الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من المُخيلة إلى القراءة

من المُخيلة إلى القراءة
2 مارس 2011 18:31
الطفولة عالم جميل ساحر مليء بالرؤى المحلقة في الأخيلة والأحلام الجميلة. ويعد المختصون أن الكتابة للطفل هي من أصعب ألوان الكتابة الإبداعية لأن كاتبها يتعامل مع خامة تتكيف حسب ما يقرأ أو يشاهد أو يسمع من إبداعات شعرية كانت أو قصصية أو مسرحية وغيرها... وقد نالت حكايات وأشعار الطفولة قسطاً من اهتمامات أدباء العرب منذ القديم وعند المعاصرين من خلال أنموذجات قدموها، ولكن مقارنة بإنتاج أدباء وشعراء العرب للطفولة أمام ناظريهم من الدول الأجنبية يكاد أن يكون دون الواحد بالمائة لأن هناك مؤسسات ترعى الطفل والطفولة وينشئوهم على حبّ المعرفة والكتاب والقراءة المتواصلة لأنها غذاء الروح. ولعلّ الكتابة الموجهة للطفل تحتاج إلى خصائص ومقومات لابد أن يتمتع بها كاتب قصص الأطفال، لذا جاء كتاب المجلة العربية السعودية “عالم الكتابة القصصية للطفل”، لمؤلفه الروائي والقاص السوري عبدالباقي يوسف، ليلقي الأضواء على هذا اللون الأدبي المخصص للأطفال. والحديث الطبيعي بين الكبير والصغير هو حديث عقيم لا فائدة منه لدى شريحة جيدة من الناس، ولذلك نرى الكثيرين يتحاشون الحديث الجاد أو الهادف مع أطفالهم، لأنهم يظنون أنه لا يزيد على أن يكون حديث الطرشان، وحقيقة الأمر، أنه بقدر ما يحتاج الصغير إلى حديث الكبار، فإن الكبار أيضاً يحتاجون إلى أن يحدثوا الصغار، ويحتاجون إلى الإصغاء إليهم أيضاً. ويوضح المؤلف في مقدمة كتابه إلى: أنّ عملية الكتابة للأطفال تحمل الكثير من الحساسية بالنسبة لكاتب الأطفال، كما أنها تتمتع بكثير من الميزات التي لابد أن يتمتع بها كاتب قصص الأطفال حتى تكون له معيناً لربط جسر ذوقي وحسي وأدبي بينه وبين الطفل، إلى جانب ما يتمتع به من موهبة توظيف المخيلة، وموهبة الإبداع الأدبي والفكري. ويضيف: لا أقول إن الكتابة للأطفال عملية صعبة بشكل خاص كما قد يظن البعض، بل إن الإبداع بشتى فروعه وأجناسه عملية تحتاج إلى جهود كبيرة حتى يتم إخراجه من المخيلة إلى عمل مقروء، ثم تحتاج إلى كثير من الجهد حتى يرى هذا الإبداع النور... ستة فصول عقد يوسف عبدالباقي كتابه من مقدمة وستة فصول. تناول في الفصل شخصية الطفل”، مشيراً فيه إلى اهتمام الإنسان بتوجيه الفل منذ القِدَم، مستشهداً من التراث الإنساني بنماذج خاصة في التراث اليوناني، حيث وجه الشعراء والأدباء بعض نتاجهم إلى الطفل نحو: موسخوس، ويوريبيديس، ، وثيوكريتوس، وبيون الذي خاطب الطفل قائلاً: “ يا بُني لا تلجأ إلى الناس دون مبرر ولا تعتمد على الغير في إنجاز عملك حاول أن تصنع مزمارك بنفسك كل شيء يتم بمشيئة الآلهة”. كما عرض لأنموذج حول شخصية الطفل من التراث المصري القديم للعناية بتوجيه الطفل، وذلك في قصيدة نشيد النيل التي تخاطب الطفل: “هو النيل ينزل من السماء ويسقي البراري البعيدة عن الماء وينتج الشعير، وينبت الحنطة وهو سيد الأسماك وهو الذي يحدد للمعابد أعيادها”. وقد خاطبت حضارة وادي الرافدين في العراق القديم الطفل في ملحمة جلجامش وهي تقول له: “من سلك سبيل العدوان واغتصبت يده ما ليس له من نظر نظرة رضا على موطن الشر من بدّل الوزن الكبير بالوزن الصغير من أكل ما ليس له ولم يقل ما حدث فسوف يعاقب على جرائمه”. ثم ذكر أنموذجات شعرية للشاعر امرئ القيس وعمرو بن كلثوم التغلبي، وقول للإمام أبي حامد الغزالي في “ إحياء علوم الدين” ولابن قتيبة، وللأديب الجاحظ في البيان والتبيين. شخصية كاتب الأطفال عنوان الفصل الثاني من كتاب المجلة العربية، عرفنا فيه مؤلفه من أن كاتب الأطفال المتمكن