الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعادة الإسرائيليين.. مشروطة

سعادة الإسرائيليين.. مشروطة
1 مارس 2012
اختارت مجلة “إقرأ” Lire الشهرية الفرنسية المختصة في الكتب والأدب رواية “امرأة فارة من الإعلان”une femme fuyant l’ annonce لمؤلفها دافيد غروسمان David Grossmann أفضل رواية لعام .2011 والرواية هي في الأصل صدرت باللغة العبرية، ومؤلفها هو روائي إسرائيلي وتمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، واستمد المؤلف أحداث قصته من الواقع المعاش مازجا بين أحداث حصلت في اسرائيل وبين أحداث شخصية تخص أسرته، فعام 2006 كان ابنه الأصغر مشاركا في الحرب الإسرائيلية الثانية في لبنان، وكان الروائي ـ وهو بصدد تأليف قصته ـ قد ترسخ لديه ما يشبه اليقين بأن الكتابة قد تحمي ابنه اوهكذا تخيل وهكذا فكر، ولكن ابنه الذي كان وقتها في العشرين من عمره مات في الحرب. والرواية تبدأ بقرار البطلة وهي امرأة اسمها “أورا” مغادرة مدينة “القدس” التي تقيم وتعيش فيها الى منطقة الجليل برفقة رجل أحبته في شبابها الباكر، وهو صديق قديم عادت العلاقات بينهما من جديد بعد طلاق “اورا”، فقد فارقت “اورا” زوجها “ايان” منذ وقت قصير وذهبت في رحلة مع صديقها في الوقت الذي كان فيه ابنها يقوم بخدمته العسكرية مع الجيش الإسرائيلي متطوعا في عملية عسكرية لمدة 28 يوما في مدينة فلسطينية، والغريب انه خلال رحلتها تلك كان يعتريها شعور بأن ابنها سيموت في الحرب، ولذلك وعلى غرار شهرزاد في ألف ليلة وليلة، فان بطلة هذه الرواية كانت تقاوم فكرة احتمال الموت بالكلام والحكايات من خلال السرد المطول لبعض الأحداث التي عاشتها مع طليقها ومع ابنها. والروائي اعلن انه يرى ان الكلمات يمكن لها أن تنشئ خيارا آخر غير خيار الرصاص، وهو يعتبر إن الكتابة ساعدته هو نفسه على مواجهة الواقع بعد موت ابنه في حرب اسرائيل ضد لبنان. تبدو رحلة الزوجة المطلقة مع صديقها في الزمان والمكان وكأنها رحلة في الظاهر بدون هدف عاشتها بطلة الرواية فرارا وخوفا من سماع نعي ابنها، ولكنها في الحقيقة هي رحلة لأسرة ومن ورائها وخلالها هي رحلة في تاريخ الكيان الاسرائيلي. والروائي نجح في المزج بين الآراء والأفكار الواردة على لسان البطلة وبين الوصف الدقيق للمناظر الطبيعية الخلابة في منطقة الجليل، فهو يصف الأشجار والأزهار والأماكن وحتى الحشرات والجبال والأنهار، والجليل هي منطقة في شمال فلسطين المحتلة يعيش فيها اليوم عرب ويهودا ويشكل فيها العرب نصف عدد السكان تقريبا وهي من أجمل الأماكن بتلالها وأشجارها ووديانها واخضرارها، وأثناء جولة بطلة الرواية مع صديقها في الجليل يسألها: “هل يمكن ان نواصل المشي هكذا دون وجهة محددة؟ وهل يمكن ان نحيا بلا هدف أو معنى؟”، وأجمع النقاد على ان المحور الأساسي للرواية هو الألم ولوعة الفراق لمن نحبهم والخوف من ان يطوي النسيان من يموت من الأعزاء والأقرباء. وقد ترجمت الرواية من اللغة العبرية الى اللغة الفرنسية سيلفي كوهان ونشرت دار “ سوي” الباريسية النسخة الفرنسية. والرواية هي من وجهة نظر بعض النقاد شهادة تاريخية للذكرى، وهي أيضا شهادة للموت، وهي رواية تشبه في بنائها الدرامي مأساة إغريقية اذ ان مؤلفها فقد ابنه فعلا في حرب أسرائيل مع لبنان، ودافيد غروسمان يحكي عبر أحداث الرواية قصة كيان اسرائيل من 1967 والى اليوم، مضمنا الأحداث أفكاره