السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«هالو كايرو».. عندما تريد السينما تلطيف المزاج بكرنفال كوميدي

«هالو كايرو».. عندما تريد السينما تلطيف المزاج بكرنفال كوميدي
3 مارس 2011 21:04
ليس غريباً، أو جديداً، أن تكشف السينما المصرية عن مخزون كوميدي مميز، فلطالما كانت النكتة المحملة بمدلول ثري ودلالة استثنائية من السمات المميزة للشعب المصري، وبين العلامات الفارقة لانتاجه الفني أيضاً، أما الجديد فلعله أن يكون “هالو كيرو”، الفيلم الساخر حتى آخر رمق، هو أول ما يطالع المشاهد بعد التطورات التي شهدتها الساحة المصرية مؤخراً، وبعد أن ُطرحت مخاوف حقيقية من إمكانية أن يكون المصريون قد خسروا بعضاً من طاقتهم الكوميدية، وقدرتهم المميزة على الإضحاك، وهي قدرة بلغت من التغلغل في أعماقهم حد أن تصير جزءاً رئيسياً من شخصيتهم الجماعية، يعرفون بها، وتنسب إليهم. أبوظبي (الاتحاد) - الفيلم تأليف أحمد ثابت، إخراج أيمن كرم، وهو يمثل نتاجاً مشتركاً بين الكويت ومصر، إذ أخذ على عاتقه مهمة إرساء قواعد متجددة للتعاون الفني على المستوى العربي عامة، وعلى الصعيد المصري الخليجي تحديداً، وذلك بعد رواج نمط من سوء الفهم المتبادل، لا سيما في ما يتعلق بسوء تجسيد الشخصية الخليجية على السينما المصرية، أسندت البطولة الكويتية إلى كل من طارق العلي، سالي القاضي، سليمان عيد، شهاب حاجية، وايهاب فهمي، في حين ضم الفيلم من مصر كلاً من حسن حسني، أحمد بدير، علاء مرسي، وسليمان عيد. نسيان مركب يروي الفيلم حكاية سليمان (طارق العلي) الذي يأتي إلى القاهرة ليتلقى علاجاً من آفة نسيان مزمنة يشكو منها، لكنه يتعرض لحادث صدم بسيارة يقودها العم عاشور (حسن حسني) وهو حانوتي يتولى عملية دفن الموتى بالتعاون مع أحد مساعديه، فيما يوكل مهمة التدقيق الطبي بحالة زبائنه، وتحديد ما إذا كانوا فد استوفوا شروط الموت، إلى أحد الحلاقين.. بعد الحادث يغدو المشهد السينمائي مفتوحاً على كم هائل من المفارقات المضحكة تعيد إلى الأذهان موسم التألق الكوميدي الذي شهدته السينما المصرية في زمن الكبار من روادها، أمثال اسماعيل ياسين وأمثاله ممن كان الدخول إلى أحد عروضهم السينمائية يعني إسلام الذات إلى حالة هستيرية من القهقهة المتواصلة. كوميديا دائمة يصدم عاشور سليمان بسيارته ويصير عليه أن يتحقق من أنه قد فارق الحياة، يستعين لذلك بأحد مساعديه الذي يصعب عليه التمييز بين حالتي الموت والحياة، في هذه المرحلة يثبت الفيلم أن إمكانية الضحك متاحة دوماً، حتى عندما يكون الموقف محاذياً للموت، والأرجح أن هذا المشهد هو أحد المشاهد النادرة في السينما عموماً، حيث يمكن لسلسلة من المواقف الكوميدية أن تجري فصولها في مدفن مفتوح أبعاده على الغياب الأبدي. بعد التأكد من كون سليمان لايزال على قيد الحياة، يتعين على عاشور ومساعده حل معضلة الذاكرة المثقوبة التي يعانيها ضحيتهم، وقد تحول مصدر ارباك متواصل. جماعية الضحك فصول متتالية من البحث الدائب عن صلة ما لسليمان بأصله وذويه تؤول جميعها إلى فشل ذريع، وإن كانت تنطوي على كثير من المواقف المضحكة التي يتبارى الجميع في منحها يريقاً من العفوية