الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كثر عليه العلم حتى ضاق به

كثر عليه العلم حتى ضاق به
18 مايو 2016 23:12
رضاب نهار لم يأتِ لقب «عميد الأدب العربي» الذي توّج مسيرة الناقد والأديب العربي طه حسين (1889 - 1973) الفكرية والأدبية عن عبث. فقد استحقه بكلّ جدارة، نظراً لما رصده في كتبه من أفكار وعلوم ومبادئ وآداب، اختبرها في حياته، بدءاً من أستاذه في «الكتّاب»، مروراً بسنوات دراسته في الأزهر الشريف وحتى في الجامعة المصرية التي كان من أول المنتسبين إليها، يليها إيفاده إلى فرنسا لاستكمال تحصيله التعليمي. كذلك فقد عوّض حسين فقدانه للبصر ببصيرة أدركت منطق العالم حتى أبعد نقطة فيه. فجاءت جميع نتاجاته من فكر وأدب ونقد وغيرها، لتحاكي الواقع العام والواقع من حوله بجميع ظروفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، متتبعاً انعكاساتها على ثقافة المجتمع العربي بشرائحه المختلفة. وقد عُرف عنه تعامله مع القارئ بعقلانية كبيرة بدت واضحة في العديد من نصوصه، إذ كان يتوجّه بالحديث إليه مباشرة مخاطباً عقله ووجدانه. ومن المعروف أنه واجه سخطاً وانتقاداً شديداً لبعض آرائه التنويرية والرافضة للكثير من القوالب الفكرية الجامدة، لا سيما موقفه من الشعر الجاهلي واللغة العربية. وعلى الرغم من اهتمامه الكبير بالأدب العربي القديم، وخاصة بشعر العصر الجاهلي وبحوره، إلا أنه انفتح على الأفكار والآداب العالمية، قارئاً لها وفاهماً لما تحويه من طروحات جديدة مرتبطة باللحظة الراهنة وتراكمات التاريخ. فكان من أوائل كتّاب السيرة الذاتية كعمل روائي في العالم العربي، حمّلها ذاكرته ورؤيتها الحالمة. من أعماله «الأيام»، «الفتنة الكبرى – عثمان»، «الفتنة الكبرى – علي وبنوه»، «المعذبون في الأرض»، «على هامش السيرة»، «الأيام»، «دعاء الكروان» و«في الشعر الجاهلي». ذاكرة الإنسان غريبة حين تحاول استعراض حوادث الطفولة، فهي تتمثل بعض هذه الحوادث واضحاً جلياً كأن لم يمض بينها وبينه من الوقت شيء، ثم يمحَ منها بعضها الآخر كأن لم يكن بينها وبينه عهد. *** لكنه عاجز كل العجز أن يتذكر كيف استحالت الحال، وتغير وجه الأرض من طوره الأول إلى هذا الطور الجديد. *** سمع إخوته يصفون ما لا علم له به، فعلم أنهم يرون ما لا يرى. *** النساء في قرى مصر لا يحببن الصمت ولا يملن إليه، فإذا خلت إحداهن إلى نفسها ولم تجد من تتحدث إليه، تحدثت إلى نفسها ألواناً من الحديث، فغنت إن كانت فرحة، وعدّدت إن كانت محزونة. *** وما هي إلا أيام حتى سئم لقب الشيخ، وكره أن يدعى به، وأحس أن الحياة مملوءة بالظلم والكذب، وأنا الإنسان يظلمه حتى أبوه، وأن الأبوة والأمومة لا تعصم الأب والأم من الكذب والعبث والخداع. *** للعلم في القرى ومدن الأقاليم جلال ليس له مثله في العاصمة ولا في بيئاتها العلمية المختلفة. *** كان هذا النسيم الذي يترقرق في صحن الأزهر حين تصلّي الفجر، يتلقى وجهه بالتحية فيملأ قلبه أمناً وأملاً. *** إن العلم ليكلّف طلابه أهوالاً ثقالاً. *** لكنه كان على هذا كله مؤمناً شديد الإيمان، له