الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفلام لا تشبه تونس

أفلام لا تشبه تونس
2 مارس 2011 18:41
مرة أخرى يظهر أن السيناريو هو نقطة ضعف جل الأفلام التونسية. فالشريط الجديد للمخرج معز كمون “آخر ديسمبر” تبدو قصته عادية ولا تتضمن الأحداث تعمقا في تحليل بعض مظاهر المجتمع. وقال كثير من النقاد أن السيناريو ضعيف وأن البناء الدرامي غير محكم، وقد تأكد بعد الثورة التونسية أن السينمائيين لم ينتبهوا الى كوامن الغضب لدى الشباب، ولم يبرزوا مظاهر الفقر والتهميش والبطالة والظلم في المدن والقرى في أفلامهم، ومن تجرأ منهم مثل النوري بوزيد اكتفى بإبراز فزاعة التطرف الاسلامي من خلال مواقف المخرج الاديولوجية اليسارية، ولكن لا وجود لمخرج سينمائي واحد أبرز ـ ولو رمزيا ـ الظلم السياسي الذي عانت منه تونس خلال 23 عاما بأكملها من حكم بوليسي استبدادي كممت فيه الافواه، وتم فيه تسليط كل أساليب القمع ضد شعب مثقف، وغابت فيه حرية التعبير، ولم يتطرق أي فيلم الى الفساد الذي نخر المجتمع واكتفى البعض بإشارات خفيفة الى الانتهازية مثلما فعل المنصف ذويب في فيلم “التلفزة جاية”، أما بقية الأفلام فجلها تحكي عن الكبت الجنسي ومشاكل الجسد وكأنّ الشعب التونسي لا مشاكل له الا مع الجنس وقضايا العلاقات المشبوهة والخيانات الزوجية. قد بينت الأحداث الأخيرة ان السينما التونسية كانت في واد وحقيقة حياة الناس في واد آخر، وفي حين كانت شعارات الشباب الثائر الغاضب في الثورة: “الشغل (العمل) استحقاق... يا عصابة السرّاق” وينادون بالكرامة والحرية والمشاركة السياسية، فإن المخرجين السينمائيين غرقوا في أفلامهم السابقة لثورة “البوعزيزي” ـ الشاب الذي أحرق نفسه احتجاجا على الإهانة والظلم ـ في قصص ذاتية تدور كلها حول قضايا الجسد والجنس، أما حقيقة “القصرين” و”تالة” وعربة البوعزيزي فلا أثر لها ولا لما شابهها في أفلام تونسية تم تدعيمها بأموال الشعب ولكنها خذلته ولم تصور معاناته الحقيقية. الحمل والهجر يقوم بدور البطولة في فيلم “آخر ديسمبر” ظافر العابدين الذي جسد دور “آدم”، وهو طبيب شاب اختار أن يعمل في الريف، وتشاركه البطولة هند الفاهم في دور “عائشة”، وهي فتاة ريفيّة غدر بها حبيبها وسافر إلى الخارج وتركها وهي حامل منه. عائشة فتاة في العشرين من عمرها تحلم بحياة أفضل يقرر صديقها الهروب غير مكترث لوضعها، وهذه الأوضاع تزيد تعقدا بعودة شاب يقطن بالمهجر وبقدوم طبيب قرر الاستقرار بالقرية لتتشابك الأحداث بشكل تقليدي كلاسيكي بين فتاة ورجلين. ولأنّ الكثير من الأفلام التونسية تدور أحداثها في المدينة العتيقة فإنّ المخرج معز كمون اختار أن يقلب المعادلة ليجعل من بطل شريطه طبيب شاب قرّر الاستقرار في الريف وهجر المدينة، والبطلة واسمها في الفيلم “عائشة” تعيش حياة مملة في قرية نائية. علما وأنّ الشريط تمتع بدعم من وزارة الثقافة قدره 300 ألف دينار (حوالي 250 ألف دولار) وتمّ اختيار هذا الفيلم ليكون ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة لمهرجان أيام قرطاج السينمائية في دورته الاخيرة. المخرج رؤية والمخرج دافع عن شريطه مؤكدا: “انطلقت فكرة فيلم “آخر ديسمبر” من ملاحظة شخصية لحياة وطموحات المرأة الريفية، مقتنعا بوجوب تغيير