من الكتابة القصصية بشكل جيد، هو شخص يعرف كيف يمارس أبعاد ومزايا طفولته بعداً بعداً، وتفصيلاً تفصيلاً عندما يشرع في كتابة سطور المسودّة الأولى لنص أدبي جديد موجه إلى عالم الطفولة. وكاتب الأطفال بمثابة طفل يرتدي ثياب الكبار لأن حجمه كبير، طفل بذقن ولحية، طفل هو في الوقت عينه أب، وجد. والكاتب غالباً ما يميل إلى محادثة ومجالس وتجمعات الأطفال، بمعنى أنه يسمعهم بأذن ثالثة، وينظر غليهم بعين ثالثة، يسمع ما لا يسمعه الآخرون، ويرى ما لا يراه الآخرون في عالم وتصرفات الأطفال، وهو شخص يحالفه النجاح كثيراً في عقد علاقات متينة مع الأطفال. وأشار عبدالباقي يوسف في الفصل الثالث بعنوان “تنمية موهبة كتابة قصة الأطفال” إلى أنّ الكاتب يحتاج إلى أن يقرأ ويتدبر ويتأمل ما يكتبه للأطفال من أفكار، وإن كان يتمتع بذائقة فنية أيضاً، فيمكنه أن ينظر إلى ما يرسمه الأطفال، من أجل أن يستخلص شيئاً جديداً من عالم الأطفال، وكاتب قصة الطفل يثق بالقصة التي يكتبها الطفل، ويسعى إلى قراءتها بكثير من التدبر والتأمل والتأويل أيضاً. وأن الذي يكتب لا يتجه بكتابته إلى الطفل مثلما يفعل كاتب قصة الأطفال الذي يركز كتابته الإبداعية إلى عالم الطفولة، بل هي كتابة منبثقة من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، ونبه المؤلف إلى ما ذكره” بيتر بروك” من أن نميز كثيراً بين الأدب الذي يكتب للطفل بشكل خاص، وبين الأدب الذي يقرؤه الطفل بشكل عام، لأن الطفل قد يقرأ شيئاً للكبار من مكتبة البيت، وقد يحدث العكس، فيقرأ الكبير شيئاً من ألدب المكتوب بشكل حصري للطفل. تصنيف قصص الأطفال وأفرد مؤلف الكتاب الفصل الرابع لتصنيف قصص الأطفال، حيث وضع سنوات افتراضية لمرحل الطفولة:” المرحلة الأولى، والثانية، والانتقالية الثالثة، والمرحلة الرابعة، والمرحلة الانتقالية الخامسة”. وحدد لكل مرحلة السِّن المعين لها فالمرحلة الأولى تبدأ من اليوم الأول وحتى السنة الأولى، وهي مرحلة التكوين الأولي للدخول الفعلي إلى الحياة، بينما نجد المرحلة الانتقالية الخامسة تبدأ من السنة الثالثة عشرة، وتمتد إلى السنة السادسة عشرة. المرأة والكتابة يرى يوسف في فصل كتابه الخامس “المرأة والكتابة للطفل” بأن المرأة الكاتبة يحالفها النجاح في الكتابة للطفل بدرجة أعلى من الرجل، ذلك أن المرأة تمكث مع الطفل فترة أكثر من الرجل، وهي تتحاور مع الطفل أكثر مما يفعله الرجل،كذلك لكونها هي الأم الوالدة له، كما أن المرأة الكاتبة تتابع كأم مراحل نمو فلها في أحشائها منذ الشهر الأول مروراً بالشهر التاسع لولادته، ومن ثم تربيته وتنشئته إلى أن يصبح فتىً ورجلاً في قابل السنين. واختتم المؤلف كتابه بالفصل السادس الذي تحدث فيه عن” توظيف الخيال في قصة الطفل”، وذكر بأننا نضطر أحياناً إلى شيء من التحايل على أطفالنا في مواقف ما حتى نتجنب الصِدَام المباشر معهم، وحقيقة الأمر، فلا يمكننا القول: إنهم لا يتعاملون معنا التعامل ذاته وفق ذات المنظور، فهو أيضاً قد يقبل هذا الاتجاه بشيء من التحايل حتى تهدأ الأمور، ثم يشعلها كَرّة أخرى في وقت آخر. وأوضح إلى أن كاتب الأطفال عليه أن يتمتع بخيال خصب معافى يشطح به في أفق واسعة قصد اكتشاف مساحات سحرية الواقع كما هو الحال في الكثير من القصص التي خلدت في ذاكرة مكتبة الطفل مثل حكايات كليلة ودمنة، وعلاء الدين والمصباح السحري، والسندباد البحري، والأمير الصغير، وعلي بابا والأربعين حرامي من التراث العربي، أو مثل توم أند جيري، وتان تان، وميكي ماوس، والأقزام السبعة، وبياض الثلج، وسندريلا وغيرها من التراث العالمي للطفولة...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©