نزعات صوفية غريبة تخرجه بين حين وحين عن أطواره هذه كلها، وترده زاهداً متقشفاً، يأخذ نفسه بالشدة والعنف، ويفرض عليها عذاب الحرمان والجوع. *** على هذا الربع أقبل الصبي، وفي هذه البيئة عاش. وأكبر الظن أن ما اكتسب فيهما من العلم بالحياة وشؤونها والأحياء وأخلاقهم لم يكن أقل خطراً مما اكتسبه في بيئته الأزهرية من العلم بالفقه والنحو والمنطق والتوحيد. *** ذهبت عنه العزلة حتى رغب فيها أحياناً، وكثر عليه العلم حتى ضاق به أحياناً أخرى. *** أحسّ أن الذين بكوا الشيخ صادقين، وحزنوا عليه مخلصين لم يكونوا من أصحاب العمائم، وإنما كانوا من أصحاب الطرابيش، فوجد في نفسه ميلاً خفياً إلى أن يقرب من أصحاب الطرابيش هؤلاء، وإلى أن يتصل ببيئاتهم بعض الاتصال. ومن له بذلك وهو فتى ضرير قد فرضت عليه الحياة الأزهرية فرضاً فلم يجد عنها منصرفاً. *** وليحيا إذاً هذه الحياة المشتركة التي يتجاذبها قديم الأزهر في ذلك الحي العتيق بين الباطنية وكفر الطماعين، وجديد الجامعة في ذلك الحي الأنيق من شارع القصر العيني. *** أصبح كاتباً لشيء آخر: وهو أنه أثناء الأعوام العشرة الأولى من كتابته في الصحف لم يكتب إلا حباً للكتابة ورغبة فيها، لم يكسب بها درهماً ولا مليماً. *** ليس الأوربيون وحدهم إذن هم الذين يثورون غضباً للكرامة الوطنية وطموحاً إلى استقلال الوطن. بل إن مصر الأفريقية تثور هي أيضاً كما ثار الإنجليز والفرنسيون والأمريكيون وأمم غريبة أخرى. *** قال سعد: أما أنا فيكفيني أن أرى هذا التضليل وهذه الأكاذيب التي تنشرها الصحف في أقطار الأرض ويقبلها الناس في غير تثبت ولا تمحيص لأقطع بألا سبيل إلى تصفية التاريخ من الشائبات، ولأقطع بعد ذلك بألا سبيل إلى استخلاص التاريخ الصحيح من هذه الشائبات. وانظر إلى ما ينشر عنا في مصر وفي باريس، وحدثني كيف تستطيع أن تستخلص منه التاريخ الصحيح! *** وكيف نيأس وقد أيقظتم الشعب فاستيقظ، ودعوتموه فاستجاب؟ *** حاولت هذه الثورة أن تحقق نظاماً كان الناس يقرؤونه في الكتب، ويعتقدون أنه من هذه المثل البعيدة التي لا سبيل إلى تحقيقها. *** كان صاحبنا يقدّر أن الساسة الذين يقودون الثورة سيختلفون في يوم قريب أو بعيد، ويعتقد أن العلماء والمفكرين سيكونون هم الذين يحققون التوازن بين الساسة حين يختلفون، وسيقضون بينهم فيما يضطرون إليه من الاختلاف. *** يمضي إلى غايته كما يمضي الزمان إلى غايته، في أناة ومهل وحزم. *** في القارئ حب استطلاع أقل ما يوصف به أنه يضايق الكاتب، ويأخذ عليه الطريق، ويضطره إلى الوقوف حين كان يؤثر المضي في كتابته، أو يضطره إلى الاستطراد حين كان يفضّل ألا يتجاوز الموضوع الذي يعرضه أو يقول فيه. *** إن من الحق على الدولة أن تعلّم البخلاء كيف يكون الكرم والجود بسلطان القانون، إذ لم يصدر عن يقظة الضمائر وحياة النفوس.. *** صدقني إن الخير كل الخير للرجل الحازم الأديب، أن يفرّ بقلبه وعقله وضميره من هذا الجيل. فإن أعجزه الفرار إلى بلاد أخرى، فلا أقل من أن يفرّ إلى زمان آخر من أزمنة التاريخ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©