نظرتنا لها، ذلك أن الفتاة الريفية لها أحلام مثلها مثل امرأة المدينة، فعائشة بالرغم من ضيق ظروفها تطمح لحياة أسعد وبهذا الشريط أردت أن أقترب إلى هذه الفتاة التي أصبحت متعلمة ومنفتحة على العالم، وفي الآن نفسه أردته شريطا حيا بعيدا عن الميلودراما وذلك بشخصيات واقعية وطريفة وقريبة من الجمهور في الآن نفسه”. واذا كانت هذه الرؤية مغرية فإن الشريط لم يرتق الى هذه الرؤية والى هذا التصور الذي بقي نظريا، لأن القصة جاءت باهتة والأحداث رتيبة في غياب تحليل عميق للشخصيات ووضعها في إطارها الاجتماعي المؤثر فيها. وتظهر عائشة في الشريط فتاة حالمة ورومانسية أحبت بصدق ولكن حبيبها هجرها، وقبلت بسبب مرارة التجربة الاقتران بسفيان المهاجر العائد من بلاد الغربة الى قريته بحثا عن فتاة من بيئته، وكانت عائشة تأمل أن تتغير حياتها نحو الأفضل ولكن وصول الطبيب الشاب آدم الى القرية بعثر كل الأوراق وأدخل منعرجا في حياة المرأة، فالطبيب الشاب هو أيضا رومانسي ومثالي ويعزف على آلة الغيتار في ساعات فراغه، فشل في العمل في تونس العاصمة وقرر ان يفتح عيادة في قرية نائية بحثا عن آفاق جديدة، وكان اللقاء مع عائشة التي مثلت له بداية تجربة جديدة. وأقحم المخرج في الشريط شخصية ابراهيم شاعر القرية كرجل مثالي مفعم بالعاطفة والأحاسيس النبيلة، وأدى الممثل لطفي العبدلي دور المهاجر العائد الى أصوله بحثا عن زوجة تقليدية، ولكن اللقاء الذي جمعه بعائشة لم يستمر طويلا، أما جمال مداني فقد جسد دور العمدة الرجل الوصولي الانتهازي والذي لا يتأخر في اتباع أساليب قذرة لتحقيق مآربه ومصالحه الشخصية فهو محمي ويعتمد على موقعه لبسط نفوذه على أهل القرية، وجسدت دليلة المفتاحي دور أم عائشة وهي إمرأة ريفية مناضلة ومكافحة تضحي بكل شيء في سبيل ضمان حياة أجمل وأفضل لابنتها. وذكر النقاد ان المخرج اظهر القرية التي تجري بها أحداث الفيلم في مظهر مثالي، فهي قرية جميلة ونظيفة ولم تكن الصورة التي رسمها مطابقة الى حقيقة القرى التونسية التي تعاني الكثير منها من الفقر والتهميش مثلما أظهرته الأحداث الأخيرة التي جدت بـ”سيدي بوزيد” والقرى المحيطة بها، كما ان المخرج لم يظهر ما كان يعمل لدى شباب هذه القرية من مشاعر الغضب واليأس. والحقيقة ان الكثير ان لم نقل كل المخرجين السينمائيين التونسيين كانوا يخشون إظهار المشاكل الحقيقية والتطرق اليها لأنهم لو فعلوا فإنهم يحرمون من الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة لهم وهو الدعم الذي لولاه لما أمكن لهم إنجاز أفلامهم الطويلة وحتى القصيرة منها. ويقول المخرج التونسي إبراهيم عبد اللطيف أن هذا الفيلم نال إعجاب الجمهور، وأنه لاحظ أثناء حضوره مهرجان القاهرة السينمائي أن آداء الممثلة هند الفاهم أثار إعجاب النقاد والفنانين، وبصفته أحد أعضاء لجنة التحكيم في المهرجان فإنه ذكر أن الممثل فتحي عبد الوهاب أحد أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان القاهرة ومحمد العدل رئيس اللجنة رشحا الممثلة التونسيّة إلى جانب سوسن بدر ونادين لبكي لنيل أفضل جائزة ممثلة، إلا أن الكفة مالت لصالح سوسن بدر، وتم منح هند الفاهم جائزة أفضل ممثلة صاعدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©