السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمر أبو الهيجا: قصيدتي هي حزبي

عمر أبو الهيجا: قصيدتي هي حزبي
25 يونيو 2009 01:03
عمر أبو الهيجا شاعر أردني يقارع بقلمه وسيف السلطة الرابعة. قصائده تلامس الجرح ويسير نحو قرائه بخط مستقيم فيخاطبهم بما يدغدغ أوتار قلوبهم المكلومة بالحدث.. رصيده ثمانية دواوين شعرية آخرها «أمشي ويتبعني الكلام» وله برسم الطبع رواية بعنوان «رائحة العتمة» وديوان شعر «على مهلك أيها الليل»، وهو معروف بالجملة المشحونة بالوجع التي تستنهض الهمم وتثير الحماس وتعبر بلا انفعال عن أحلام شعب يتوق للحرية. في هذا الحوار يتحدث أبو الهيجا عن قضايا شعرية وأدبية. يقال أن القصيدة فقدت بريقها وأن بعض الشعراء انحازوا للرواية.. ما رأيك؟ إن الشعر لا يمكن أن ينحسر لحساب جنس أدبي آخر فهو فن قائم بحد ذاته وليس بحاجة لمن يدافع عن كينونته، ودخل في جميع الأشكال الابداعية من قصة ورواية ومسرح وسينما وفن تشكيلي ربما يكون الشعر قل وهجه بسبب بعض المستشعرين أو أشباه الشعراء لكنه ما زال يمثل ضمير الأمة ويعبر عن أحاسيسها، والشاعر لسان حال الشعوب المقموعة والمضطهدة. أما أن دور الشعر انحسر لصالح الرواية وأن بعض الشعراء هجروا الشعر وذهبوا للرواية، اعتقد أن الشاعر الجيد وصاحب التجربة لديه مساحات وفضاءات كثيرة للتعبير، ربما هناك موضوعات قد لا يستطيع الشاعر التعبير عنها بنص شعري لأنها تحتاج إلى قص أو رواية ضمن شخصيات وأحداث زمنكانية، علماً بأن الشاعر حتى لو كتب الرواية أو القصة أو المسرح لا يتخلى عن شاعريته التي يوظفها لصالح إبداعه والأمثلة على من كتبوا الشعر ومارسوا كتابة المسرح أو الفن التشكيلي كثيرة كإبراهيم نصرالله وجمال ناجي وزهير أبو شايب وجبرا إبراهيم جبرا وممدوح عدوان وغسان كنفاني وغيرهم وجميعهم ابدعوا في غير فن ابداعي. بصراحة أين تضع نفسك في زمن كثر الشعراء وتداخلت القصائد؟ إن القصيدة حال نشرها تصبح ملك القارئ الذي هو رصيدي في الحياة وهو الذي يحكم عليها بالفشل أو النجاح لأنني أثق جدا برأي الجمهور، وبقدر ما اقتربت من أحاسيسه ومشاعره بقدر ما أكون نجحت، فقصائدي أحاول فيها دوما أن أتحسس موضع الجرح وأغوص في ثناياه مقترباً من الهم الإنساني المعاش، فالجمهور الذواق هو جمهور الإبداع الرصين وجمهور الجمال، وأيضا في المقابل هناك جمهور ربما أقل ثقافة أثق بعفويته ومحاكمته البريئة. ترى من يخذلنا القصيدة أم الحالة الراهنة التي تقودنا للمجهول؟ كل ما نشاهده من خراب ودمار وتخاذل وانهزامية يخذلنا، ما الذي يدعو إلى التفاؤل، الوضع الرديء الذي تعيشه الأمة منذ أكثر من خمسين عاماً، ربما تكون القصيدة الناجحة تفعل شيئاً في بيات السلاح واستراحته.. للأدب دور كبير في توعية الأمة والشعوب واستنهاض عزيمتها وبث جذوة النضال والتضحية، فالثقافة هي سلاحنا وخندقنا الوحيد في مجابهة طمس الهوية واستلاب الحقوق فالأمة العربية مستلبة الإرادة ولم يبق لديها ما تقوله سوى البصم والتنازلات تلو التنازلات. الشعر لا يحرر وطنا لكن دوره فاعل، فعلينا كمثقفين أن لا نخسر خندق الثقافة فهو الحصن الذي نحارب من خلاله الآن، نحارب في ديننا وتراثنا وحضارتنا، آن الأوان للمثقفين أن يقولوا كلمتهم. ترى هل أنت في صدام أم تصالح مع النقاد؟ لست على صدام مع النقاد، لأني أعتبر نفسي الناقد الأول لنتاجي الابداعي وأمارس النقد عليه قبل أن ازج به الى النشر أو الطباعة، الناقد المتخصص أحترم رأيه إذا كان نقداً محايداً وشفافاً ومنهجياً ويضيف إلي الكثير لأن مهمة النقد سبر أغوار النص والوقوف على جمالياته ومساعدة القارئ على فك شيفرة النص وإضاءة مفاتيحه وتبيان مكامن الضعف بإسلوب نقدي مدروس دون محاباة أو مجاملة، واستطيع القول إن الساحة النقدية لا تخلو من الشللية وهناك ما يسمى نقد مصالح ونقد مجاملة. المتصفح للكثير من دواوين الشعر في الأردن يلحظ دون جهد أنها «تصفيط كلام».. ما رأيك؟ هذا رأي فيه ظلم للشعر بشكل عام فالقصيدة تتماشى مع الواقع العربي ومن هنا استطيع القول إن الشعر ما زال بخير وعافية جيدة لولا المتطفلين الذين لم يعوا بعد أهمية الشعر ومكانته، وكل من كتب نصا قال هذه قصيدة نثر، علما بأن قصيدة النثر شكل من أشكال القصيدة العربية الحديثة وهي برأيي المتواضع تطور للقصيدة العربية وليس من السهل كتابتها، وعلى من يريد كتابتها أن يكون أصلا شاعراً مارس القصيدة الموزونة وله تجربتة، ومن ثم يكتب في فضاءات قصيدة النثر ويحلق في ارض خصبة معتمدا على قدراته وامكاناته في كتابة نص جديد مشبع بنضارة الشعر. فالقصيدة التي لم تحرك المتلقي وتدغدغ مشاعره وتستنهضه وتحاول أن تغوص في همومه وتقف على معاناته ضمن رؤى جديدة وتفضي الى ايقاع الحياة بفنية وتقنية عالية طارحة فكرا وثقافة ومعرفة جديدة من خلال استخدام رموز ودلالات ومعان تستقرئ دواخل النفس البشرية، تكون قصيدة منظومة ومباشرة وتقريرية لا تحمل من الشعر سوى الوزن، انا مع القصيدة المثقفة التي تطرح فكراً وتحفز القارئ للصعود إليها وتفكيك رموزها ودلالاتها ومعانيها، اما أن ينزل الشاعر إلى مستوى المتلقي فأنا لست مع ذلك مثلما تعب الشاعر على نصه على القارئ أن يجهد نفسه قليلا في الوصول ما اراد أن يقوله الشاعر. لكن نجد هناك نصوصا شعرية فيها من الطلاسم والفوضوية في الكتابة حتى أن كاتب النص لا يعرف ما يريد ونصه مفكك وليس فيه أي ترابط صور شعرية متلاحقة تكون على حساب المضمون، هذا النوع من الشعر أيضا لا يمكث طويلا بين الناس لأنه كتب لكي لا يقرأ بل كي يدفن. بعض الشعراء صنعتهم الأحزاب أو مواقف سياسية معينة.. أنت من يقف وراءك؟ أنا خرجت من رحم المعاناة وعايشت الواقع المرير، من هزائم متكررة في حياتي، عايشت زمان المخيم الفلسطيني متشرداً، لم أر سوى النزف والعذابات، لم أجدني إلاّ غارقا في الأوحال والبيوت الطينية وألواح الزينكو، من هنا وجدتني القصيدة، فصنعتني المعاناة الحقيقية، فكانت قصيدتي هي حزبي الوحيد الذي الوذ به ويلوذ بي. فالقصيدة لا تقل أهمية عن السلاح في المعركة فهي تعبئة معنوية وتعبر عما يجري بصدق والشعراء مطالبون بإعادة وهج القصيدة المقاومة وألقها من جديدة خاصة أن القصيدة المقاومة في المراحل السابقة استطاعت أن تقض مضجع العدو ولا ننسى قصيدة الراحل محمود دوريش «عابرون في كلام عابر» حيث طلب السفاح شامير رأس دوريش بسبب هذه القصيدة، فالشعر الحقيقي النابع من الهم الإنساني هو الذي تتفاعل معه الشعوب المضطهدة المقموعة، ولا زالت القصيدة العربية تشتبك مع المعطى الحياتي وتقرأ تفاصيل الوجع وتعبر عن معاناة الإنسان العربي، وكذلك القصة والرواية والمسرح والسينما والدراما التلفزيونية فجميع هذه الفنون الإبداعية استطاعت أن تؤرخ للجرح وتقاوم وكل هذا بالطبع لا يصنع نصراً لأننا لم نسمع أن قصيدة حررت وطناً وإنما بثت روح التضحية والمقاومة في نفوس الشعوب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©