العربية وتثوير خطابها الفني والجمالي. تحف بتلك التذكرات دوما منجزات نازك الشعرية وفتوحاتها الثقافية كامرأة من عراق الأربعينيات الصاعد اجتماعيا، فكان إسهامها في تجديد القصيدة والثورة على الشكل التقليدي ذا أهمية بالغة في شقّيه الثقافي والاجتماعي، ما سيترك أثره حتى بعد عقود حين عد ناقد كعبدالله الغذامي ذلك المنجز تأنيثا للقصيدة) وبرنامجها الذي كان حكراً للرجل يسبغ عليه ذكوريته متلفظاً وصاحب خطاب. ولئن كانت نازك تصف ثورتها تلك بأنها (حماسة) في تراجعاتها العمرية والنظرية اللاحقة، فإن تلك الحماسة للتجديد أثمرت في سياق الشعرية العربية ما سيكون له أثره الواضح في استدارة سير القصيدة العربية ودخولها جذرياً في طرق مست صميم شكلها الخطّي، وترتيب إيقاعها الوزني وتناظرها الشطري، وقوافيها التي لم تعد مرتكزاً موسيقياً فاقع الحضور يسرق موقع الدلالة والرمز والفكرة. ربما كان التفكير بنازك امرأةً تولت تلك المهمة ينطوي في أساسه على موقف ذكوري يستكثر ضمناً قيامها بها، مع أنها أدتها بكونها شاعرة أولا لا نسوية بمعنى التغيير النوعي أو الدور الاجتماعي، فقد انشغلت نازك في شباب عمرها وشعرها بالكونيات، والوجود البشري على الأرض ومشكلات العدم والفناء أكثر من اهتمامها بمفردات الاستحقاق النوعي للمرأة، ولم يظهر وعيها بالنسوية إلا في مناسبات نصّية محدودة منها قصيدتاها غسلا للعار والراقصة المذبوحة، ولكنها قننت لتمردها البديل في إطار القصيدة، وحاورت أعمدة الشعر المضاعفة التي زادها الزمن قيوداً ومحددات، حتى استعارت قول برنارد شو (اللا قاعدة هي القاعدة الذهبية) في مقدمة ديوانها «شظايا ورماد»، وتحدثت عن «خسائر فادحة أنزلتها القافية الموحدة بالشعر العربي طيلة العصور الماضية» و»جنايات نظام الشطرين والتفاعيل الثابتة. واللغة التي جمدت على ما كانت عليه منذ ألف عام». تلك لافتات حداثة نازك التي ألقتها في نهر الشعر الساكن، فحرّكت أمواجه، لكنها ظلت تنادي الشظايا الغائرة في وعيها وشعورها، فقامت عام 1965 بترجمة شعرية لقصيدة روبرت بروك (أسفار) لتجعل منها استباقا لمصير سيلم بها، منهية دائرة الحزن التي بدأتها في شبابها، ومضت تتلمسها في أيامها الباقية قبل رحيلها المؤلم. تقول القصيدة بنظم نازك المتصرف في الصياغة والأمكنة: حين نزلتُ (تونس) الكبيرة/ كُسّر قلبي قِطعاً صغيرة ثم استطعتُ بين نخل (البصرة)/ إلصاق قلبي كِسرةً فكسرة وفي (دمشق) عاد قلبي قِطَعا/ ولاح عجز الصمغ عن أن ينفعا وها أنا في أرض (مصر) أعلمُ/ بأن ما كُسّر ليس يُلحمُ هذه واحدة من توافقات الأقدار الإغريقية: أن تموت نازك بمصر مكملة رؤية التشظي والتكسر، ولكن لتكسب الخلود بالشعر وفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©