الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابحث عن السياسة في كل خلاف

ابحث عن السياسة في كل خلاف
2 مارس 2011 18:29
يستحق هذا الكتاب ان نقرأه وان نتأمله بعناية، فهو يتناول مشكلة وقضية قديمة، لكنها متجددة وتلح علينا في السنوات الأخيرة. والكتاب من تأليف برنابي روجرسون وترجمه د. عبدالرحمن الشيخ بعنوان “ورثة محمد.. جذور الخلاف السني الشيعي” وقام بالتعليق عليه د. عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الاسلامية بالازهر. يذكر المؤلف وهو انجليزي انه كلما قابل كاتبا مسلما وأخبره أنه أعد كتابا عن حياة النبي محمد ويعد كتابا آخر عن فترة الخلفاء الراشدين وهو الكتاب الذي بين ايدينا، كان يجد اندهاشا وعدم تصديق، وقد اعتبر هو ذلك تقليلا من قدراته لكنه في الواقع قدم كتابا عميقا مكتوبا بروح من التعاطف مع التاريخ الاسلامي ومع المسلمين، وقد ساعده في ذلك عدة أمور منها ان المصادر العربية للتاريخ الاسلامي مثل طبقات ابن سعد مترجمة الى الانجليزية فضلا عن السيرة النبوية لابن اسحق وتاريخ الطبري وكذلك تاريخ الواقدي في 84 مجلدا، رجع اليها كي يصدر هذا الكتاب. وهو كمتخصص في علم الانثروبولوجيا لم يتوقف عند القراءة النظرية بل زار المنطقة موقع الاحداث الاولى في الجزيرة العربية، تحديدا مكة المكرمة والمدينة المنورة ثم العراق وسوريا ومناطق القبائل حيث تعرف على انماط حياة سكان هذه البلدان، لذا نراه يسخر كثيرا من المؤرخين الغربيين الذين توقفوا عند سن السيدة عائشة ـ ام المؤمنين ـ حين تزوجها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك ان بعض القبائل الى اليوم لا تدون شهادات ميلاد لبناتها وتذكر فقط ان الفتاة تتزوج حين تصبح ناضجة من دون ارتباط بسن معينة. استعادة تاريخية يستعرض الكاتب الخلاف الذي وقع بعد وفاة رسول الله بين المهاجرين والأنصار حول من يخلف النبي فيما عرف بحادث السقيفة ويذهب المؤلف الى ان جناح مكة أو المهاجرين وكان يمثله ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب، كان لابد له ان يتفوق على جناح الانصار بقيادة سعد بن عبادة، لأن الانصار كانوا من اهل المدينة، وهم أهل زراعة في المقام الاول بينما القرشيون أو المكيون كانوا اهل تجارة وقوافل خرجوا الى الشام والى اليمن والى الحيرة واحتكوا بالناس هناك، ومن ثم فهم اهل السياسة والقادرون على خوض غمارها، يقول “ كانت ميزة مكة الكبيرة والوحيدة هي براعة قيادتها السياسية فقريش ـ مكة ـ رغم التنافس بين العشائر نجحوا في تقديم انفسهم بوجه واحد موحد للعالم الخارجي، وهو الذي لم يحدث في المدينة التي لم يستطع أهلها أن يظهروا بأن لهم سياسة واحدة متماسكة فقد مزقتهم الصراعات السياسية بين العشائر” ونعرف الصراع بين الاوس والخزرج، صحيح ان الرسول انهى ذلك الصراع، لكن هذا لا يعني ان يأتلفا معا في مشروع سياسي موحد وعموما كان في المدينة 18 عشيرة لم يكن بينها انسجام تام فضلا عن اليهود المتواجدين بها وكانوا عدة مجموعات بينما كان أهل مكة أو المهاجرون كتلة واحدة أو على قلب رجل واحد. ولهذا السبب وتلك التكوينات تغلب فيما بعد جناح معاوية بن ابي سفيان على جناح الخليفة الرابع علي بن ابي طالب، ذلك ان عليا ـ كرم الله وجهه ـ من وجة نظر المؤلف تطبع باهل المدينة فقد كان يعمل بيديه معهم، ومارس مهنهم في الزراعة وغيرها، فالرسول آخى بين المهاجرين والانصار، بمعنى ان كل انصاري من اهل المدينة كفل مهاجرا لكن هذا لم يحدث بالنسبة لعلي بن ابي طالب، فقد ضمه الرسول اليه، لذا كان علي بن ابي طالب مطالبا ان يقوم برعاية وكفالة نفسه فضلا عن ان يساهم في كفالة بيت النبي لكن المعنى الاهم بالنسبة للمؤلف أن على بن ابي طالب لم يكن سياسيا في المقام الأول، هو فارس بمعنى الكلمة، ولذا رفض الوسائل السياسية التي تجيز المناورة حينا وربما الكذب والخداع ومن ثم بقى علي الى اليوم نموذجا مضيئا للفروسية في نظر الشرق والغرب على السواء. بين فضيلتين ويستشهد المؤلف بعبارة كريستيان هبل “ان التراجيديا الحقيقية في العالم ليست صراعا بين الحق والباطل أو بين ما هو صحيح وما هو خطأ، انما هي صراع بين فضيلتين، والمعنى عنده ان الصراع الذي ظهر في التاريخ والمجتمع الاسلامي بين أنصار علي وأنصار معاوية لم يكن صراعا بين حق وباطل بل هو صراع بين تيارين سياسيين وعلى هذا النحو يمضي الكاتب هنا مستعرضا اسس وأركان الاسلام وفي النهاية لا يجد فارقا بين المسلم السني والمسلم الشيعي، على مستوى العقيدة والعبادات، كل منهما يؤدي نفس الصلاة ويصوم رمضان بنفس الكيفية ويحج الى بيت الله الحرام في نفس التوقيت ونفس الاركان وفيما يتعلق بحياة النبي، لن تجد فيها خلافا كبيرا بين المسلم السني والمسلم الشيعي، نقطة الخلاف في ذلك ان المسلم السني يقول ان الرسول، وافته المنية بين ذراعي السيدة عائشة ام المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ بينما يذهب المسلم الشيعي الى ان الرسول مات على كتف علي بن ابي طالب. وهو خلاف لا يرتبط بجوهر الاسلام ولا يترتب عليه اي اختلاف عقائدي واذا كان الشيعة لديهم توقير خاص لآل البيت النبوي فلدى السنة حب خاص لآل البيت وقد لمس المؤلف ذلك بنفسه في مصر خاصة وكذلك في تونس وشمال افريقيا. يقول المؤلف “وعندما تتفحص الممارسات ـ العبادات ـ الدينية للمسلمين السنة والمسلمين الشيعة نجد ان الفروق ضئيلة لا تكاد تذكر فالشيعة يعترفون بالقرآن نفسه وهم يصلون الصلوات الخمس اليومية ويتبعون تقويما واحدا ويلتزمون في صومهم بالالتزامات نفسها، وكل منهما يحج ملتزما بالشعائر نفسها”. يلفت النظر دراية الكاتب الواسعة بالثقافة والتجربة الاسلامية ولانه ينظر الى الامر من خارجه ويتمتع بروح علمية عالية فقد امكنه ان ينتبه الى تفصيلات وجزئيات في التاريخ الاسلامي قد لا ينتبه اليها أو يتوقف عندها من اعتاد ذلك التاريخ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©