الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيت الآخر

البيت الآخر
11 مايو 2008 00:30
كنت سعيدة في عملي مع أسرة صغيرة ولطيفة، أب وأم وطفلة في الخامسة من عمرها· العمل خفيف والطفلة متعلقة بي وهي السبب في أخذي إلى أماكن اللهو واللعب، وقد سمح لي سيدي بالخروج في مرات كثيرة عندما كنت أطلب منه ذلك، للأسف فإن الرجل قرر العودة لبلده بعد أن أصبح لديه من المال ما يكفي لشراء البيت، فتنازل عني لأحد أصدقائه، وامتدحني عنده لأنني كنت أؤدي واجباتي على أحسن وجه· لم تكن سيدتي الجديدة سيئة في التعامل معي، ولكن كمية العمل أصبحت كبيرة، صرت أشعر بإجهاد كبير في محاولة لإبقاء السيدة راضية عني، فهي مصابة بوسواس اسمه النظافة والكمال في كل صغيرة وكبيرة· الغريب أنها لا تشعر بالتعب والإجهاد· لديها طاقة غير عادية، تنهض منذ الصباح الباكر فتبدأ بالعمل، وعلي أن أكون إلى جوارها للمساعدة، فلا ينتهي العمل حتى المساء· والأغرب أنها تجد الأشياء وسخة، رغم أنها نظيفة وتبرق من كثرة النظافة، فتعيد عملية التنظيف بشكل مستمر· وهي تستخدم خلطات عجيبة تعدها بنفسها: ''كلوركس'' مع مسحوق ''إيريال'' مع سائل ''فلاش''، وأشياء أخرى تتفاعل مع بعضها فتكون خليطاً ذا رائحة مدمرة لأجهزة التنفس، فضلاً عن سلخ جلد اليد، ولكنها لا تكترث، المهم لديها النظافة ولا شيء غير ذلك· بعد أسابيع من العمل المتواصل، صرت أشعر بالتعب، لأن الوضع لا يطاق، فكنت أتحايل بأي شكل لأدعها تفرك وتدعك لوحدها، بينما أنسحب من بين يديها لأي حجة أو عذر، ثم أبطئ بالعودة حتى تكاد تنتهي من عملها· أدركت المرأة مقصدي وصارت توبخني، كنت أشعر بالجوع القارس خلال فترة العمل المتواصل والذي يبدأ عادة في الثامنة صباحاً ويستمر حتى الساعة الثالثة بعد الظهر، وقتها أشعر بأنه سيغمى علي من شدة الجوع، بينما أجد سيدتي لا تأكل شيئاً فأستغرب لماذا هي كذلك؟ اضطررت لإخبارها بأنني جائعة، فنظرت إلي باستغراب، وقالت: ألم تتناولي فطورك؟ قلت: نعم، ولكنها فترة طويلة وأنا أجوع بسرعة، عندها اتهمتني بأنني أحاول المراوغة والتهرب من العمل بحجة الجوع· كنت أعرف بأن العائلة تخرج في أيام الإجازات للتنزه، فقررت أن أمتع نفسي على طريقتي الخاصة، فصرت أخرج من البيت بعد أن أتأكد من ذهابهم، ثم أتمشى هنا وهناك وأصاحب هذا وذاك للتسلية والترفيه وتناول وجبة مجانية على حساب الصديق، وكنت أعود في المساء قبل عودة العائلة· شاءت الظروف أن يعودوا مبكرين يوماً، فاكتشفوا غيابي، فاعتقدوا بأنني ربما هربت، فتضايقوا لأنهم بحاجة لخدماتي· عندما عدت توقعت بأنهم سيعاقبونني بعقوبة كبيرة ولكنهم لم يفعلوا، فقط سألوني عن سبب خروجي، فقدمت لهم أعذاراً واهية ولكنهم تقبلوها برحابة صدر· بعد مدة اعتقدت بأنهم نسوا الأمر، فعدت للخروج من البيت بعد انصرافهم، ولكني فوجئت بأحد أولاد العائلة وهو مختبئ لمراقبتي، فما أن خرجت حتى سارع لإعادتي للبيت، فحقدت عليه حقداً شديداً· منذ ذلك اليوم تغيرت معاملتهم لي، صاروا قساة معي، وصاروا يغلقون الأبواب بالمفاتيح عند خروجهم من المنزل، كما هددني سيدي بالضرب إن فكرت بالخروج من المنزل مرة أخرى، فحقدت عليهم حقداً كبيراً، وصرت أقارن تعاستي في هذا البيت مع سعادتي عند العائلة السابقة، إذ كانوا يسمحون لي بالخروج في أي وقت عندما أكون قد أنهيت من عملي، ولم يكن عملي شاقاً مثل هذا الذي لا ينتهي ليلاً ونهاراً· قررت أن أتمادى في العناد واللؤم حتى يضطروا للتخلي عني لأسرة أخرى، فصرت أكل بشراهة كل ما يوضع في الثلاجة، أشرب عصائرهم وأكل حلويات الأطفال وكل ما يحتفظون به لأنفسهم· ولم أعد أعمل إلا بتلكؤ شديد، حتى تضايقت السيدة مني كثيراً ولم تعد تطيق النظر إلي، وطلبت من زوجها أن يعيدني لمكتب الخدم لتأخذني عائلة أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©