الجذابة، حتى يمكن القول إن الجديد الذي تمخض عنه فيلم “هالو كايرو” هو البطولة الكوميدية الجماعية، في تطور مغاير للسائد على هذا الصعيد، إذ لطالما كانت الطرافة السينمائية حكراً على أحد نجومها يتولى مهمة الإضحاك وحده، فيما يتحول الشركاء إلى “سنيدة”، أما إذا أريد تعزيز مكانة أحدهم فيجري تقديمه بصورة صديق البطل، الذي يمهد الطريق أمامه من أجل قفشة ناجحة. القيمة المضافة الأخرى التي يمكن التنبه لها في الفيلم تتمثل باعتماده كوميديا الموقف بعيداً عن الابتذال التهريجي، ودون حاجة إلى تركيبة ضوئية تضفي عليها مسحة السخرية، وتحيل إلى مواقف يصعب الدفاع عنها بوصفها فناً، بقدر ما هي تمثل حالة من الاستجداء الفني للواقع الذي يبقي دوماً موئلاً لأفكار لا تنضب. كرنفال حركي بدا الفيلم متسقاً مع نفسه إلى درجة يصعب معها تحديد شخصية الممثل الذي ساهم في إضحاك المشاهد أكثر من سواه، هل هو سليمان (طارق العلي) فاقد الذاكرة الذي لايعرف شيئاً عن نفسه، لكنه يجيد تحويل ذلك الضياع الكلي إلى كرنفال حركي زاخر بكل ألوان السخرية المتاحة، أم العم عاشور (حسن حسني) الذي يبدو كما لو أنه صنع خصيصاً ليثير البسمة فوق الشفاه حتى عندما تكون مهنته متصلة بالموت، وبكل مايثيره في النفوس من حسرة وهلع، أم سائق التاكسي (أحمد بدير) الذي يصطنع الفهلوة لكنه يقع دوماً في شراك تنصبها له الظروف. وصولاً إلى آخرين لم يحل تواضع أدوراهم دون أن تكون مزدحمة ببعد كوميدي بالغ، مسنود إلى مستوى لائق من العفوية التي تنقي الكوميديا من شوائب الالتباس. دمج التجارب لا يمكن لمقاربة الفيلم أن تصير كاملة إذا لم تلحظ ذلك الإنسجام الفعلي بين الطاقات التمثيلية المصرية والخليجية، حيث أثبت وبالملموس أن إمكانية انتاج أعمال سينمائية عربية مشتركة هي متاحة، بل ومطلوبة أيضاً، حيث أمكن للتنويع في المقدرات التمثيلية أن يتحول مصدر غنى للعمل السينمائي، بحيث يسع المشاهد أن يطل على أكثر من تجربة في سياق تكاملي، تساهم الواحدة في منح الأخرى مزيداً من مقومات التبلور والتمظهر هكذا كان بامكان الأداء الخليجي المتسم عادة بقدر من الهدوء والوضوح أن يسمح بإبراز الصخب المصري المحبب، ويمنحه نوعاً من الدلالة التي يصعب أن يتمخض عنها عمل أحادي المصدر، التمازج بين التجارب هو عامل إثراء لها، إذا حصل وفقاً لقواعد علمية مدروسة. وقديماً قيل: أضف عقلك إلى عقول الآخرين يغنى عقلك، فكيف إذا تمت إضافة التجارب الفكاهية ودمجها في إطار مدروس. حين يغدو صعباً على العم عاشور إيجاد ذوي سليمان يقترح عليه أن يتبناه، وأن يمنحه اسم جوهر، ابنه الذي خسره في مقتبل الشباب، يوافق الرجل الذي ليس لديه ما يخسره، لكنه للمفارقة المضحكة يصير عليه أن يسدد ضريبة صاحب الاسم الذي يكون متورطاً في مشكلة مع إحدى العصابات، غني عن الشرح ما يسع صدفة بهذا القدر من المأسوية أن تضخ من المفارقات الطريفة، التي يجري توظيفها وفق أطر فائقة السخرية، بحيث يكون على المشاهدين أن يضحكوا من مآسي ممثليهم، وقد نكون هنا قد وقعنا على جوهر الرؤية الناظمة للعمل السينمائي: كل شيء قابل لأن يتحول مصدراً للضحك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©