الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الليبرالية الجديدة

9 ابريل 2017 22:27
ترامب لم يسقط من السماء، فأميركا وعالم ما بعد السبعينيات هم من أنتجوا هذه الظاهرة. ففي عام 1964 طرح باري غولدووتر، مرشّح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة آنذاك، شعارات قريبة جداً مما يطرحه ترامب الآن، لكن، ورغم كون غولدووتر كان نسخة معدلة وحتى أكثر خبرة وكياسة من ترامب، فإنه مُنيَ بهزيمة ساحقة حينها. لكن الجديد أن انتخابات 2016 هي في الحقيقة أكثر من مجرّد انزياح آخر نحو اليمين، كما يبدو. لكن يبدو أن ظاهرة تراكم الانتقال لليمين منذ منتصف السبعينيات باتت تؤسّس لأسلوب حكم ليبرالي جديد، أي ما يمكن تسميته «النيوليبرالية». قبل أكثر من عقد من الزمن، جادل ديفيد هارفي في افتتاحية كتابه «موجز تاريخ النيوليبرالية» أن مؤرّخي المستقبل سينظرون إلى الأعوام 1978 - 1980 على أنها نقطة تحوّل ثوري في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعالم. ويعتبر هذا الزعم مدخلاً ضرورياً لفهم حال العالم بعد أربعة عقود من السياسات النيوليبرالية، ويُركز تحديداً على الصعود اللافت لليمين في الولايات المتحدة وأوروبا. ففيهما يناقش هارفي كيف اخترقت النيوليبرالية الشعور والحس والوعي العام، وأعادت تشكيله لصالح مفاهيمها الأساسية، ويناقش الاستراتيجيات التي اتّبعها أقطاب هذا التوجّه والأدوات التي تم استخدامها من الجامعات إلى وسائل الإعلام لتحويل أفكار النيوليبرالية إلى تيّار عام. ويُؤكد هارفي أن فكرة سيادة أيّ اتجاه فكري يتطلب تطوير جهاز مفاهيمي يكون جذاباً ومتوافقاً مع حدس الشارع وغرائزه، ومنسجماً كذلك مع قيمه ورغباته وبذلك يتم تحت ستار هذه القيَم الإنسانية وحرية الفرد، تمويه حملة استعادة السلطة الطبقية. لو تمعنا بهذا الطرح أكثر، لأدركنا أن هارفي يخبرنا أن الإنسان لا يولد نيوليبرالي الهوى، بل يصبح كذلك بفعل استهداف وعيه وإعادة تشكيله، ويصبح كذلك بفعل حملة مبرمجة تعمل تحت ستار «حرية الفرد» و«القيَم النبيلة» من أجل الوصول إلى حرية رأس المال، وعبر حملة مبرمجة تستهدف أصلاً تجييش الإنسان ضد القيود التي تفرضها الدولة على رأس المال باسم حرية الأفراد والقيَم الإنسانية. في النتيجة: النيوليبرالية أسست لذلك، وغيّرت العالم فعلاً. لكنها بعد أربعة عقود لأزمة هيمنة الطبقات الحاكمة في الغرب، أسست لغياب الهيمنة المضادّة والبديل العضوي للرأسمالية النيوليبرالية. فالناس في النهاية لا تأكل قِيَماً ولا تلبس شعارات، بل تعيش واقعها وتدركه مباشرة مهما حاولت وسائل الإعلام وكليات الاقتصاد إقناعها بعكس ذلك. لكن مع غياب البديل العضوي المضاد، الذي جرى تسخيفه وشيطنته منهجياً باستخدام الشعارات نفسها، كشعار «الاشتراكية نظام تسلّطي»، بدأت حقبة اليمين التي أسست لها النيوليبرالية تنتج ملامح أقرب إلى الفاشية. لكن ظاهرة الانزياح يميناً في السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا في المجتمع الأميركي ليست مقتصرة حقيقة على هيمنة الحزب الجمهوري انتخابياً فقط. فمنذ عهد الجمهوري رونالد ريغان، حاول الديمقراطيون أيضاً المنافسة بالتحوّل نحو الوسط، عبر ما عُرف حينها بـ «الطريق الثالث» أو «الديمقراطيين الجدد»، الذين قادهم كلينتون لاحقاً نحو اليمين ليضمن فوزه في انتخابات 1996 بعد «المجزرة» الانتخابية التي عاناها حزبه في الانتخابات النصفية في 1994. نصـّار وديع نصـّار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©