الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جليد تزفه الشمس...

جليد تزفه الشمس...
1 مارس 2012
مريم الرميثي عاد من الخارج متأففاً يلعن الشمس وكل شيء، وحالما وقعت عيناه عليها صبَّ جل غضبه.. ركلها بقدميه العفرتين. بكت ترجوه أن يرحمها، أغرقتها الدموع الشلالة أمامه، لكنه لم يرأف لحالها وعاد للسهر مع رفقاء السوء. أكملت أمي المسكينة عملها في الخياطة كأنها تبوح بأوجاع قلبها للآلة التي تبقت من والدتها، وأنا أتكور في غرفتي كقط بلله المطر، حتى أرهقني البكاء وثقلت عيناي بالدموع فنمتُ. مضت الأيام وكبرت الأحزان ترافقنا كظلنا، ما بقي في جسد أمي رقعة أثخنتها الآلام. حوائط بيتنا الصغير غدت سوداء لا بياض فيها، يبست الأشجار في حديقتنا. الجيران يشتكون من تهجم والدي السكير عليهم بالسباب والشتائم، ويقولون شفقة على حال أمي: “لو أنها تترك هذا السكير فما حاجتها للعيش معه؟”. غدت عبارات الذم تلاحقني أينما ذهبت، في الجامعة، في الحي، تفزع أحلاماً وليدة.. فأنكمش في محلي وأغطي وجهي بما أحمله خشية أن تراني العيون وتمضغني الألسنة. ها أنا طالب مُنعزل عن الغير لا أصاحب زميلاً ولا من يشدَّ على يدي. وليلة عدت من مكتبة الجامعة في وقت متأخر.. سمعت جلبة في الدار، هرعت للداخل لأجد أمي غارقة في الدماء. حملتها بين ذراعيّ، وعلى صدري ضممتها بحرارة، ثم زحفت بها خارج البيت أصيح بأعلى صوتي منادياً على الجيران ليساعدوني في نقلها للمستشفى. هناك.. فارقت الحياة من منحتني الحنان الذي لم أجده في قلوب البشر.. كانت عيونها نور حياتي فأظلم الكونُ. جررت قدمي إلى بيتنا، أتحسس جدران البيت وأحدث الزوايا عن أمي؛ عن مريم العذراء. عن كفاحها وصبرها. تختنق حروفي، ?يتعثر لساني ويُقفَلُ فمي!. أذوب في إغواءِ الجرحِ.. وأتنفـس ريانةَ الدمع حينَ يَمخُرني صوت خافتُ.. يتقاطر: لا تلمني، كف عن العُتبى صرخة تشتعل كنار بين عظامي: وما كان ذنبُ أمـي؟ ........... وقف يمد لي ذراعه، وشفتاه تغرق في الدمعِ ليكمل: أرأيت يا بني كم من خطايا أرّقتني! كم من دمعات أذلّتني! إبرٌ توخز الحَنايا التي تسممت من الريـح العتيقة وأهلكِت الطير الكسير، كأني لم أرها وهي تنخرُ في تجاعيده، وتفجر جِراحات كان مثواها في قلبي.. رحل الحب وجفاني الأملُ كل لحظة عشتها أجهضت أفراحي فما عادت أرضي تأوي بذراً دونما لوعات غَزيرة ولا عُدت أشعر بأحاسيس يمثلها البشر اليوم قد انقشعَ السـراب، وعدتُ أيها التعيس لكي تناولني كأس الحزن من قريب عدتَ لتعميني في الظلام.. ومـا الحزن إلا لليتيم! على صفح اللظى سُكبت روحي وتحجر القلب.. في الظلماء تحجر كما جسدهـا الذي يتراءى في طُهر على وجه الوجعِ وما حَبلت به من لجةِ الأنين قالت قبل أن تغيبَ لتُضيء القمـر وتراوحُ الرذاذَ: إنـه القدر.. يا بني في بلّورة الملحِ الخاملة لا تنظر خلفكَ كلما غص صدركَ بالقهر والألم أبتاه.. يمزقني حنينُ الوجدِ ذاكَ الذي عبثت به أهواءُك.. الألم بداخلي يتغنى أوشحةَ فيما وراء جدارية الزمنِ الهزيل فما كان منيَ غَير أن أمسكتُ بقبضة الباب، دفعته بقوة وأفلتُ شعورا بالذنب لا خلاص له، أراد هو أن يذيبَ الباب، ويقتلعَ أشواكَ صدري، أراد أن يقول كل شيء، أي شيء.. ......... أقترب من البابِ أكثر، تمسده، فاخترقت يداه صدري، حتى أراقتها الأشواك المنتصبة نحوه في آيةٍ تقول إن الحزن اختبار تحللت ذراتُ الهواء. اسودَّتِ السماء. ذبلت الأضواءُ، وطُرد الجرح إلى حيث ذنبِ لا استغفار يدثره.. سمعت روحه تستغيث، وجدته يفترش الأرض مذلولاً، يتمدد عليها وكأنه يرجوها ابتلاعاً.. بكاء.. صراخ.. دماء ثم صمتٌ يستطيل بثّ الزمنُ شهباً تؤرقني ها أنا اليوم أطهّرُ الدمعَ وآلام تشل كياني أسندُ رأسي على الجدار.. أشري الحزن من بعد صلاة ودعاءٌ لا يفارق الأجفانَ أين أرى النورَ يا ربي؟! يوجع همّي حتى الصراخ الأبكم شاءت اللهفة ?حين نظرت خلفي ونسيت أن للغياب صدى، وأن للوجع أرض تلكَ روحي جليد تزفه الشمس!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©