الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تكنولوجيا الدجل

تكنولوجيا الدجل
3 مارس 2011 21:01
(القاهرة) - ذاع صيت «منال» وتناقل الناس عنها أخبارا وصلت إلى حد الأساطير التي لا يصدقها عقل وقالوا إنها تعالج الأمراض المستعصية حتى السرطان والكلى والأزمات والعقد النفسية وتزوج العوانس وتعرف أماكن الأموال والمجوهرات المسروقة وتستطيع إعادتها، وقالوا إنها قادرة على معرفة اسم الشخص الذي يزورها من دون أن يخبرها به بل واحيانا قد تخبره بمشكلته من دون أن يتكلم أو يذكرها لها ولم يكن أحد يعرف المصدر الأول لهذه المعلومات وإنما يتناقلونها فيما بينهم بلا سند، والأدهى انهم يصدقونها بلا نقاش ويستسلمون لها بعد أن يمنحوا عقولهم إجازة. تدفق الرجال والنساء والشباب والشابات على «منال» التي أطلقوا عليها لقب «الشيخة المبروكة» كل منهم يحمل مشكلته بحثا عن أمل في علاج أو تحقيق أمنية زواج أو التوافق مع زوجة متمردة أو زوج يطمع في زيجة ثانية أو معاناة من البطالة، والغريب أن كل واحد يحاول أن يتخفى وهو في طريقه إليها لأنه يستشعر انه مقدم على تصرف خاطئ وغير سوي ورغم ذلك تستطيع «الشيخة منال» أن تقنع كلا منهم بنوع من الحلول ما بين عاجل وآجل كلا حسب معضلته. ووصلت هذه المعلومات عن «منال» إلى سيدة الأعمال العجوز التي شعرت كأن حلا هبط عليها من السماء وليس لها هي وإنما لابنتها التي بلغت الثلاثين ولم تتزوج بعد، وقد قاربت على حمل لقب عانس رغم أنها ليست ذميمة وفي نفس الوقت سيكون من يقترن بها في قمة السعادة لأنها تملك المال والمسكن والسيارة وقد لا تحمله شيئا من نفقات الزواج خاصة إذا كان مناسبا والسيدة العجوز تبحث عن سبب عدم التوفيق لابنتها، وان كل من يتقدم لها يهرب بعد عدة أسابيع ويذهب بلا عودة وترى من حولها من الفتيات العاديات يتزوجن وينعمن بأزواج وبيوت مستقرة وهناك من همس في أذن السيدة بأن ابنتها تعرضت لسحر سفلي حتى لا تتزوج ودارت المرأة بأفكارها لتكتشف أن أعداءها كثيرون، وقد لا تستطيع أن تحصيهم فمنهم من يحسدها من أقاربها على ثرائها ومن عائلتها وعائلة زوجها، ومن يحقد عليها لأنها في هذا النعيم وهناك المنافسون في الأعمال والجيران الذين ينظرون إليها وتخشى عيونهم لذا لا تستطيع أن تحدد من هؤلاء يريد أن ينتقم منها ويجعلها تعيش تعيسة وهي ترى ابنتها بجوارها بلا زواج وهي مستعدة للتضحية بأثمن شيء في سبيل تحقيق هذه الأمنية. لم تضيع وقتا وقررت أن تلجأ إلى «الشيخة منال» لتحل هذه المشكلة المستعصية، وأرسلت إليها أحد رجالها ليأتيها بها وإذا به يرى ما لا يصدقه فالمكان مزدحم والعشرات ينتظرون الدخول وبصعوبة بالغة، وبعد أن دس في يد المرأة التي تنظم الكشف مبلغا كبيرا استقبلته منال واستمعت منه إلى كل شيء وطلب منها أن تذهب معه إلى السيدة الثرية لحل مشكلة ابنتها فضربت له موعدا بعد أسبوع لأنها مشغولة ولا وقت لديها واشترطت ان تحصل على عدة ألوف من الجنيهات «بدل انتقال» لأنها لم تعتد الذهاب الى المنازل وهذا يكلفها الكثير وفي نفس الوقت لا ترفض علاج اي حالة. أرسلت العجوز سيارة فاخرة لإحضار «الشيخة منال» وهي ترسم صورة كما سمعت ورأت في الأعمال الدرامية من قبل أن الأشخاص الذين يعالجون هذه الحالات إذا كانوا رجالا فإنهم يرتدون ملابس مرقعة ويعلقون في رقابهم المسابح الملونة وعلى رؤوسهم عمامات خضراء وبيضاء وسوداء وأمامهم المجامر التي يلقون عليها البخور، وإذا كن نساء فالأمر لا يختلف كثيرا وان الرجال من ذوي اللحى الكثة التي هي اقرب إلى القذارة لكن عندما عادت السيارة هبطت منها فتاة في الثانية والعشرين من عمرها لا أكثر تضع الماكياج والمساحيق، وتتهادى في سيرها واثقة الخطوة وخلفها مساعدتها التي تحمل «اللاب توب» الذي تستخدمه في عملها فهي معالجة عصرية، ولا تمت لهؤلاء الأشخاص التقليديين بصلة لأنهم دجالون يعتمدون على الخزعبلات والكتب الصفراء والأحجبة