ورؤيته وتحاليله التي تعكس حيرة الاسرائيليين وتوترهم، علما وان الروائي مصنف من ضمن دعاة السلام في اسرائيل وله علاقات متوترة مع المستوطنين، والعنوان الذي اختاره لروايته يحمل رمزا ويشير في الظاهر الى إن الأم هاربة خلال رحلتها إلى منطقة الجليل من سماع الإعلان عن موت ابنها. وفي قراءة متعمقة فإن العنوان والأحداث ترسم من خلال حياة عائلة إسرائيلية تحليل للمجتمع الإسرائيلي الذي يؤكد المؤلف انه “أسير الخوف والعنف” مضيفا:”ان الزائر المتجول في تل ابيب اوالقدس قد يلتقي بالكثير من الناس الذين تبدو في الظاهر على ملامحهم علامات السعادة ولكن الحقيقة ـ وأنا إسرائيلي ـ أعلم ان السكان يشعرون بالخوف من المستقبل وان الوضع يزداد سوءا لغياب الحل.. وانا ايضا أشعر بشيء من السعادة ولكن بعد وفاة ابني خلال حرب لبنان الثانية فإني اجزم بانها سعادة هي دائما مشروطة وهي سعادة مؤقتة وهذا ما أردت ان أظهره في روايتي”. وكان ابن المؤلف قتل مع جميع الجنود الذين كانوا معه على ظهر دبابتهم يوم 12 اغسطس 2006. وقد فاز دافيد غولسمان بجائزة السلام التي تمنحها رابطة أصحاب دور النشر الالمانية لعام2010، وعللت اللجنة منحه هذه الجائزة بأنه روائي يدعو الى المصالحة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وبأنه يحاول فهم وجهة نظر الفلسطينيين، كما فاز بجائزة “ميديسيس” الفرنسية عن روايته الأخيرة “امرأة تفر من الإعلان”. ورواية “امرأة تفر من الإعلان” كلها مركزة على تحليل العلاقة بين ام وابنها وتصوير شخصية البطلة الأم كامرأة ممزقة هشة وقوية في الآن نفسه مثلها مثل صديقها الذي يتذكر هو ايضا يوم وقع أسيرا لدى الجيش المصري وهو كما جاء في أحداث القصة قد تعرض للتعذيب خلال الاستجواب الذي خضع له. والرواية جمعت بين الشهادة عن أحداث جدت فعلا وهي شهادة رآها البعض من النقاد الغربيين خاصة بأنها شهادة تقترب من الموضوعية في حين هناك من رأى فيها غير ذلك، وتضمنت أحداث القصة ايضا تقييما فكريا ومواقف سياسية وإنسانية، فالبطلة كما صورها الكاتب هي امرأة حساسة وناشطة ويعتريها الشك، كما تعمد المؤلف إبراز كل ما هو تراجيدي كلحظة قدوم الضباط الاسرائيليين لإبلاغ الأسرة بموت ابنها في الحرب. وعندما سئل الروائي عن رد فعل القراء في إسرائيل قال انهم وجدوا في أحداث القصة انعكاسا لحيرتهم وقلقهم وخوفهم من المستقبل الغامض، فالوضع كما يقول دافيد غروسمان في اسرائيل اليوم هووضع مأساوي، وهو يرى انه مرت اجيال متعافبة في اسرائيل، اربعة اوخمسة أجيال، ولكن الوضع لم يتغير، مؤكدا “نحن منشغلون وقلقون على ابنائنا وعلى أنفسنا ايضا، وعلى مصير ذريتنا ونحن نشعر بحيرة وخشية وجودية”، ولكن بعض القراء رأوا في الرواية مجرد قصة حب لامرأة بين رجلين. واعتبارا للأفكار الواردة في رواية “امرأة فارة من الاعلان” فإن النقاد استنتجوا ان دافيد غروسمان “يختزل ضمير بلده” في حين ان أعداءه في اسرائيل يقولون عنه انه يساري مثالي من أنصار سلم دائم بين اسرائيل والفلسطينيين. والروائي في عيون النقاد الغربيين هو أحد أبرز كتاب الرواية اليوم في العالم، وقد تم ترجمة العديد من مؤلفاته الى الانجليزية والفرنسية من بينها “يوميات سلم مؤجلة” و”الزمن الاصفر” وهي رواية تمت ترجمتها الى اللغة العربية منذ عقدين من الزمن وفيها وصف لقمع إسرائيل للفلسطينيين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©