والأوراق البالية كل ذلك جعل الأم تطمئن وتتأكد من أنها تسير على الطريق الصحيح بعيدا عن المشعوذين الذين حذرها البعض منهم. قامت «منال» في البداية بجولة في المكان الذي هو أقرب إلى المنتجع ومن خلال المعلومات التي حصلت عليها من الرجل الذي ذهب لإحضارها استطاعت أن توهم المرأة العجوز بأنها عرفتها بقدراتها الخاصة والخارقة من خلال هذه الجولة وهذا جعل صاحبة الدار تمنحها كل ثقتها وتصدق كل ما تقوله لها. بدأت جلسة العلاج وطلبت «منال» من الفتاة التي تكبرها بحوالي ثمانية أعوام أن تتمدد على المقعد الوثير وتغمض عينيها وتجيب عن الأسئلة الكثيرة التي وجهتها إليها، وقد استمرت الجلسة ساعتين وهي تسجل على الكمبيوتر بعض الملاحظات، وفي النهاية قالت إن الفتاة تحتاج إلى علاج خاص ونادر لكنها ستتصرف وتتمكن من تدبيره وإن كان مكلفا ووجدت أمامها موافقة على أي مبلغ تطلبه بل ووضعوه في يدها لكن قبل الرحيل جالت بعينيها في المكان وقالت للأم إن مجوهراتها معرضة للسرقة وأنها بحاجة لعمل حماية وتحصين وأنها ستقدم ذلك بلا مقابل. وافقت العجوز المتخوفة على الفور واصطحبت «منال» إلى الداخل ووضعت أمامها كل مجوهراتها التي تقدر بعدة آلاف من الدولارات وان كان معظمها من القطع الصغيرة لكنها كلها مطعمة بالألماس والأحجار الكريمة الباهظة الثمن، وقامت «منال» بوضعها كلها في علبة واحدة وطلبت كوب ماء وقطعة قماش بيضاء وكمية من الملح والتراب وأخرجت زجاجة صغيرة بها سائل احمر اللون لا يعرف ما هو وقامت بخلط هذه المكونات وطلبت من الجميع إخلاء المكان وإطفاء الأنوار وإغلاق الباب عليها وحدها، وبعد حوالي ربع الساعة خرجت وهي مازالت تتمتم بكلمات غير مسموعة وغير مفهومة واخبرتهم بأن المجوهرات داخل العلبة وفوقها غطاء يجب ألا يتم رفعه إلا بعد أسبوعين حتى يكتمل اثر الحماية وتتحصن المجوهرات من السرقة وغادرت بالسيارة الفاخرة التي أحضرتها. مرت ثلاثة أيام فقط ومن باب الفضول أرادت العجوز أن تطمئن على المجوهرات لترى ما حدث لها وإذا بها أمام مفاجأة مدوية لقد اختفت كلها، «منال» سرقتها وتركت العلبة فارغة في الغرفة المظلمة فضربت كفا بكف وتأكدت أنها وقعت ضحية دجالة محترفة استطاعت أن توهمها بكل ما قدمت، ولم تتردد لحظة في إبلاغ الشرطة حتى لو كان الثمن ضياع فرصة زواج ابنتها العانس وسطرت كل ما حدث في محضر رسمي ووضع رجال الشرطة خطة خداع «لمنال» للإيقاع بها ونصبوا لها فخا مثل الذي تنصبه لضحاياها لوضعها في المصيدة. تم إيهام «منال» بأن العجوز تعاني حالة صحية صعبة وانهم بحاجة لخدماتها لتقديم وصفة ناجحة لها من وصفاتها المعروفة والمشهورة ولها ما تريد من المال، ولم تكذب «منال» خبرا وسارعت مهرولة إلى هناك وهي تمني نفسها بالمزيد من الأموال مطمئنة النفس انهم لم يكتشفوا بعد سرقة المجوهرات لأن الأسبوعين لم يمرا بعد، ووصلت واثقة بنفسها وقبل أن تسير عدة خطوات كان رجال الشرطة يلقون القبض عليها ويخبرونها بالاتهامات الموجهة إليها. أمام رجال النيابة جلست «منال» الدجالة المودرن أو المحتالة الصغيرة تعترف بأنها تعاني أمراضا نفسية، وأنها تحترف النصب على الضحايا بهذا الأسلوب الناجح لأن الناس يصدقونها بسهولة فهم المخطئون وليس هي وأنها تعرضت لهزة كبرى في حياتها بعد أن طلقها زوجها منذ عامين بعد زواج لم يستمر عدة اشهر بعدما اكتشف تصرفاتها هذه، ورفضت أن تتخلى عنها وأنها لجأت لهذا الأسلوب بعد أن راودتها الفكرة منذ كانت مراهقة وتم عرضها على احد المشعوذين الذي أوهمها أنها مصابة بمس شيطاني ولديها قدرات خاصة وقدم لها الأحجبة والوصفات. أمرت النيابة بحبس «منال» المبروكة تمهيدا لتقديمها إلى محاكمة عاجلة لكنها لم تتأثر بالموقف كله لأنها تعلم أن الاتهامين الموجهين إليها وهما ممارسة الدجل والشعوذة والسرقة عقوبتهما القصوى لا تتعدى ثلاث أو اربع سنوات حبسا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©